جمعيات سياسية (بمثابة أحزاب) انبثقت من صناديق خيرية، تعود القائمون عليها على عقلية المساعدات، وصل بعض المنتمين إليها في حين غفلة من الزمان إلى قبة البرلمان، يمارسون العمل السياسي والعمل البرلماني بعقلية الحقيبة المدرسية، وكأنهم يريدون من عملهم تحويل المؤسسة التشريعية إلى صندوق خيري.
أما الحكومة فقد عرفنا منها سياسة المكرمات البعيدة عن سياسة دولة القانون والمؤسسات.
فجأة تصدر مكرمة بإعفاء المستفيدين من المشروعات الإسكانية من جزء من قيمة الأقساط المستحقة عليهم، ويستفيد من هذه المكرمة المحتاج وغير المحتاج، في الوقت الذي يوجد فيه مواطنون على قائمة الانتظار للاستفادة من الخدمات الإسكانية، وهم ينتظرون سنوات طويلة، وآخرون يعيشون في مساكن لا تصلح أن تكون زرائب للحيوانات، بعضهم متزوج يعيش مع أطفاله وزوجته في غرفة واحدة!
أيهما أجدى، استخدام هذه الأموال في مشروعات تخدم مواطنين هم أكثر حاجة من الذين سبق لهم أن استفادوا من المشروعات الإسكانية، أم المكرمة هي الأجدى والأنفع للوطن والمواطنين؟
قرار بإعفاء المتأخرين عن تسديد فاتورة الكهرباء والماء من المبالغ المتأخرة عليهم، لا أدري إلى أي قانون استند ذلك، إذ إن مبالغ هذه الفواتير هي إيرادات مستحقة لصالح خزينة الدولة، فعلى أي أساس يتم شطبها؟ أليس الأجدر استخدام هذه المبالغ في تمويل مشروعات تمتص البطالة المتفاقمة.
الآن يظهر علينا مجلسنا التشريعي الذي تخلى عن دوره التشريعي وتخلى عن مناقشته للقضايا الجوهرية التي يعاني منها الوطن والمواطن، فشل في محاسبة المسئولين عن الفساد في الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية والهيئة العامة لصندوق التقاعد، فشل في كشف مآسي سياسة التجنيس، يظهر علينا الآن مجلسنا الموقر ويبدو أنه على توافق في ذلك مع الحكومة بمكرمة جديدة تحت مسمى العيدية. الرقم المكلف لهذه المكرمة يتحدث عن مبلغ 35 مليون دينار، على أن يؤخذ هذا المبلغ من الاحتياطي العام للدولة.
في الوقت الذي ينصرف فيه نوابنا الأفاضل وحكومتنا الرشيدة إلى مشروع العيدية وإنفاق هذا المبلغ بشكل سريع يستفيد منه قطاع محدود من المواطنين، نرى إدارة الجنسية والجوازات والإقامة تصدر قراراً يتيح للمتقاعدين الأجانب العاملين في دول مجلس التعاون باتخاذ البحرين مأوىً لهم، وكأن مملكة البحرين ملاذ للمتقاعدين في أواخر سني عمرهم، ربما يكون الهدف تحويل البحرين إلى مدافن للموتى مجدداً!
لو أخذنا المبلغ المطلوب تخصيصه لمشروع العيدية وهو 35 مليون دينار في كل سنة وقسمناه على 40000، وهو المبلغ الذي قال عنه وكيل شئون الجنسية والجوازات والإقامة إنه يتيح للمتقاعدين الأجانب العاملين في دول مجلس التعاون فرصة الاستفادة من اتخاذ مملكة البحرين موطناً لهم، فإن النتيجة الحسابية تقول إن ناتج القسمة يساوي 875، رقم يجعلنا نستغني عن جلب 875 متقاعداً للإقامة في مملكة البحرين، عدا مرافقيهم الذين أقدر عددهم بـ 3500 فرد، باعتبار أن المتقاعد سيجلب معه زوجته وثلاثة من أبنائه القصّر. أي أن هذا المبلغ يجعلنا نستفيد من الاستغناء عن جلب ما يزيد على أربعة آلاف وافد متاح لهم الإقامة الدائمة في مملكة البحرين. كما أن المبلغ المقترح يمكن أن يدخل وتحت أعيننا في مشروعات استثمارية حقيقية تعود على الوطن والمواطنين بالخير، مشروعات تمتص جزءاً من البطالة. جميل أمر تخفيف الأعباء عن المواطنين، ولكن لا أعتقد أن سياسة المكرمات هي السبيل لذلك.
يقول النائب جاسم عبدالعال، تعليقاً منه على مشروع العيدية: «إن مشروع مستشفى الملك حمد في المحرق تأخر سنوات بسبب عدم وجود موازنة له، مع أنه لن يكلف أكثر من 30 مليون دينار، وان المبالغ التي ستوضع في العيدية يجب أن تقام بها مشروعات مثمرة كالمدارس والمستشفيات والجسور وغيرها من الأمور الحياتية التي تهم المواطنين جميعاً».
نأمل ألا يكون مشروع العيدية مترافقاً مع مشروع تقاعد النواب، حتى لا نفهم أن الأمر فيه مساومة!
نتمنى من نوابنا الأفاضل أن يبتعدوا عن دغدغة العواطف، وأن يبتعدوا عن المكرمات وعن عقلية الصناديق الخيرية، وينصرفوا إلى واجباتهم في المحاسبة والمراقبة، وأن يتساءلوا نيابة عنا عن كل فلس يجب أن يدخل خزينة الدولة، ما إذا كان دخل أم لا، وما هي أوجه صرفه، وخصوصاً أن حاجز سعر النفط وصل إلى 50 دولاراً، نريد أن نعرف كم هو الفائض الذي تحقق من هذه الزيادة، وفيما سيستخدم. اجعلونا أيها النواب الأفاضل نشعر بقيمة مجلسكم الموقر، لأننا وحتى هذه الساعة لم نجد منه حتى الحد الأدنى الذي يلبي طموحات المواطن
العدد 724 - الأحد 29 أغسطس 2004م الموافق 13 رجب 1425هـ