التدبر في انتهاء أزمة النجف الأخيرة بعد مبادرة السيدالسيستاني ورجوعه إلى النجف قادما من رحلة علاج في لندن، يحيل أي مراقب إلى أعماق امتياز المرجعية الذي تتمتع به الحركة الإسلامية (الشيعية) وهو ما أشار إليه مرارا المفكر الكويتي عبدالله النفيسي. ليس جديدا على المتابعين القوة والعمق اللذان تتمتع بهما المرجعية، لكن الجديد الذي يحتاج لأن نقرأه كحال ربما تكون فريدة من نوعها في التاريخ الشيعي، هي ظاهرة مقتدى الصدر المتمرد على المرجعية وآثار ذلك، مرجعية السيستاني في العراق ومدى حضورها وتأثيرها ومطالبتها بالانتخابات، ونجاحها خصوصا في مسألة قانون إدارة الدولة العراقية المؤقت، وضغط السيستاني من أجل عدم الاعتراف بهذا القانون دوليا وهذا ما حصل فعلا وأثار الأكراد ضده، هذا المرجع تعرض لسيل جارف من الشتائم والاتهامات بالتواطؤ مع الأميركيين أبان خروجه للعلاج واندلاع الأزمة في النجف، لكنه قطع كل الألسنة وكسر الأقلام التي نطقت أو كتبت ضده، إذ جاء وأعاد الكرة ثانية إلى ملعب المحتلين حينما أمسك بجذر المشكلة مطالبا بتسريع الانتهاء من الإجراءات الممهدة لإجراء انتخابات عامة ينتخب من خلالها العراقيون حكومتهم عبر صناديق الاقتراع وهو الأمر الذي لا يجرأ أحد من سبابي السيستاني على القول بعدم صوابيته.
انتهت الأزمة وظلت الحيرة من مواقف بعض القنوات الفضائية المحسوبة على التيار الديني الشيعي، وكذلك الحيرة من مواقف بعض الدول الإقليمية التي اخترقت التيار الصدري وجعلته يخوض بالعراقيين حربا ليس الشعب العراقي مستعدا لها، التمرد على المرجعية يصب في صالح الاحتلال الذي ليس من صالحه الإسراع بالعملية السياسية وإجراء انتخابات تصعد من خلالها القوى العراقية ذات الامتداد الشعبي إلى مواقع الحكم، ورمي علاوي وزمرته خارج المعادلة. وإذا لم يقبل المحتل بالانتخابات حينها سنرى للمرجعية موقفاً آخر
العدد 724 - الأحد 29 أغسطس 2004م الموافق 13 رجب 1425هـ