توجيه سمو رئيس الوزراء الجهات المعنية بوقف ردم «خليج توبلي» يستحق كل الثناء والتقدير، ونأمل أن يكون بادرة خير لإعادة التوازن إلى وضع غير طبيعي استمر فترة طويلة ويهدد بتدمير البيئة البحرية أو مصادرتها لصالح أشخاص في الوقت الذي يعيش المواطن محروماً من رؤية خيرات بلاده.
إنه قرار حكيم، أثلج صدورنا، والأمل في أن تكون هناك سياسة واضحة وضوابط صارمة لكل ما يتعلق بالبيئة البحرية والسواحل والمواقع الأثرية والتراثية، لأن هذه جميعها ثروة وطنية يملكها الوطن وليس أي شخص.
لدينا في البحرين قنوات مائية انشئت قبل قرون، قبل الإسلام، وهذه مرتبطة بعيون مياه جفت حالياً. وآثار هذه القنوات يمكن رؤية بعضها في «الجنبية» ولكنها ممتدة في كل مكان، في «سار»، وفي المناطق النائية عن العيون. غير أن هذه القنوات والعيون التي جفت تحولت إلى ملك خاص، والمواد الدراسية في المدارس والجامعة لا تعطي أية معلومات تفصيلية عن هذه المعالم التي حددت شخصية البحرين في الماضي، وتحدد شخصيتها حالياً.
أخيراً بدأت الدولة تهتم ببعض القضايا التي كانت تتجاهلها، وفرحت كثيراً الأسبوع الماضي عندما زرت «قلعة البحرين» وشاهدت التطورات استعداداً للاحتفال بمرور 50 عاماً على اكتشاف حضارة «دلمون». وسبب زيارتي أن مجلة فرنسية متخصصة أرادت أن تجري تحقيقاً عن البحرين وطلبت معلومات عن المواقع التي يمكنها أن تبدأ بها. وشعرت بالخجل لأن الفرنسيين والدانماركيين فقط هم الذين يهتمون بتراثنا ويعرفون قيمة البحرين التاريخية. ولذلك كلفت نفسي عناء زيارة بعض المواقع، وكنت أتوقع ان تتقزز نفسي مثل كل مرة، ولكن استغربت أن وزارة الإعلام - ربما لأول مرة في حياتها - قامت بشيء يحسن وجه البحرين وينفع فيما لو حاول أحد المهتمين اجراء تحقيق عن تاريخ وآثار البحرين. ولكني في الوقت ذاته اعتذرت إلى المجلة المتخصصة بأن ليس كل ما قرؤوه عن البحرين سيمكنهم الوصول إليه، لأنه لم يحافظ على المواقع والآثار والسواحل ضمن ملكية الدولة، بل إنها أصبحت ملكاً شخصياً، وليس للمواطن أو الباحثين المهتمين سوى التندر أو الحسرة والندامة.
التراث والبيئة موضوعان مترابطان وهما يحددان قيم الإنسان، وفيما إذا كان هذا البلد متحضراً أو متخلفاً. فإن كان متحضراً فستراه يبذل الغالي والنفيس من أجل الحفاظ على البيئة والتراث في أحسن حال وضمن مشروع وطني (وليس شخصي) لبعث الحياة في كل جانب حيوي. أما إذا كان البلد متخلفاً فسترى الاندثار والتدمير وتحويل كل شيء إلى ملك شخصي أو هيكل عظمي أو أرض خاوية، تماماً كما تدعي بعض الأفلام الغربية أن المستعمر الفرنسي والبريطاني كانا يحافظان على التراث ويضطران إلى نقله إلى عواصم تلك البلدان لأن أهل مصر والعراق وغيرهما من البلدان كانوا يعبثون بهذه الثروات كما يعبث قطاع الطرق بغنيمة لأحد الناس الذين يتم سلبهم.
إننا أهل للمحافظة على تراث وثروات الوطن، وما نحتاجه هو توسيع وتطبيق توجيهات سمو رئيس الوزراء التي صدرت أمس الأول
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 724 - الأحد 29 أغسطس 2004م الموافق 13 رجب 1425هـ