شغلت الصحف الأميركية والبريطانية التطورات الأخيرة ووقف القتال في النجف الأشرف بعد ثلاثة أسابيع من المواجهات الدامية بين قوات الاحتلال الأميركي والمقاومة العراقية... فتوقعت الصحف على خلفية الاتفاق في النجف وانسحاب قوات «جيش المهدي» من الصحن الحيدري، أن يحمل اتفاق النجف هدوءاً مؤقتاً... وعزت توقعاتها إلى طبيعة الاتفاق نفسه لكنها تخوفت على قوات الاحتلال لأن شروط وقف النار قد تشكل خطراً في المدى البعيد على القوات الأميركية والمصالح الأميركية في العراق.
ورجحت افتتاحية «نيويورك تايمز»، ألا يتوانى الزعيم الديني السيد مقتدى الصدر عن تجنيد المزيد من المقاتلين وبناء ميليشيا أكثر نفوذاً من أجل تعزيز أجندته الدينية العسكرية... وتساءلت بشأن المدى الزمني الذي ستستمر فيه هذه القوات على الاراضي العراقية؟... على أية حال لاحظت غالبية التعليقات، أن هذا الاتفاق لا يمثل هزيمة للزعيم الشاب كما يعتقد البعض. «فانسحاب هذا الأخير من النجف لم يكن سوى خطوة تكتيكية» كما تقول افتتاحية «الغارديان».
وعلى خلفية حديث الرئيس الأميركي جورج بوش الأخير إلى «نيويورك تايمز»، عن أخطائه في العراق وتكريس حملته من جهة أخرى لتشويه سمعة منافسه جون كيري «الفيتنامية»، يأتي الملف العراقي ضمن التحليلات الأميركية مثل ذخيرة تستخدمها الأطراف «المتنافسة» انتخابياً في أميركا على رغم كل انعكاساتها الدموية في العراق. لكن أحد الكتاب البريطانيين، لاحظ أيضاً استبعاد الأميركيين «النجف» عن الصورة خوفاً على حملاتهم الانتخابية «حتى أن حوادث النجف ليست موجودة حتى على أجندة الحركات المناهضة للحرب في أميركا... لكن تدنيس الأميركيين لـلنجف سيلاحقهم على مدى عقود طويلة»... كما يتوقع مراسل «الغارديان» في العراق. وأشار روبين رايت في «واشنطن بوست » نقلاً عن مسئولين أميركيين وشرق أوسطيين تعليقاً على اتفاق النجف، إلى أن هذا الاتفاق قد يحمل هدوءاً قصير المدى إلى المدينة بعد ثلاثة أسابيع من المعارك غير أن شروط وقف النار قد تشكل خطرا على المدى البعيد على القوات الأميركية والمصالح الأميركية في العراق.
وحذر المسئولون من أن المشكلات الرئيسية التي أدت إلى اندلاع تلك المعارك لم تحل بعد، موضحا أن الخطر يكمن في أن الصدر لايزال حراً وقادراً على جمع قواته المشتتة بين المدن الأخرى. وأضاف أن تفكيك كل الميليشيات العراقية بما في ذلك ميليشيا الصدر هو مسألة محيرة بالنسبة إلى الحكومة العراقية الهشة التي تناضل من أجل تعزيز سيطرتها على شئون البلاد.
أما على الجانب الأميركي فأشار إلى أن الاستراتيجية العسكرية الأميركية تلقت ضربة قوية وخصوصاً أن مواجهة النجف هي الثالثة خلال خمسة أشهر التي يحارب «المتمردون» خلالها القوات الأميركية إلى حد إلحاق الخسائر بها ومن ثم يوافقون على وقف النار من أجل منح المقاتلين وقتاً للراحة ورص الصفوف. محذراً من أن يكون العراقيون قد وصلوا إلى قناعة بأن في إمكانهم اختيار مكان وزمان تنفيذ هجماتهم ضد الأميركيين ومن ثم التراجع بأمان (أي في إطار اتفاق مع القوات الأميركية).
ورأت «نيويورك تايمز» في افتتاحيتها أن الحكومة العراقية أبلت بلاء حسناً عندما قررت تفادي المواجهة الدامية لإنهاء سيطرة مقتدى الصدر ورأت انه كان من الممكن أن تتكبد الحكومة أضراراً سياسية غير محسوبة حتى لو انتصرت. إلا أنها لفتت إلى أن رئيس الوزراء اياد علاوي، وافق بدلاً من الدخول في مواجهة مع الصدر، على تسوية لحفظ ماء الوجه أعدها المرجع الديني السيد علي السيستاني. وذلك من أجل إنهاء حصار النجف، معتبرة أن الرابحين الأساسيين من هذا الاتفاق هما السيستاني والصدر الذي وصفته بأنه بطل ملايين العراقيين الفقراء والعاطلين عن العمل.
أما واشنطن وبغداد فقد خرجتا من المواجهة وقد تراجعت أرصدتهما. في حين أن مدينة النجف هي الخاسر الأكبر نظراً إلى الدمار الذي حل بها والخسائر الفادحة في الأرواح التي منيت بها. ورأت «الغارديان» في افتتاحيتها أن ما فشلت الدبابات الأميركية في تحقيقه في النجف نجح السيستاني في تحقيقه. وأوضحت أن السيستاني وصل إلى النجف يرافقه آلاف من العراقيين الشيعة، وسيطر بهدوء على مرقد الإمام علي حيث كان أنصار الصدر محاصرين من قبل القوات الأميركية وقوات الحكومة العراقية المؤقتة.
وأضافت أن عناصر ميليشيا الصدر، بدأوا يسلمون أسلحتهم في إطار اتفاق تم بوساطة السيستاني. وإذ تمنت الصحيفة البريطانية أن يدوم هذا الاتفاق طويلاً، حذرت من أن فشله سيضع مستقبل العراق على المحك. وفي إطار التعبير عن رأيها باتفاق السيستاني - الصدر، أشارت «الغارديان»، إلى أن هذا الاتفاق لا يمثل هزيمة للزعيم الشاب كما يعتقد البعض. فانسحاب هذا الأخير من النجف لم يكن سوى خطوة تكتيكية. لافتة إلى أن «جيش المهدي» خرج من النجف كي يظهر فيما بعد في مدينة أخرى. وكتب مقال تحت عنوان «الحرب الأهلية الثانية في الولايات المتحدة»، لوحظ في مستهله أن الأميركيين تحت عمر الأربعين يتساءلون لماذا أن حرب فيتنام التي انتهت قبل 29 عاماً مازالت تستحوذ على اهتمام وسائل الإعلام على رغم أن عشرات الأميركيين يموتون في العراق اليوم و130 ألفاً يحاربون هناك؟
وحاول السفير السابق الإجابة عن هذا التساؤل من خلال التأكيد على أهمية حرب فييتنام في حياة الأميركيين لافتاً إلى أن بعضهم (أي قدامى المحاربين) يعتبرون أن هذه الحرب لن تموت إلا بموتهم. ولاحظ أن الأميركيين يخوضون حرباً أهلية ثانية على خلفية محاولة المرشح الديمقراطي جون كيري استخدام سجله العسكري في حرب فيتنام للتأثير على الناخبين والحملة المضادة التي يشنها قدامى المحاربين في فيتنام لتشويه سمعة كيري، والتي رفض بوش شجبها خلال الحديث الذي أجراه مع صحيفة «نيويورك تايمز».
وفي مقالة تحت عنوان «حان وقت إعادة النجف إلى الولايات المتحدة»، استغرب نعومي كلاين (مراسل الغارديان في نيويورك)، أيضاً تجاهل الأميركيين لأزمة النجف في سباق الرئاسة الأميركية. على رغم المواجهات العسكرية اليومية التي كانت تشهدها ومن سقوط الأطفال العراقيين داخل منزلهم ضحايا للعقاب الجماعي الذي أنزلته القوات الأميركية بالمدينة، ولاحظ أن الأميركيين يتعاملون مع قضية النجف كما لو كانت صراعاً عرقياً أو محلياً. والأغرب هو أنها ليست موجودة حتى على أجندة الحركات المناهضة للحرب في أميركا. واعتبر أن السبب وراء هذا التجاهل هو أن تسليم السلطة إلى العراقيين قد فعله فعله. فقد أصبح العراق بالنسبة إلى الأميركيين مسألة تخص العراقيين وحدهم. ولاحظ أن الأميركيين لم يقدموا على تدنيس النجف فحسب بل بدوا غير مدركين لأبعاد المواجهة في هذه المدينة. مؤكداً أن ما تسبب به الأميركيون من قتل ودمار في النجف سيلاحقهم على مدى عقود طويلة
العدد 723 - السبت 28 أغسطس 2004م الموافق 12 رجب 1425هـ