وزارة الكهرباء والماء أعلنت أن سبب الانقطاع التام للكهرباء هو 400 ميغاوات من الحمل الاضافي المفاجئ من محطة كهرباء «ألبا» دخلت في الشبكة الحكومية. و«ألبا» على لسان رئيسها التنفيذي بروس هول ترد بانها ليست مسئولة عن ذلك مثلما طالعتنا صحف الخميس. ما هذا، هل هذه أحجية؟
انها بداية غير موفقة لعمل لجنة التحقيق في المشكلة. هل قلت «غير موفقة»؟ انها تعبير مخفف ومهذب لكارثة أخرى وأعظم هي طريقتنا وأسلوبنا في مواجهة المشكلات. فنحن الآن بصدد مشكلة تقنية، مشكلة يجب أن نتقصاها ونبحث عن أسبابها بأسلوب علمي لا بأسلوب التنصل وتقاذف المسئولية على هذا النحو.
السؤال المهم هنا: هل كان بالإمكان تحاشي هذه المشكلة من الناحية التقنية؟ منذ الاثنين وحتى اليوم لم نسمع جوابا لا من الوزارة ولا من «ألبا»، لكن عشرات المهندسين والمختصين أكدوا أنه كان بالإمكان تلافي تأثير الحمل الإضافي على الشبكة الحكومية تقنيا. ويمضي هؤلاء أكثر إلى أن «الحمل الإضافي» أو «ضعف الحمل» أو «ضعف التيار» يمكن تحاشي تأثيره على المحطات من الناحية التقنية بحيث تملك المحطة أو الشبكة منظومة تقنية أو تجهيزات لمواجهة مثل هذه الاعطال المفاجئة تجعلها في مأمن من التوقف التام.
هذه البداية «غير الموفقة» ستحكم عمل اللجنة المشتركة بين الوزارة وشركة «ألبا»: سيدافع مسئولو الوزارة في اللجنة عن وجهة نظرهم، ولن يجد مسئولو «ألبا» في اللجنة مناصا من التمسك بوجهة نظرهم لأن المسألة أصبحت الآن مسألة رأي عام وظهر الخلاف للعلن قبل أن تبدأ اللجنة عملها وكلا الطرفين بات مطالبا بأن يحفظ ماء وجهه أمام الناس. لمن سنحتكم اذن للوصول إلى حقيقة تقنية بحتة لا تحتاج إلى هذا العرض غير الشيق، أي طريقتنا البحرينية لمواجهة المشكلات؟
هذه اللجنة لن تبحث على ما أظن في الإجابة عن سؤال عما إذا كان بالإمكان تلافي تأثير الحمل الإضافي؟ طالما أنه السبب الوحيد المطروح للمشكلة، لأن الجواب هنا سيقودنا إلى نقطة أخرى في سعينا لتركيب أطراف الاحجية.
هل تذكرون كيف اشتكينا من حرارة المياه المحلاة في الثمانينات؟ قيل لنا وقتذاك ان السبب يعود إلى أن هناك وحدة لتبريد الماء أو اعادته لحرارة طبيعية بعد تحليته لم يتم تركيبها في المحطة لأن تركيبها سيزيد من كلفة المشروع. بعبارة أخرى: كانت تنقصنا خطوة تقنية واحدة ودنانير إضافية لكي يشعر الناس بالرضا ولكي تنجز الحكومة مشروعا متكاملا لا تتبعه شكاوى ستستمر حتى اليوم. أما النتيجة: نشطت الابتكارات لحل مشكلة حرارة المياه، مراوح شفط على الخزانات وعمد آخرون إلى ملء الخزان بالثقوب وأحيانا القاء قوالب الثلج في الخزان، بل ذهب آخرون إلى وضع مكيفات هواء مسلطة على الخزان. أي أن الدنانير الإضافية التي كان يتعين على الحكومة إنفاقها لانجاز مشروع متكامل مرة واحدة، تحولت إلى بند ثابت في كلفة المعيشة للناس.
شبكة الكهرباء الحكومية كان يمكن أن تحتوي على تقنيات لمنع الانهيار التام جراء أية مشكلة، لكن لم يتم تركيبها للأسباب نفسها، الكلفة. انه أسلوب الإدارة ومقارباتها. أسلوبنا وطريقتنا البحرينية: بدلا من انجاز عشر خطوات لخدمة متكاملة نكتفي بسبع أو ربما أقل بما يجعل الخدمة تسير فقط.
لكن هل هي الكهرباء والماء فقط؟ هل نريد تيارا كهربائيا فقط ومياه جارية في منازلنا فقط؟ الحال نفسه مع الشوارع. لا يتعلق الأمر بما إذا كان لدينا كفاءات في هذا القطاع أو ذاك، بل ماذا نريد نحن من هذه الخدمات. الشوارع التي تم تعبيدها بمسارين، يعاد حفرها بعد بضع سنين لأن الاختناقات المرورية أصبحت لا تطاق فيما المنطق يقضي بأن هذه يجب أن تبنى على حسابات المستقبل أيضا.
هكذا ترون أن البحث والأسئلة ستقودنا في النهاية إلى العنصر البشري، أي إلى المقاربة والهدف وأساليب الإدارة والكفاءة والعقلية والاهواء والامزجة والمصالح والأهم: «الرؤية»... ابحثوا هناك
إقرأ أيضا لـ "محمد فاضل العبيدلي"العدد 722 - الجمعة 27 أغسطس 2004م الموافق 11 رجب 1425هـ