انتقدت صحف أميركية وأخرى عبرية الأنباء التي تحدثت عن أن الإدارة الأميركية أعطت «إسرائيل» الضوء الأخضر لتوسيع مستوطناتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فأجمعت على أنها مجرد «رشوة» من إدارة جورج بوش كي يوجه ارييل شارون صفعة لمنافسه على الرئاسة الأميركية جون كيري. في حين أكدت «نيويورك تايمز» أن إدارة بوش هي أقل الإدارات الأميركية التزاما بالسلام في الشرق الأوسط... واعتبر أحد المعلقين الإسرائيليين أن بوش نفسه «عقبة في وجه السلام».
فيما واصلت الصحف الإسرائيلية تسليط الضوء على التطورات الناجمة عن فشل رئيس الوزراء الإسرائيلي مرة جديدة في استقطاب مؤتمر حزبه لضم «حزب العمل» إلى الحكومة. وإذ لاحظ الجميع أن رئيس الوزراء الإسرائيلي مازال مصمما على إشراك «العمل» في حكومته بهدف المضي قدما في خطته للانسحاب من غزة، بدعم ضمني من الإدارة الأميركية، تمحور الجدل حول حث شارون على تجاوز الأزمة باستئناف المفاوضات مع حزب العمل، كما طالب البعض زعيم حزب العمل شمعون بيريز بإسقاط شروط حزبه «لانقاذ شارون» من ورطته فبيريز هو الذي سيتحمل كل المسئولية.
لكن هناك من شجع شارون على إيجاد تسوية داخل «ليكود» نفسه بأن يسعى إلى اتفاق مع غريمه في التكتل أي بنيامين نتنياهو من أجل تقاسم رئاسة الحكومة بعد الدعوة إلى انتخابات مبكرة. في أي حال يبدو أن معظم الأفكار المطروحة لحل أزمة شارون تصب في طاحونة تأجيل أية استحقاقات مع الفلسطينيين وهذا ما يسعى إليه ارييل شارون لأنها ستسمح له «بالمماطلة» أكثر في تنفيذ خطته للانسحاب وتهيئ له الأجواء لاستعادة «هيبته» داخل حزبه بعد أن مهد بوش «الطريق» لشارون لتوسعة مستوطنات الضفة. وانتقدت واحدة من كبريات الصحف الأميركية موقف الإدارة الأميركية المستجد من قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي توسعة مستوطنات الضفة فكتبت «نيويورك تايمز» افتتاحية تحت عنوان «جنون في الضفة الغربية» لاحظت فيها أن إدارة بوش دفعت بصدقية أميركا كصانع سلام في الشرق الأوسط إلى الحضيض بعد الإعلان عن دعمها توسيع البناء في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة. وأوضحت أنه في حين أن الخطوة الأميركية تهدف إلى إعطاء رئيس الوزراء الإسرائيلي دفعا على المدى القصير فإن هذا التغيير في سياسة الإدارة الأميركية ستكون له تداعيات سلبية على المدى البعيد. لافتة إلى أن هذا التبدل في الموقف الأميركي من قضية المستوطنات سيضعف معنويات المعتدلين الفلسطينيين والإسرائيليين ويحبط حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين والشرق أوسطيين، ويقوض خطة «خريطة الطريق»، خطة السلام الوحيدة المتوافرة حتى الآن. وأكدت «نيويورك تايمز»، أن قضية المستوطنات حساسة جدا لأنها تصيب جوهر المسألة الفلسطينية الإسرائيلية أي تقسيم أرض فلسطين. وأوضحت أن أي خطة سلام عملية ودائمة يجب أن تقسم هذه الأرض إلى جزأين متماسكين وقابلين للحياة. مشيرة إلى أن وجود 250 ألف مستوطن إسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة ومرتفعات الجولان، من دون ذكر التعقيدات الأخرى في القدس الشرقية، يجعل هذا التقسيم أمرا في غاية الصعوبة. وأكدت أن أية زيادة ولو «طبيعية» في المستوطنات (نسبة إلى مبدأ النمو الطبيعي للمستوطنات الذي وافقت عليه الإدارة الأميركية) تعقد الأمور بشكل أكبر. وفي السياق ذاته علق يوئيل إسترون في «هآرتس» على تأييد الإدارة الأميركية توسيع البناء في مستوطنات الضفة الغربية. واعتبر أن هذه الخطوة خدمة يسديها الرئيس جورج بوش لارييل شارون، مقابل الحصول على دعم الأخير في حملته الانتخابية الرئاسية. وأوضح إسترون، أن بوش الآن هو بأمس الحاجة إلى أصوات اليهود في فلوريدا وبنسلفانيا وأوهايو التي من المرجح أن تقلب الموازين. وأكد إسترون، أنه على الإسرائيليين أن يجيبوا عن سؤالين. الأول ما إذا كانت الخدمة التي يسديها بوش لشارون، تصب في صالح «إسرائيل». والثاني ما إذا كان إقدام شارون على مساعدة بوش في هزيمة منافسه الديمقراطي جون كيري أيضا يصب في مصلحة الدولة العبرية. وأجاب المعلق الإسرائيلي على التساؤل الأول بالإشارة إلى أن السياسة الجديدة التي أعلنت عنها الإدارة الأميركية تساعد معارضي خطة فك الارتباط في اليمين الإسرائيلي وليس الغالبية في «إسرائيل» التي تدعم الخطة. واستنتج إسترون، أن الصفقة بين إدارة بوش ورئيس الوزراء الإسرائيلي تقوم على سماح واشنطن لـ «إسرائيل» بالبناء في المستوطنات مقابل أن يوجه شارون صفعة لجون كيري. وانتقد إسترون، رئيس الحكومة الإسرائيلي لأنه سمح لنفسه بالتضحية بمصلحة الدولة العبرية في الحفاظ على علاقة جيدة بالمرشحين الأميركيين إلى الرئاسة، من أجل بقائه على قيد الحياة خلال الأشهر المقبلة، على حد تعبير استرون.
أما على المستوى الإسرائيلي الداخلي فقد أشارت «هآرتس» في خبر افتتاحي إلى أن زعيم حزب العمل شمعون بيريز، رد بقسوة على أعضاء حزبه المعارضين لاستكمال المفاوضات مع «ليكود» بالإعلان عن أنه إذا دعا شارون «العمل» إلى الانضمام إلى الحكومة فإن الحزب سيأخذ المصالح القومية في الاعتبار قبل المصالح الحزبية.
ولفتت الصحيفة العبرية إلى أن الامتعاض من بيريز داخل حزب العمل اتسع بسبب إصراره على استكمال المحادثات مع ليكود، على رغم قرار اللجنة المركزية في التكتل رفضها انضمام العمل. وأشارت إلى أن معارضي بيريز، دعوا إلى حل الفريق المكلف مهمة التفاوض على الانضمام إلى الائتلاف الحكومي، وطالبوا بإجراء انتخابات مبكرة داخل الحزب لانتخاب زعيم جديد. وتحدث يوئيل ماركوس في «هآرتس» عن وضعية ارييل شارون، في ظل موقف «ليكود» وإصرار شارون على تنفيذ خطة فك الارتباط على رغم معارضة المتمردين في التكتل. وأشار ماركوس، إلى أن شارون يدرك أن القانون الإسرائيلي يمنح صلاحية اختيار الوزراء إلى الحكومة الإسرائيلية ويطلب موافقة الكنيست على ذلك، ما يعني أن اللجنة المركزية لتكتل «ليكود» أو أي حزب آخر غير مخولة إضافة وزير أو فرض تشكيلة حكومية معينة. وكشف ماركوس، أو هكذا زعم، أن شارون دون في دفتر ملاحظاته عددا من التعليمات أبرزها تسوية الأمور على مستوى الحكومة والتكتل.
وفي السياق الإسرائيلي الداخلي عينه، رأى عكيفا إلدار في «هآرتس» أنه من المفترض بـ «حزب العمل» الإسرائيلي بزعامة شمعون بيريز، أن يخرج شارون من المأزق الذي أوقعه فيه مؤتمر «ليكود».
واعتبر إلدار، أنه في حال كانت خطة فك الارتباط والسلام مهمتان بالنسبة إلى دولة «إسرائيل» وحزب «العمل» فإن «مهندس أوسلو» يجب أن يلقن أعضاء حزبه درسا في التضحية. وفي سياق الجدل الداخلي أيضا لإيجاد حلول للنزاع داخل «ليكود» أشار يوسي فيرتر في «هآرتس» إلى أن الناطق باسم الكنيست الإسرائيلي روفن رفلن اقترح أن يخوض شارون ووزير المالية بنيامين نتنياهو معا الانتخابات المقبلة من أجل منع حدوث انشقاق داخل تكتل «ليكود». ولفت فيرتر، إلى أن رفلن اقترح أن يتوصل الرجلان إلى اتفاق يقوم كل منهما بموجبه بشغل منصب رئاسة الحكومة لمدة سنتين. غير أنه أشار إلى أن مصادر مقربة من كل من نتنياهو وشارون، أكدت أن الظروف الآن لا تسمح لمثل هذه الخطوة البعيدة المنال، وخصوصا في ظل غياب الثقة بين الطرفين
العدد 722 - الجمعة 27 أغسطس 2004م الموافق 11 رجب 1425هـ