كيف يمكننا أن نساعد أبناءنا المراهقين وهم يمرون بكل ما يصاحب مرحلة المراهقة من تغيرات تخيف الأهل أحياناً عندما يلاحظونها على تصرفاتهم؟
إننا نستطيع أن نقوم بذلك من خلال فهمنا لما يمرون به، أو ما يكتشفونه من أشياء بدل أن نقاومهم، فهم يعيشون تجربة مؤقتة هي عدة سنوات، يجربون خلالها ويتصرفون بحساسية... لكنها لن تدوم إلى الأبد... ولن تكون تصرفاتهم طابعاً لسلوكهم عندما يكبروا، لينتقلوا بعدها إلى مرحلة النضج والمسئولية كنساء ورجال.
إن طابع المراهقة هو حب الاكتشاف والمعرفة، فهم يريدون أن يكتشفوا القوانين التي تتوافق مع حريتهم واستقلاليتهم المتزايدة... يحتاجون أن يختبروا حدودنا كآباء... قد يكونون ضدنا أحياناً ونحن نجيب على أسئلتهم الكثيرة... عما هو الأمر المقبول منهم القيام به وما هو الأمر غير الصحيح الواجب عليهم الابتعاد عنه. إنهم يحاولون معرفة من هو الذي يملك السلطة ومن هو المسيطر على الآخر، هم أم آباؤهم... لذلك نجد أن تفاهم الآباء مع أبنائهم في هذه السن يوضح هذه السلطات بشكلها الصحيح ويمنح الأبناء معلومات أكثر توضح لهم ما هو دورهم في هذه المرحلة المهمة من حياتهم.
وهنا أطرح هذا التساؤل المهم: ماذا على الآباء أن يفعلوا عندما يختبرهم أبناؤهم المراهقون؟
إن أول واجب على الآباء هو أن يجيبوا على أسئلة أبنائهم إجابات واضحة ومباشرة... ولا يتعاملوا معهم بحدود متساهلة ذكرتها من قبل من خلال التعامل مع الأبناء في سن الطفولة... لأن هذه الحدود المتساهلة تؤدي إلى انتشار الفوضى في علاقة الآباء بأبنائهم... ولا يستطيع الآباء أن يساعدوا أبناءهم خلال صراعهم معهم... وإنما يستطيعون ذلك عندما يوفرون لهم... الحدود الواضحة الحازمة التي تقودهم إلى الاكتشاف.
إلا أن عليهم أن يتجنبوا الحدود المتسلطة التي يستخدمها الآباء ليحاولوا السيطرة على أبنائهم لأنها تعيق قدرتهم على الاكتشاف والمعرفة.
ندى فتاة في الخامسة عشرة من عمرها، تعلم أنها موهوبة في الرسم، لكنها لا تريد أن تقضي وقتاً أكثر في المدرسة لتتعلم أصول الرسم وتتمرن عليه لتتطور قدرتها، فهي تعتقد أن ما تأخذه في دروس الرسم يكفي، إلا أن أمها مصرة على أن تأخذ فصلاً للرسم اختيارياً لكي تطور قدرتها قائلة لها:
«هذه فرصتك الآن... لتدربي نفسك على الرسم والتلوين»
ردت الابنة بغضب «لكني لا أريد أن أكون رسامة محترفة... دعيني أمارس هوايتي حسبما أشاء... ألا يكفي أني أقضي غالبية يومي كله في المدرسة»
ندى تريد أن تقرر ما تريد وحدها... وأمها تريد أن تفرض عليها رأيها على رغم أن فيه صالحها... لكن ذلك لا يعجب ابنتها... لأنها تريد أن تكون هي صاحبة القرار فيما تود أن تفعله لتنمي هوايتها... والأم حائرة لا تدري لماذا ترفض ابنتها ما تريد لها على رغم أنه في صالحها... لكنها لا تعلم أن هذا الصراع أهم ما يميز نفسية الأبناء في سن المراهقة... وهو محاولة إثبات الذات والرغبة في اتخاذ قراراتهم بأنفسهم وكذلك رغبتهم في الاستقلال.
لو حاولت الأم امتداح موهبة ابنتها والتعبير عن أمنيتها أن تراها وقد طورت موهبتها... لربما قررت الابنة بنفسها الانضمام إلى الدرس الاختياري للرسم لتطوير موهبتها... وخصوصاً لو وجدت تشجيعاً وإطراء من مدرستها... وكان هناك معرض سيقام لكل الموهوبين من الطلبة في الرسم والتلوين.
إن النضج الذي يعتقد الأبناء أنهم وصلوا إليه في سن المراهقة لا يكتمل إلا بتحملهم لمسئولية ما يقومون به.
مثلما حدث مع لبنى البالغة من العمر 16 سنة عندما استأذنت أمها في الذهاب إلى السينما مع صديقاتها في يوم الإجازة الأسبوعية.
قالت لها: أمها «عودي الساعة الحادية عشرة ليلاً»
ردت الابنة
«ولماذا الحادية عشرة وليس الثانية عشرة ليلاً؟»
ردت الأم «لا الثانية عشرة ليلاً سيكون الوقت متأخراً أستطيع أن أدعك إلى الساعة الحادية عشرة والربع»
وافقت الابنة... لكنها الآن هي المسئولة عن تنفيذ ما وافقت عليه... فإذا نفذت ما وعدت به أمها فستحصل على مزيد من الوقت في الشهور المقبلة... لكنها إذا لم تلتزم وتأخرت فإن عليها أن تتحمل نتيجة تأخرها وهو عودتها الساعة العاشرة والنصف ليلاً... الأم هنا مرنة لكنها حازمة... والعودة في الوقت الذي حددته والدتها هو المقياس لتحمل الابنة المراهقة المسئولية للحصول على امتيازات أخرى في صالحها مستقبلاً
إقرأ أيضا لـ "سلوى المؤيد"العدد 722 - الجمعة 27 أغسطس 2004م الموافق 11 رجب 1425هـ