تتألف الصحيفة (أو الكتاب) من مقدمة وهي بمثابة أي عقد من العقود السياسية والاجتماعية. فالبند يحدد مصدر السلطة وأطراف التعاقد:
«وهذا كتاب من محمد النبي (ص) بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم». فالكتاب يسمي المؤمنين والمسلمين وكأنه يميز بين «المؤمن» و«المسلم» ثم يسمي قريشاً (أهل مكة المهاجرين) ويثرب (الأوس والخزرج)، ثم يتوجه الى من تبعهم ولحق بهم وجاهد معهم. فهناك المهاجر وهناك المقيم (الأنصار) وهناك من تبعهم من المؤمنين غير المسلمين وهم حلفاء قريش وحلفاء الأوس والخزرج وجماعات يثرب على أنواعها.
بعد المقدمة تأتي الفقرات لتفصِّل أصول التعاقد وشروطه.
تنص الفقرة الثانية على «أنهم أمة واحدة من دون الناس». وتعني ان المؤمنين والمسلمين من مكة ويثرب ومن لحق بهم هم «أمة واحدة» وهذه الأمة مميزة عقائدياً تختلف في حياتها عن الناس وهم أولئك الموجودون في المدينة. لكن التمايز لا يعني الاختلاف، لأن البند يساوي بين أهل مكة وأهل يثرب من مؤمنين ومسلمين. والناس تعني غير المؤمنين بالدعوة، فالمدينة بعد الهجرة باتت تقوم على أمتين واحدة مسلمة والثانية يهودية. بينما الدولة مشتركة ينتمي إليها الجميع فهناك دولة واحدة لأمتين مختلفتين دينياً.
وتنص الفقرة الثالثة (البند 3) على الآتي: «المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم، وهم يَفْدُون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين». أقر البند ما كانت عليه قريش (المهاجرون منها) قبل الدعوة من نظام علاقات وعادات وأسلوب تعامل في دفع الدية وفداء الأسير. وبعد ذكر المهاجرين من قريش كفئة واحدة تأخذ الصحيفة بتسمية كل فئة (عشيرة) باسمها و«بنو عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين».
ويقول ابن كثير في كتابه عن السيرة النبوية «ثم ذكر كل بطن من بطون الأنصار وأهل كل دار: بني ساعدة، وبني جُشم، وبني النجار، وبني عمرو بن عوف، وبني النَّبيت» (1).
لكن الصحيفة ذكرت أكثر من ذلك، فهي جاءت على العشائر (البطون) الآتية: بنو عوف، بنو الحارث، بنو ساعدة، بنو جشم، بنو النجار، وكلها تنتمي الى قبيلة الخزرج (وهي الأكبر والأعلى شأناً). ثم تسمي الصحيفة بني عمرو بن عوف، وبني النَّبيت، بني الأوس (وهم حلفاء الإسلام) وكلها تنتمي الى قبيلة الأوس.
سمت الصحيفة كل عشيرة باسمها ومجموعها ثماني عشائر (خمس من الخزرج، اثنتان من الأوس، وواحدة حليفة الأوس) وأكدت لكل عشيرة من قبيلتي الخزرج والأوس احترام الكتاب لعاداتها السابقة من دون تعديل والمحافظة على الأعراف التي كانت سائدة قبل الهجرة وحق كل عشيرة باستقلالها الداخلي. فالآيات المدنية لم تكن أنزلت بعد، خصوصاً تلك التي تتعلق بالتنظيمات والتشريعات الاجتماعية. واشترطت الصحيفة مقابل الاقرار بالحال السابقة والاعتراف بالخصوصية والاستقلال الداخلي القبول بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وهو مبدأ إسلامي (عقائدي) يربط القديم بالجديد ويشرطه بالمعروف والقسط.
أبقى البند الثالث على أنظمة القبائل والعشائر ولم يدمرها أو يُلغِها، بل حافظ عليها في جانب وتجاوزها في جانب آخر عندما أدرجها في سياق جديد يؤكد على التكافل الاجتماعي الذي تؤكد عليه الدعوة التوحيدية الجديدة.
بعد ان تنتهي الصحيفة من ذكر القبائل والعشائر بالاسم تنتقل الى فقرة جديدة (البند الرابع) تقول: «وأن المؤمنين لا يتركون مفرحاً بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل».
ويشرح ابن هشام في سيرته عن الرسول (ص) معنى المفرح وهو «المثقل بالدين الكثير والعيال» (2). ومعناه أن الصحيفة تحث المؤمنين على مساعدة المثقل بالدين وكثير العيال. فهي تؤكد على مبدأ التكافل الاجتماعي والتضامن مع الفقير والمحتاج، خصوصاً إذا وقع أسيراً أو تطلَّب دفع دية. فالصحيفة وُضعت قبل ان تفرض الزكاة، لذلك دعت الى تكافل على مستوى دولة المدينة كلها وليس على مستوى قبيلة معينة. فالبند الرابع بند شامل يطول العشائر الثماني التي ورد ذكرها في البند الثالث ويشمل أيضاً كل أهل يثرب من المؤمنين.
ونص البند الخامس على «ولا يحالف مؤمنٌ مولى مؤمن دونه». بعد ان سعت الصحيفة الى الابقاء على التوازنات القبلية وحافظت على عاداتها وتقاليدها دعت القبائل الى ترسيخ السلم الأهلي في المدينة عن طريق منع قيام تكتلات قبلية جديدة بين الأنصار (الخزرج والأوس) ومواليهم، أو بين اليهود وغيرهم. فالبند الخامس ألغى التحالفات القبلية السابقة ومنع قيام تكتلات جديدة ورفع العلاقات القديمة الى مستوى أرقى وهو الاتحاد في المدينة (الدولة الجديدة). وبذلك حل التضامن الاتحادي (مؤمنين ومسلمين) مكان التحالفات أو التكتلات السابقة وباتت مسئولية الحماية تقع على الدولة لا القبيلة.
ونصَّ البند السادس على «وإن المؤمنين المتقين على من بغى منهم أو ابتغى دسيعة ظلم أو إثم أو عدوان أو فساد بين المؤمنين، وإن أيديهم عليه جميعاً ولو كان ولد أحدهم».
البند السادس واضح في تحديد الحكم القاطع في حفظ الأمن الداخلي للدولة (المدينة) ضد البغاة إذ أقام الحد على المخالف. فالبند ينص على وحدة الجماعة في وضع الحد القانوني على المخالفين كذلك في رعايته وتنفيذه. كذلك يؤكد على مسئولية الدولة على الأفراد والجماعات والواجب المشترك في الدفاع ومواجهة الظلم أو منع الفتنة الداخلية أو نشر العدل. فالدولة حلت هنا أيضاً مكان القبيلة وبات عقاب المخالف من مسئوليتها ضمن الإطار القانوني، ومنعت الأخذ بالثأر كما كان الأمر سابقاً بقصد قطع الطريق على الحرب الداخلية ومنع حصول اضطرابات لدوافع قبلية ثأرية.
مسئولية الأفراد
وجاء البند السابع ليحدد مسئولية الأفراد في الوضع الجديد «ولا يقتل مؤمن مؤمناً في كافر، ولا ينصر كافراً على مؤمن». فألغى ما كان قائماً من تحالفات في الفترة السابقة وأسس علاقات جديدة. ويشمل البند المسلمين والمؤمنين من غير الملمين في جهة، والكافرين في جهة أخرى. وحدد مرجعية لكل الخلافات وهي العودة الى القضاء (القانون) لحسم كل مشكلة سواء كانت بين المؤمنين أو بين الكافرين أو بين المؤمنين والكافرين سوية. فالقانون للجميع وليس لفئة ضد أخرى، لكنه أعطى قيمة تفاضلية للمؤمنين على الكافرين، فالكافر لا يساوي المؤمن في القتل أو النصر. فالجماعة المؤمنة لا تساوي هنا الجماعة الكافرة في حكم القانون حتى لو كان المرجع القانوني واحداً. كذلك لا يجوز الثأر لدم الكافر بدم المؤمن فهو خارج على الجماعة إذا أقدم على قتل مؤمن.
ونص البند الثامن على «وأن ذمة الله واحدة: يجيرُ عليهم أدناهم، وأن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس»، والذمة تعني العهد، أو اعطاء العهد بضمانة الأمن والحماية. أي من واجب الدولة تنفيذ العهد بين المسلمين والمؤمنين (فهم مواطنون في الدولة). فالذمة إذن تعني الأمان والضمان والحرمة والحق، وتعني الموالي النصرة.
فالبند الثامن أقر المساواة الاجتماعية بين المسلمين و(المؤمنين)، فالفقراء يساوون الاغنياء في كل الحقوق، الى المشاركة في السراء والضراء من ناحيتي الإجارة واعطاء الأمان. فأمن الجماعة وسائر الناس في المدينة مصدره ذمة الله وهي الميثاق المعقود مع رسول الله وضمانته لعباده. فالسيادة هنا للدولة وسلطتها العليا تشمل كل الرعايا والمواطنين، وحق الأفراد على الدولة الدفاع عنهم من العدوان الخارجي وحفظ أمنهم الداخلي.
إلى عهد الذمة والأمان هناك النصرة (الموالاة) فهي بين المؤمنين فقط. فالمؤمن ينصر المؤمن ولا ينصر الكافر، لكن المؤمن له الحق بإجارة الكافر إذا طلبها الأخير.
وجاء البند التاسع ليحدد حقوق المؤمنين من غير المسلمين «وإنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والاسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم». فذكر البند اليهود بالاسم واعتبرهم جزءاً من الدولة (مواطنون) لهم حق النصرة إذا دخلوا في صراع كانوا محقين فيه أو تهددهم الخطر، كذلك لا يتعرض اليهود لأي تحالف ضدهم. فمن شروط المجتمع التعاقدي كما هو أمر المدينة توضيح شروط التعاقد حتى لو كان من سياق ديني مختلف. وخص البند اليهود بحقوقهم الموازية لحقوق المسلمين.
ونص البند العاشر على منع الصلح المنفرد، فأصبح عقد السلم واحداً تشترك فيه مختلف القبائل. فالبند ألزم المسلمين والمؤمنين بالتضامن للدفاع عن المدينة بقيادة الدولة لا القبيلة. أي «وإن كلَّ غازية غزت معنا يُعقِبُ بعضاً». والغازية صفة جماعية لغزو خارجي (ضد المدينة) أو الغزو من المدينة (ضد الخارج).
وحدد البند الحادي عشر مسئولية جماعية للغزو وعبئاً مشتركاً ضد غزو العدو، فكل غزوة تقوم بها أو تقودها طائفة من المقاتلين، تقوم بعدها بالغزوة التالية طائفة أخرى (تناوب الغزو).
ونصَّ البند الثاني عشر على ان كل مؤمن أو مسلم يقتل في معركة على المؤمنين كلهم الاقتصاص من قاتله. فالمشترك بين الجماعة المؤمنة يحصِّن الشهيد في مماته ويدفع المؤمنين الى الأخذ بثأره من الكافرين (أو القَتَلة). فالمسئولية مشتركة في الدفاع والهجوم والثأر في معناه الإسلامي (العقاب أو القصاص) بحسب القانون.
ونص البند الثالث عشر على «أن المؤمنين المتقين على أحسن هدى وأقومه، وانه لا يجير مشرك مالاً لقريش، ولا نفساً، ولا يحول دونه على مؤمن». ويقصد بالمشركين تلك الفئات التي استمرت في شركها في يثرب بعد حصول الهجرة. وبات لا يجوز لهذه الفئة من المشركين ان تجير المال لقريش ولا ان تنصرها على مؤمن، فعلى المشركين في يثرب (المدينة) ألا يساعدوا قريشاً ضد الدولة التي تجمع المسلمين والمؤمنين من المهاجرين والأنصار الى اليهود، فمثل تلك المساعدة المالية أو الحماية الأمنية لقريش تعتبر خيانة ضد أهل المدينة بمختلف فئاتها. وكل من يرتكب تلك الجريمة يعاقب عليها وفق القانون (الصحيفة) الذي وضع شروط العهد والميثاق بين الجميع. فالبند لكل الفئات يحذرها من الغدر بوحدة المدينة وتهديد مصيرها الأمني المشترك.
ويؤكد البند الرابع عشر ضرورة عزل قريش ومقاطعتها سياسياً واقتصادياً ومنع أهل المدينة من إجارتها وحمايتها أو دعمها مالياً. وكل من يخالف القانون يقوم المؤمنون بمعاقبة المخالف من المشركين: «وإنه من اعتَبَط مؤمناً قتلاً عن بيّنة فإنه قَوَد به، إلا أن يرضى وليّ المقتول، وإن المؤمنين عليه كافة، ولا يحلُّ لهم إلا قيام عليه». فالاعتباط (اعتبط) تعني قتل المؤمن ظلماً من دون جناية ارتكبها، الأمر الذي يتطلب وضع الحد على المجرم. والطرف الذي يحدد العقوبة هم أولياء القتيل. فإما ان يطالبوا بقتل القاتل أو يرضوا بدفع الدية (العقل) ضمن ضوابط القانون لمنع عادة الثأر. فالاقتتال حرام بين أهل القاتل وأهل المقتول.
ويدعو البند الخامس عشر الى تعاون المؤمنين على تنفيذ الحكم على القاتل أو المخالف للعقيدة (الايمان بالله واليوم الآخر والصحيفة). لذلك حرم حماية القاتل أو المثير للاضطراب، وعلى حامي القانون وحافظه ان ينفذ ضده حكم القضاء. وليس من حق أحد الاعتراض منعاً للفوضى وقطعاً لعودة التقاليد العشائرية والعادات القبلية.
ثم يحدد البند السادس عشر مرجع التشريع والقضاء في المنازعات برسول الله (ص)، فقضايا النزاع على مختلف المسائل ترد لمرجع أعلى الذي هو مصدر التشريع والحَكَم في المنازعات. فالبند يلغي تعددية الخلافات القبلية ويرفع خلافاتها الى مستوى أعلى. فهناك القرآن المنزّل والسُّنة، وهما يوحدان الجماعة المسلمة (المهاجرون، الأنصار) والمؤمنة في إطار مصيري مشترك، سواء في شئونها العامة أو الخاصة.
الهوامش
(1) عماد الدين أبوالفدا إسماعيل بن كثير القرشي، السيرة النبوية، تحقيق مصطفى عبدالواحد (بيروت: دار المعرفة، 1976)، ج 2، ص 321.
(2) جمال الدين أبومحمد عبدالملك بن هشام البصري، سيرة النبي (ص)، برواية زياد البكائي، نقلاً عن محمد بن اسحق؛ تحقيق محمد محيي الدين عبدالحميد؛ تقديم محمد حسين هيكل (القاهرة: دار الفكر، 1937)، ج 2، ص 120.
في ما يلي نص صحيفة المدينة وهو العقد الذي أقرّه الرسول في دار هجرته لأهل المدينة ممن دخلوا في الإسلام ولليهود فيها. وهو أول عقد في الاسلام يُقر حقوق الإنسان مهاجراً أو مُقيماً، مسلماً أو يهودياً.
(1) «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد النبي (ص) بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تَبِعَهم فلحق بهم وجاهد مَعَهُم،
(2) إنهم أمة واحدة من دون الناس،
(3) المهاجرون من قريش على رِبْعَتِهِم (1) يَتَعَاقلون بينهم، وهم يَفْدون عَانِيَهُمْ (2) بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وبنو عوف على رِبْعَتِهم يَتَعَاقلون مَعَاقِلَهُم (3) الأولى، وكل طائفة تَفْدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وبنو ساعِدَةَ على رِبْعَتِهم يَتَعَاقلون معاقلهم الأولى وكل طائفة منهم تَفْدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وبنو الحرث على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وبنو جُشَم على رِبْعَتِهم يَتَعَاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة منهم تَفْدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وبنو النجار على رِبْعَتِهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وبنو النَّبيت على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وبنو الأوس على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكلُّ طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين،
(4) وإن المؤمنين لا يتركون مُفْرَحاً (4) بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل،
(5) ولا يحالِفُ مؤمنٌ مولى مؤمن دونه،
(6) وإن المؤمنين المتقين على مَنْ بَغَى منهم أو ابتغى دسيعة (5) ظلم أو إثم أو عُدوان أو فساد بين المؤمنين، وإن أيديهم عليه جميعاً ولو كان وَلَدَ أحدهم،
(7) ولا يَقْتَلُ مؤمنٌ مؤمناً في كافر، ولا يَنصر كافراً على مؤمن،
(8) وإن ذمة الله واحدةٌ: يُجيرُ عليهم أدناهم، وإن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس،
(9) وإنه من تبعنا من يَهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم،
(10) وإن سلم المؤمنين واحدةٌ: لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على سَوَاء وعَدْل بينهم،
(11) وإن كل غَازِيَةٍ غَزَتْ معنا يعقب بعضها بعضاً،
(12) وإن المؤمنين يُبيء(6) بعضهم على بعض بما نال دماءهم في سبيل الله،
(13) وإن المؤمنين المتقين على أحسن هدى وأقومه، وإنه لا يجير مشرك مالاً لقريش، ولا نفساً، ولا يحول دونه على مؤمن،
(14) وإنه من اعْتَبَط (7) مؤمناً قتلاً عن بيِّنة، فإنه قَوَد به، إلا أن يرضى وليُّ المقتول، وإن المؤمنين عليه كافة، ولا يحلُّ لهم إلا قيام عليه،
(15) وإنه لا يحل لمؤمن أقرّ بما في هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر مُحدثاً ولا يُؤويه، وإنه من نصره أو آواه فإن عليه لعنةَ الله وغَضَبَه يوم القيامة، ولا يؤخذ منه صَرْف (8) ولا عدل (9)،
(16) وإنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مَرَدّهُ الى الله عز وجل وإلى محمد (ص)،
(17) وان اليهود ينفقون مع المؤمنين، ما داموا محاربين،
(18) وإن يهود بني عوف أمةٌ مع المؤمنين: لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم، إلا من ظلم وأثم فإنه لا يُوتِغُ (10) إلا نفسه وأهل بيته، وإن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف، وإن ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف، وإن ليهود بني ساعدة مِثلَ ما ليهود بني عَوْف، وإن ليهود بني جُشَم مثْلَ ما ليهود بني عَوف، وإن ليهود بني الأوس مثل ما ليهود بني عَوف،
(19) وإن ليهود بني ثَعْلَبَة مثلَ ما ليهود بني عوف، إلا من ظلم وأَثِمْ فإنه لا يُوتغُ إلا نفْسه وأهل بيته، وإن جفنة بطن من ثعلبة كأنفسهم، وإن لبني الشُطَيْبةَ مثل ما ليهود بني عوف وإن البرَّ دُون الإثم (11) وإن موالي ثعلبة كأنفسهم، وإن بطانة (12) يهود كأنفسهم،
(20) وإنه لا يخرج منهم أحد الا بإذن محمد (ص)،
(21) وإنه لا ينحجز على ثأر جرح، وانه من فَتَك فبنفسه فَتَكَ وأهل بيته إلا من ظلم، وإن الله على أَبر هذا،
(22) وإن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم (13)، وإن بَيْنَهُم النَّصْرَ على من حارب أهل هذه الصحيفة، وإن بينهم النُّصح والنصيحة والبر دون الإثم،
(23) وإنه لم يأثم امرؤٌ بحليفه، وإن النصر للمظلوم،
(24) وإن اليهود يُنفقون مع المؤمنين ماداموا محاربين،
(25) وإن يثرب حَرَامٌ جَوْفُها لأهل هذه الصحيفة،
(26) وإن الجار كالنفس غير مُضار ولا آثم،
(27) وإنه لا تُجارُ حرمة إلا بإذن أهلها،
(28) وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حَدَث أو اشتجار (14) يُخاف فَسَاده فإن مَرَدّه إلى الله عز وجل وإلى محمد رسول الله (ص)، وإن الله على أتْقَى ما في هذه الصحيفة وأبرِّه،
(29) وإنه لا تُجارُ قريش ولا من نَصَرها،
(30) وإن بينهم النصر على من دَهِمَ (15) يثرب،
(31) وإذا دُعُوا الى صُلْحٍ يصالحونه (ويلبسونه) فإنهم يصالحونه ويلبسونه، وإنهم إذا دُعُوا إلى مثل ذلك فإنه لهم على المؤمنين إلا من حارب في الدين، على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم،
(32) وإن يهود الأوس مَوَاليَهُمْ وأنفُسهم على مثل ما لأهل هذه الصحيفة مع البرّ الحسن من أهل هذه الصحيفة، وإن البر دون الإثم، لا يكسب كاسب إلا على نفسه، وإن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبرِّه،
(33) وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم وآثم، وإنه من خرج آمنٌ، ومن قعد آمنٌ بالمدينة، إلا من ظلم وأثم، وإن الله جارٌ لمن بَرّ واتقى، ومحمد رسول الله (ص).
معاني الكلمات
(1) «على ربعتهم» قال أبو ذر: «الربعة والرباعة: الحال التي جاء الاسلام وهم عليها، ويقال: فلان يقوم برباعة أهله، اذا كان يقوم بأمرهم وشأنهم». وقال السهيلي: «قال أبوعبيد: يقال فلان على رباعة قومه اذا كان نقيبهم ووافدهم، قلت: وكسر الراء فيه هو القياس على هذا المعنى، لأنها ولاية، وإن جعل الرباعة مصدرا فالقياس فتح الراء، أي: على شأنهم وعادتهم من أحكام الديات والدماء».
(2) العاني: الأسير.
(3) معاقلهم: جمع معقلة، من العقل وهو الدية.
(4) «أفرحتك» أثقلتك، هكذا فسره أبوعبيد كابن هشام هنا، قال السهيلي: «يجوز أن يكون من أفعال السلب، أي سلبتك الفرح، كما قيل: قسط الرجل، إذا عدل: أي أزال القسط وهو الاعوجاج، ويجوز أن تكون الفاء في «أفرحَتك» مبدلة من الباء، فيكون من البرح، وهو الشدة، تقول لقيت من فلان برحاً، أي شدة».
(5) أصل الدسيعة ما يخرج من حلق البعير إذا رغا، وتستعار للعطية كما هي واردة هنا.
(6) يبيء: يمنع ويكف.
(7) اعتبطه: أي قتله من غير حق يوجب قتله.
(8) الصرف: الفريضة.
(9) العدل: النافلة.
(10) يوتغ: وتغ الرجل وتغاً - مثل فرح فرحا - إذا هلك، وتقول: أوتغته أوتغه، إذا أهلكته - يهلك نفسه - لا يلوم إلا نفسه.
(11) «ان البر دون الإثم» أي ان البر ينبغي ان يكون حاجزاً عن الإثم، والوفاء ينبغي أن يمنع من الغدر.
(12) بطانة الرجل: خاصته وأهل سره الذين بهم يقوى وبنصرهم إياه يعتز ويفخر.
(13) قال السهيلي: «إنما كتب رسول الله (ص) هذا الكتاب قبل أن تفرض الجزية، إذا كان الإسلام ضعيفاً، وكان لليهود إذ ذاك نصيب في المغنم إذا قاتلوا مع المسلمين كما شرط عليهم في هذا النفقة معهم في الحرب».
(14) الاشتجار: الاختلاف، وتقول: اشتجر القوم إذا اختلفوا.
(15) «دَهِمَ يثرب» فاجأها، تقول: دهمتهم الخيل، إذا فاجأتهم
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 721 - الخميس 26 أغسطس 2004م الموافق 10 رجب 1425هـ