الشهر الجاري سيُسجل في تاريخ البحرين لأنه شهد أول انقطاع كلي شمل - للمرة الأولى - مصهر الألمنيوم... ولكن الشهر ذاته شهد أيضاً أموراً عدة أخرى، ومن بينها اعلان مجموعة من نشطاء جمعية الوفاق - يتزعمهم عضو الإدارة المستقيل نزار البحارنة - عزمهم تشكيل جمعية سياسية أخرى داخل اتجاه الانتفاضة (بمعنى الاتجاه الذي انتفض في التسعينات). الأحاديث الصحافية نقلت بعضا مما يدور من حوارات ساخنة داخل اتجاه الانتفاضة، ولكن الأسئلة مازالت أكثر من الأجوبة.
بادئ ذي بدء، إن رموز «الوفاق» الذين يتسمون بالتأني هم المسيطرون على الجانب الوفاقي حالياً، ولذلك فإنه لم يحدث ما كان يتوقعه البعض من تسقيط أو تشهير أو تخوين للمجموعة التي أعلنت عزمها إنشاء جمعية جديدة باسم «العدالة والتنمية» تستهدف المشاركة في الانتخابات والمطالبة بالحقوق من داخل الترتيبات السياسية الحالية.
«العدالة والتنمية» أعلنت أن مرجعيتها هي ذاتها مرجعية «الوفاق»، وذلك يعني أنها ملتزمة وجدانياً بالمبادئ والشعارات التي قامت من أجلها الانتفاضة في تسعينات القرن الماضي. كما يعني أن الرموز الدينية، وعلى رأسهم الشيخ عيسى قاسم حاليا، سيكون لهم اثر مباشر في سير الجمعية الجديدة. والعامل الأخير لا يوجد لدى جمعية أخرى خرجت بعد انشاء «الوفاق» وهي «جمعية العمل الإسلامي» التي تتبع رمزية دينية مختلفة كانت دائماً ذات نهج مواز للنهج الذي تتبناه «الوفاق» وقالت «العدالة والتنمية» إنها ستلتزم به.
بعد مرور الأخبار عن انشاء جمعية سياسية جديدة من دون حملة «تخوين»، فإن التحديات الأخرى ستبقى ماثلة أمام البحارنة ورفاقه ومن يناصر وجود مثل هذه الجمعية. فهناك الآن من ينتظر عودة الشيخ عيسى قاسم من الخارج ليسارع إلى الالتقاء به من أجل استصدار كلمة أو وجهة نظر تقف ضد الجمعية الجديدة. والذين يعملون على هذه الفكرة واضحون في كلامهم، فهم سيرمون كل ثقلهم من أجل استصدار أي شيء من الشيخ عيسى قاسم. آخرون من داخل اتجاه الانتفاضة لا يرون ذلك حسناً لأن الشيخ عيسى ينبغي ان يكون للجميع وليس ملكاً لفئة واحدة داخل التيار. ولكي يبقى أباً للجميع فانه ينبغي عدم استخدام اسمه لازاحة الآخرين، كما حدث اثناء انتخابات العام الماضي عندما وزعت قائمة اسماء على اعضاء «الوفاق»، وقيل للاعضاء إن الشيخ عيسى يؤيد هذه القائمة. الشيخ عيسى أكبر من ذلك، وينبغي عدم زج اسمه في التفصيلات والحملات والاختلافات «الطبيعية» داخل الاتجاه، وهذا ما تطرحه الرموز المتعقلة في «جمعية الوفاق» ايضا.
يبقى ان التحدي الآخر هو قدرة «العدالة والتنمية» على جذب اسماء لامعة أخرى مثل اسم «البحارنة». فالمعروف ان إدارة الوفاق الحالية تشمل رئيسها الشيخ علي سلمان وهو يمسك بالعصا من الوسط، وهناك أربعة متشددون يطالبون بالمقاطعة، وهناك اربعة معتدلون يقابلونهم في الطرف الآخر من المعادلة، وهناك اثنان ينهجان نهج الشيخ علي سلمان في اسلوب التعاطي. الأربعة المعتدلون لا يختلفون فكرا ومنهجا عن البحارنة، وانما في طريقة التعامل مع الأمر. وهؤلاء ستكون لهم الأهمية الكبرى في المرحلة المقبلة، واذا استطاع البحارنة اجتذابهم أو اجتذاب أمثالهم فإنه سيحقق أمراً عجز عنه كثيرون، في الوقت ذاته فإن عدداً من المتشددين سيخشى من أي تصرف في المرحلة المقبلة يكون سبباً لنزوح هؤلاء الى «العدالة والتنمية» ما سيزيد من أهمية هذه المجموعة الباقية داخل مجلس الإدارة.
العامان المقبلان سيكونان حرجين لـ «الوفاق»، فخلالهما سيترتب على الجمعية انتخاب إدارة ورئيس لفترة اخرى، وحاليا لايلوح في الافق اي تغيير للسياسة الحالية. هذا في الوقت الذي سيكون على «الوفاق» ان تحدد فيما اذا كانت ستدخل الانتخابات ام ستقاطعها، وهي عوامل أخرى ستساعد اصحاب فكرة «العدالة والتنمية» اذا استطاعوا تقديم عمل مؤسسي أكثر ديناميكية، وأكثر تعاطيا مع المتغيرات السياسية
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 720 - الأربعاء 25 أغسطس 2004م الموافق 09 رجب 1425هـ