العدد 720 - الأربعاء 25 أغسطس 2004م الموافق 09 رجب 1425هـ

غياب الاستراتيجية أكبر عائق لمقوماتها

في منتدى «الوسط» عن السياحة البيئية:

السياحة البيئية جزء من السياحة المستدامة في البحرين وترتبط بها ارتباطا وثيقا، فمتى ما توافرت مقومات السياحة العامة توافرت مقومات السياحة البيئية وان كانت السياحة البيئية تشكل جانبا مهما للغاية، اذ أنه يثير الكثير من التساؤلات ذات العلاقة بالرقعة الخضراء والمساحة الممتدة للشواطئ والفرصة المتاحة للانسان البحريني البسيط في الاستمتاع بهذه السياحة التي أصبحت اليوم حكرا على أشخاص معينين. واننا في هذا المنتدى الذي تشاركنا فيه نخبة من المهتمين بشأن السياحة والسياحة البيئية في البحرين وهم الباحث في شئون السياحة عبدالمنعم الشيراوي، الاقتصادي وعضو جمعية أصدقاء البيئة عبدالحميد عبدالغفار، أستاذ البيئة المشارك بجامعة الخليج العربي سعيد عبدالله ورئيس لجنة المرافق والبيئة بمجلس النواب عبدالعزيز الموسى نتطرق الى جملة من الموضوعات كمفهوم السياحة البيئية ومدى ارتباط مقوماتها بالسياحة بشكل عام متسائلين عن المسئوليات الملقاة على المملكة وعلى القطاع الخاص من أجل النهوض بهذه الصناعة المهمة...

ليكن حديثنا منصبا أولا على مفهوم السياحة البيئية وارتباطها بالسياحة الأم ومدى توافر مقومات هذه السياحة في مملكة البحرين؟

- سعيد عبدالله: ان السياحة البيئية هي جزء من السياحة المستدامة لأن السياحة المستدامة تضم قطاعات عدة جديدة تخدم القطاع السياحي من مواصلات وفنادق ومطاعم الى جانب أشياء كثيرة أيضا، وكلها تدخل ضمن السياحة النظيفة، ولكن السياحة البيئية في البحرين لا تمثل جزءاً كبيرا لأننا لسنا كأستراليا وكندا. فالسياحة البيئية تعتبر جزءاً من كل، فهناك قطاعات كبيرة ومهمة في السياحة تحتاج الى اهتمام وتوجيه صحيح.

- عبدالحميد عبدالغفار: ان البحرين مثلها مثل أي دولة في العالم متى ما أردت الحديث عنها وعن السياحة فيجب عليك البحث أولاً عن مقومات السياحة الطبيعية ونضع تحت كلمة طبيعية خطاً للأهمية، على سبيل المثال نتكلم عن (تونس) فان تونس لديها مقومات السياحة الصحراوية ومقومات السياحة الجبلية - منطقة الكار - والبحرية اذا أردنا الحديث بالتحديد عن سمك التونة، فالبحر قائم في تونس. ولكنك في البحرين وعندما تتحدث عن السياحة من الخطأ أن تقول أن هناك مقومات للسياحة أو لا توجد هذه المقومات والسبب بسيط وهو أن مكانة السياحة لم تأخذ خطا أفقيا تاريخيا حتى هذه اللحظة، أعطيك مثالا واحدا، فالجيل الذي سبق جيلنا يذكر أنه قبل أربعة أو خمسة عقود كانت هناك مجموعة من العوائل الانجليزية تخرج من منطقة عوالي وتذهب الى سواحل قرية المالكية، ولو ذهبت الى كبار السن في هذ المنطقة لأروك أماكن يمكن أن تقال عنها أنها أماكن محتكرة من قبل بعض الأجانب في البحرين، وهذه هي السياحة التي نتحدث عنها وهي السياحة الداخلية ولكنها لم تعد موجودة والسبب ان مقومات السياحة تراجعت في المنطقة ونحن عندما نتحدث عن الرقعة الخضراء التي كانت في المالكية مثلا - وليس الحزام الأخضر المرسوم في خرائط 1968 التي لم تقر بشكل رسمي - شهدت تراجعا مخيفا، وعندما تتراجع المنطقة الخضراء يكون هناك تنوعا بيولوجيا بمثابة الظل لهذا الاخضرار، لذلك تجد أن هناك مجموعة كبيرة من الطيور اختفت «كالتسيسي والسلحوت وبالتالي مقومات البيئة تراجعت، فأستطيع القول أن المقومات كانت معقولة وشهدت تراجعا بشكل كبير ولكنها اليوم أصبحت محدودة.

- عبدالمنعم الشيراوي: يجب دراسة مقومات السياحة في البحرين، فحتى مع وجود تاريخ يمتد الى ثلاثة آلاف عام فإن البحرين لا تمتلك معابدا بتلك الهياكل المعمارية لتستطيع استخدامها وتوظيفها كما هو حاصل في البتراء أو مصر مثلا، اذ أن غالبية تاريخنا الذي يمتد الى خمسة آلاف سنة محصور في مقابر بعض الجزئيات التي يمكن استغلالها في المتاحف. فنحن نعيش في جزيرة وبالتالي الشواطئ ممتدة على طولها ولكننا وصلنا الى مرحلة من الصعب حتى أن تجد فيها شاطئا، فحتى المقومات التي كانت موجودة على مستوى الزراعة والشواطئ الكثير منها تم التجني عليه، اضف الى ذلك أن السياحة استلمت كجزء من قرار رسمي حكومي لموظف أي كان، فلم يوضع الشخص المناسب في المكان المناسب ولم تتم الاستفادة من الخبرات المتوافرة في القطاع الخاص، فالسياحة في أي بلد فيما أعلم عبارة عن صناعة فيها الكبير والصغير ومتنوعة ومتفرقة وتحتاج الى من يؤطرها، خذ مثلا محمد بوزيزي، الذي يمتلك الكثير من الأفكار بخصوص سياحة المؤتمرات والمعارض وسياحة المناسبات والسياحة الرياضية ولكن كي تتحول هذه الأفكار الى فعل تحتاج الى نظرة مستقبلية والى تبني استراتيجي من جميع الأطراف فالمشكلة أن المشاركين المتأثرين والمؤثرين في العملية لا يملكون قرار التوجه، فحتى المقومات البسيطة لدينا تم التجني عليها وتراجعت، واطرح مثالا فمراقبة الطيور في أوروبا لوحدها بها خمسة وعشرين مليون عضو ولكنك لو قمت باستقطاب 5 في المئة من هذا العدد يوم كانت متوفرة قبل القضاء على دوحة سار وغيرها من الأماكن التي كانت الطيور تأتي اليها لكان الأمر غيره اليوم، فالمشكلة أنه ليس هناك قرار استراتيجي، وحتى عندما تجرأت السياحة وكلفت شركة استشارية بعمل دراسة ووضع تصور استراتيجي في العام 1996 لم يطبق من هذه الدراسة ومن توصياتها فقرة واحدة، فلماذا اذا صرفت هذه المبالغ على هذه الدراسة؟! فالفرق بيننا وبين دبي مثلا أنها تضع هدفا أمامها وتسعى الى تنفيذه بينما نحن حتى عندما نمشي على الطريق الصحيح نسقط لأننا غير متعودين على سلك الطريق الصحيح.

القضاء على المنتج يعرقل أدوات التسويق

فما هو السبيل لخلق هذه السياحة من جديد؟

- سعيد عبدالله: أعتقد أن السياحة بشكلها العام من المهم تناولها من المنظور البيئي، بمعنى كيف أستطيع بناء صناعة سياحية في البحرين ولكن ليس على حساب البيئة، اذ أننا لو قمنا بملاحظة المشروعات الكبرى في البحرين لوجدنا غالبيتها يقام على حساب البيئة، فأنا عندما أريد التحدث عن سياحة بيئية يجب عليّ أن أحافظ على مقومات السياحة البيئية، ومقومات السياحة البيئية الموجودة هي بيئات طبيعية غير مملوكة، مناطق ساحلية من السهل الوصول اليها من قبل الجميع، ويمكن أن يثير الاستغراب أن نذكر وبحسب احصائية حكومية أن 8 في المئة فقط من السواحل تعتبر سواحل عامة في البحرين، وأنت تتحدث هنا عن الميزة الطبيعية لهذا البلد وهي الشواطئ والجزر، ومن مقومات السياحة البيئية كذلك الكائنات الموجودة فقط في البحرين، ويمكن استقطاب أشخاص من أوروبا للاستماع والتعرف الى ما هو موجود، وحصل من خلال تجربة شخصية من خلال مكتب صغير ربما يكون المكتب الوحيد في البحرين المرخص له بعمل سياحة بيئية إذ إنه استطاع استقطاب سياح من أميركا لمشاهدة طائر معين يقضي الشتاء في البحرين وهو (الخناق الرمادي) وهو من الطيور النادرة جدا في منطقة الخليج وهو يتكاثر في ايران والعراق ولكنه يقضي فترة من الشتاء في منطقة مقابة. هذه المنطقة تعتبر مركزاً لاستقطاب سياح من الدرجة الأولى، ومختصين يمكن أن يدفعوا مبلغا من المال كبيرا للوصول الى هذا البلد واعطاء صورة جميلة عن البلد من خلال الأنشطة السياحية البيئية ومنها مراقبة الطيور التي يمكنها استقطاب الألوف من الأوربيين والأميركيين والآسيويين واليابانيين للاستمتاع بهذه الطبيعة. فنحن نمتلك طبيعة متميزة ولكننا لا نشعر بقيمتها ولكن الآخرين الذين لا توجد هذه البيئات لديهم يقدرونها كما نقدر نحن الجبال والغابات ونهتم بها، فبالنسبة اليهم فإن الصحراء جميلة جدا ولكننا هنا ننظر الى الصحراء نظرة غير محترمة، ومن مقومات السياحة في البحرين كذلك المجتمع المتفتح فأنت تحتاج الى مجتمع واع يتقبل السائح فلا توجد لديه مشكلة بخصوص هذا السائح في ترحاله عند القرية وهذه ميزة ربما تفتقدها مجتمعات خليجية أخرى، وهي ميزة موجودة لدينا ويجب علينا تعزيزها، ومن هذه المقومات أيضا التسهيلات فهناك خدمات موجودة كالفنادق، ولكن اذا أردنا الكلام عن سياحة بيئية يجب علينا التفكير في انشاء فنادق بيئية، كالفنادق البيئية التي يمكن أن يطلق عليها مسمى الفنادق الخضراء، فأنت بذلك تقوم بتعزيز المفهوم الأوسع عن السياحة المستدامة، فالسياحة أكبر من الاقتصار على مراقبة الطيور أو الاستمتاع بالصحراء فهي شيء كبير، فالفنادق يجب أن يكون بها جزء من السياحة المستدامة والحرص على الاستفادة من الموارد البيئية والطبيعية وعدم الاخلال في توازنها، فنحن لدينا مقومات مع صغر البلد، ولكن هذه المقومات فيما نراها تتدهور يوما بعد يوم، فأنا قمت مثلا بعمل ملصقات لتسويق البحرين على مستوى السياحة البيئية في العالم وجاء سياح من أميركا وأوروبا، ولكن الصور الموجودة في هذه الكتيبات بدأت أحذفها عاما بعد عام لأن بعض الصور لم تعد موجودة لأنها كانت في مناطق معينة في بعض البيئات الساحلية مثلا كمناطق النخيل والعيون ولكن كلها بدأت بالتلاشي، اذا أنت ترى المنتج الذي تروج له يتلاشى فكيف تحافظ عليه فالسياحة البيئية يجب أن تتبنى الى جانب السياحات الأخرى وفق استراتيجية سياحية واضحة.

- عبدالمنعم الشيراوي: ان جزر حوار تم الاتفاق على حمايتها على اعتبار أنها منطقة طبيعية، فما الذي حصل بعد فترة وجيزة من الاتفاق على هذا الأمر؟! لقد تم بناء جزر صناعية من دون دراسة لتأثير التيارات المائية والبيئية على الجزر، فعندما تقوم بالقضاء على منتجك كيف تستطيع أن تطور أدوات التسويق عندك أو حتى امكانات النمو، فأنت لكي تنمو تحتاج الى انشاء منتجات جديدة الى جانب الحفاظ على ما هو متوافر لديك، فاليوم لم يتبق للسياحة في البحرين غير سياحة الشقق وسياحة الفنادق الرخيصة والمراقص الليلية الرخيصة وهذه لها تأثير جانبي على المجتمع ولها تأثير حتى على مستوى النظم والقوانين، فلكي تمارس السياحة الجنسية مثلا قي شرق آسيا هناك منظمات اجرامية تدير العملية، ففي بحثي أنا (واقع وآفاق السياحة في البحرين) التقيت بسبع من المستقطبات منهن ثلاث من دولة عربية وأربع من دولة أجنبية، وقد فزعت من الرقم الذي تحدثن عنه وضرورة دفعه الى الرجل الذي أحضرهن وهو مبلغ بين الأربعمئة والأربعمئة دينار أسبوعيا، فتصور حجم هذه التجارة، وبالتالي حجم ما يمكن أن تقدم عليه منظمات تدير هذه العملية من كسر للقوانين واستقطاب لقضايا أخرى كالأمراض وكلفة الأمراض ففي جنوب شرق آسيا مثلا هناك عمل كبير يجري لمقاومة هذه السياحة فما بالك ونحن تركيزنا الأساسي عليها، فأعتقد أنه اذا كانت هناك مساهمة حقيقية للقطاع الصناعي فيجب أن تكون هناك أولا منظمة مسئولة عن السياحة يمثل فيها المختصون ومن لهم دراية كبيرة بالسياحة، والدور الحكومي لا يتعدى تسهيل نشاطها وتنفيذ خططها وأن تطلق هذه الطاقات المفكرة، فمن القصص التي ذكرتها في الكتاب قصة ذكرها لي المدير السابق «للمردين» اذ قال أنه عندما تأثرت «هونولولو» بعملية السياحة جاء الحاكم فطلب القطاع كله وٍطلب الخروج بفكرة والعمل على تنفيذها وبالتالي استطاعت أن ترفع عمل الفنادق من 40 بالمئة الى 70 بالمئة ولكن كان هناك دعم كامل بحيث استطاعوا الذهاب كوفد من الطباخين وممثلين للفنادق، ولكن الأمر هنا مختلف، فخذ أبسط مثال: «الصناعات اليدوية» التي يمكن أن يشتريها السياح ولكن لا توجد أماكن لبيعها.

- عبدالحميد عبد الغفار: انك عندما تتحدث عن أي اقتصاد في العالم كالقطاع الزراعي والصناعي والانشاءات، تجد الدول تتتحدث عما نسبته 11 أو 12 أو 13 في المئة تساهم بها السياحة في الاقتصاد، ولكننا في البحرين لا نجد هذه النسبة، فمثلا مساهمة الزراعة 0,4 في المئة ومساهمة الزراعة وصيد الأسماك 0,7 في المئة، في الوقت الذي يجب فيه أن تشكل الزراعة والبحر مقومات أساسية للسياحة. الى جانب سياحة أخرى كسياحة التسوق، سياحة الرياضة والمؤتمرات.

إعادة الحياة الى أماكن بعينها

وأين أهمية السياحة البيئية هنا؟

- سعيد عبدالله: على أساس تأكيد أهمية السياحة البيئية كرافد من روافد السياحة المستدامة في المملكة، أنت تحتاج إلى دراسة واعية للتعرف على المقومات الموجودة وكيفية استثمارها وكيفية تنميتها ووضعها ضمن الاستراتيجية والبعد المستقبلي. ففي البحرين توجد ثلاثة روافد استراتيجية يمكنني الاستفادة منها في هذا الجانب، فالطبيعة سواء كانت في البحر أو في البر، مع كل ما له علاقة بالطبيعة هي الجزء الأساسي الذي يجتذب السياح لمشاهدته، الأمر الثاني الآثار، لأنه في السياحة البيئية يمكن ادخال المواقع الطبيعية والأثرية ضمن خطط وبرامج السياحة البيئية، واليونسكو تشدد على هذه الأمور، كذلك دور المجتمع والأفراد ضمن هذه الحركة السياحية ومقدار استفادة المجتمع، وأنا أتكلم عن الأفراد والعائلات الصغيرة أو الأحياء الصغيرة والقرى ومقدار الاستفادة، فيجب أن ننظر الى كل ذلك كأبعاد أساسية وعناصر في الخطة الكبيرة، ولكننا لو تطرقنا الى وضع هذه النقاط الثلاث، فالطبيعة بها تدهور كبير؛ فاذا كنت أفكر في سياحة بيئية فيجب علي أن أعيد تأهيل بعض المواقع الطبيعية التي يتم اختيارها كمواقع للسياحة البيئية، فخليج توبلي مثلا، يمكن اعادة تأهيله واستثماره وابقاوه في المستقبل، فخليج توبلي تدهور بشكل كبير ولكن من المكن أن أقلل التدهور المستقبلي، بوضع خطة ادارية مبنية على حقائق وعلى واقع وعلى منظور مستقبلي، وهو الهدف من هذا الخليج ، اذ ان هذا الخليج يمكن أن يكون موقعا أساسيا للسياحة البيئية، فالمحمية الموجودة فيه وهي محمية سند يجب أن تعطى أولوية، كذلك مجرى المياه في الخليج، اذ إن التأهيل هنا معناه: كيف أنني أعيد الحياة بمستوى معين الى هذه المنطقة، وتيارات المياه في الخليج تأثرت كثيراً اذ إن الملوحة زادت وتغيرت تضاريس السواحل، وكذلك النخيل على السواحل غالبها تدهور، فاذا كنت حقيقة اريد أن أضع هذا الموقع كموقع للسياحة البيئية مستقبلا في البحرين فيجب أن أضع خطة، والشيء الثاني هنا المجتمع الذي يمكنه الاستفادة من هذه المنطقة، فالقرى موجودة والصناعات التقليدية التي استطيع الافادة منها وربطها بهذا الموقع، والسواحل والأنشطة الساحلية التي يمكنني أن أوفر لها مستثمرين صغار أو مستثمرين كبار على أن تكون هناك حماية من قبل المخطط والدولة للتاكيد أن هذا الموقع لن يتغير، بمعنى أن هذا الساحل سيبقى وستعاد له الحياة، وعلى سبيل المثال نهر التايمز كانت به مواقع طبيعية شبه ميتة لا يمكن اعادة الحياة اليها مرة أخرى، وقد وصل الى درجة أنه لا توجد و لا سمكة واحدة تعيش فيه نظرا إلى التلوث ولكن بخطة طويلة النظر عكفوا عليها في بريطانيا رجع بموجبها جزء كبير من حياة النهر وحتى أن الصيد بدأ يتم في هذا النهر، فأنت باستطاعتك اعادة الحياة على أن تكون هناك ارادة وادارة.

- عبدالحميد عبد الغفار: أنا أتفق مع الطرح السابق ولكن فيما يتعلق بخليج توبلي فإن الموضوع حساس للغاية، فهذا الخليج كانت مساحته أربعة وعشرين كيلومتراً مربعاً العام 1956 واليوم أصبحت مساحته ثمانية كيلو مترات وهذا الفرق هو عبارة عن فلل، وأنا أقصد بذلك الحديث عن الجانب الواقعي، فعندما نتكلم مثلا عن النخيل الموجودة في جزيرة النبيه صالح فهي مرتبطة بتدهور المياه الجوفية بشكل كبير، وعملية معالجة المياه الجوفية لا تتم حتى في المدى البعيد، ولأوضح رأيي أكثر أقول إن نهر التايمز - الذي تكلم عنه سعيد - عندما ماتت الأحياء فيه أمكن اعادة الحياة فيه ولكن خليج توبلي الذي كانت مساحته أربعة وعشرين وكان في العام 2000، 10 واليوم 8 فهنا أقيمت مبان ودفنت المنطقة، فالتنوع البيولوجي انتهى تماما ولا يمكن استعادته، فحتى لو أزيلت الفلل فالأرض قد انتهت ولكنني هنا أتذكر كلمة جميلة لمحمود عبدالرزاق شقشق يقول فيها «إنه ليست كل الظروف المحيطة بالإنسان جغرافية أو طقسية، فهناك ما أمكن للإنسان صنعه» وهي كلمة حفرت في رأسي، إذاً إننا اليوم علينا عدم التباكي على ما ذهب من خليج توبلي، ولكن يجب علينا البحث عن المواقع التي يمكن أن ننشئ فيها مزيدا من أشجار القرم.

لا يمكن التسويق لمشروعات على الورق

وما هي المسئولية الملقاة في هذا الجانب على المملكة والقطاع الخاص؟

- عبدالعزيز الموسى: ان المواطن مخنوق سياحيا، فلا توجد لديه السياحة الداخلية، فأنت لا يمكنك تسويق مشروعات على الورق، فأنت تحقق أولا ثم تنتج وتسوق المنتج. ولكن الشيء المهم هنا أن البحرين لا تفتقد الى وجهات سياحية ولا الى مقومات، فهي غنية ولكن السؤال كيف نستطيع استغلالها؟ ففي السابق مثلا كانت الأسواق الأسبوعية متوافرة عندنا وكانت عنصراً من عناصر الجذب السياحي، ففي بني جمرة والجسرة منتجات من الأشغال اليدوية التي يقبل عليها السائح وكذلك استغلال السواحل التي أصبحت غالبيتها مستملكة ولكنك تستطيع استرجاعها وتعوض الملاك لها ومن ثم تبدأ بتنميتها، فيجب علينا ألا نركن لهذه الصعوبات ونجعلها تعوقنا.

السياحة اليوم كأنها تحصيل حاصل فلابد اذا من المطالبة بوجود هيئة مستقلة للسياحة وبدماء جيدة تعطي طاقة جديدة واطلاع أكبر فمن الواجب التأسيس لبنية تحتية، وقد كنت في ألمانيا أخيراً، وأصبت بالعجب من توافر رحلات بأسعار معقولة جدا، اذ كانت هناك رحلة لتونس لمدة أسبوع بمبلغ ثلاثمئة يورو وهناك رحلة أيضا لجزر الكناري بثلاثمئة وخمسين يورو، ومن ألمانيا الى شرم الشيخ بثلاثمئة وخمسين الى أربعمئة يورو ومن فرانكفورت الى دبي بخمسمئة يورو مع الأكل والشرب، وهنا اتساءل: أين الناقل الوطني لينقل الأفواج السياحية والذي يكون في وجوده تحريك للعجلة الاقتصادية؟!

- عبدالمنعم الشيراوي: عندما تذهب الى دولة سياحية من ضمنها دول الشرق الأوسط كمصر تجد أن هذه الدول تعطي أسعاراً للشركات السياحية كمحاولة للتشجيع، ولكننا هنا نجد حتى الفنادق لا تتعاون في ذلك مع أن السياحة الداخلية في أي بلد تمثل 80 في المئة فهي الأساس بينما تبقى ما نسبته 20 في المئة للسياحة الخارجية.

- عبدالحميد عبدالغفار: توجد هناك سياحة ولكن المشكلة أنه كانت هناك أرض خضراء أصبحت صحراء، واذا كانت القصة قصة صحراء يحتاجها الأوروبيون فالمملكة العربية السعودية بها مقومات الصحراء أكثر، فاذا كانت القصة قصة صحراء فهناك الكثير من المناطق الصحراوية، وفي فترة من الفترات كانت البحرين متميزة اذ كانت بها ينابيع من المياه ومجموعة من الطيور وعندما تراجع وجودها تراجعت الميزة النسبية للسياحة البيئية فراسخ، فلا أعتقد أننا لدينا ما يميزنا عن الآخرين على عكس الحال قبل خمسة أو ستة عقود، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإنه لا توجد رؤية، على سبيل المثال خريجو الثانوية أخيراً كانت أعدادهم بالآلاف والذين منحوا منحا دراسية كانوا أكبر من أربعة آلاف، والسؤال: كم منحة وجهت للسياحة من أصل أربعة آلاف؟ فقط منحة واحدة، وقد كتبت في هذا الموضوع مقالا طويلا وذكرت فيه أن هناك اشكالاً في ارباك الجهاز التنفيذي، فالمملكة الآن ليست لديها رؤية واضحة عن سير قطاع السياحة وما هي امكاناته وعن كيفية استيعاب أعماله خلال الأعوام السبعة المقبلة، فالمطلوب من الجهة المختصة أن تقوم بتحديد ماذا سيكون عليه حال هذا القطاع سواء الصناعي أو الزراعي أو غيره من القطاعات في مدى السنوات العشر المقبلة وبناء عليه يحدد حجم القوى العاملة، والغريب أنه على رغم وجود أربعة آلاف بعثة ومنحة واحدة للسياحة فقط هناك أربعة مليارات دولار موجهة نحو مشروعات محدودة ومن هذه المشروعات ما ينتهي العام 2006 وكل ذلك يشعرك بعدم وجود رؤية وانما تخبط، بينما تجد في الدول المتقدمة أنه ليس من حق أحد امتلاك شاطئ وليس من حق أحد أن يحجب جمال الغروب أو جمال ساحة ما، ولكننا هنا لدينا فقط 8 في المئة ملكية عامة، فالقطاع السياحي بدت مقوماته تتراجع، لذلك أنا اقول بأمانة إنه لم يعد هناك شيء يميز البحرين، على سبيل المثال الصناعات التقليدية لم يعد فيها سوى واحد في بني جمرة، ومحلين أو ثلاثة يعملون بالفخار في عالي، وصناع «البوانيش» في النعيم قد انتهوا، في الوقت الذي نجد فيه طلبا عليها من الخارج. وانك عندما تقيم اليوم مجموعة من الجزر تنشئها على المناطق الضحلة، ولكنك تقيمها على أغنى المناطق التي تحتاجها الكائنات البحرية وبالتالي أنت تقضي حتى على التنوع البيولوجي، ولذلك فعندما عمل مسح للهيرات اذ ذكر فيه أنه قبل فترة كان هناك تنوع وأحياء مائية أغنى مما هي عليه الآن وكانوا يقولون ان فشت العظم كان من قبل غير ما هو عليه الآن، فاذا لم يكن هناك نوع من التكامل بين الأجهزة التنفيذية، فالجهاز المعني بالردم غير مرتبط بالجهاز المعني بالتربية والتعليم وغير معني بالاعلام وغير مرتبط أيضا بقطاع النقل العام، فأين السائح الذي يستطيع الوقوف على «بارك» نقل جماعي وتضمن له سيارة خلال ربع ساعة؟ فالموضوع انك اذا افتقدت الارادة ومن بعدها الادارة وكانت هناك رؤية وتخبط استراتيجي بعيد المدى وغياب لهذه السلسلة فسنضطر أن نكرر الكلام نفسه

العدد 720 - الأربعاء 25 أغسطس 2004م الموافق 09 رجب 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً