يقول المفكر المصري حسن حنفي: «إن العقل في العالم العربي لا يستخدم للنقد والتحليل وإنما للتبرير». قرأت بإمعان تصريحات مسئولي وزارة الكهرباء عما حدث يوم «الاثنين الأسود» وعن اختزال كل ما حدث من انقطاع للكهرباء، في أنه جاء بسبب شركة ألبا. وزير الكهرباء والماء راح يقول: «ما حدث هو خارج مسئولية وزارة الكهرباء والماء». أما وكيل الوزارة عبدالمجيد العوضي - والذي نتمنى منه أن يقدم استقالته، إذ إن ما حدث يدل بوضوح على تخبط ما طرحوه من خطط، إن كانت هناك ثمة خطط أصلاً - فأخذ يقول: «انقطاع التيار الكهربائي الذي حدث يوم أمس كان نتيجة حمل مفاجئ من شركة ألبا». اختزال الحدث كله في نتيجة «الحمل المفاجئ» يكشف عن أن لا ولادة مستقبلية لطفل جميلٍ وادع وواعد لوزارتنا العتيقة والمعتقة، التي أصابها ما أصابها طيلة الأعوام من كدمات المناقصات وجثوم الشلليين على صدرها، وكذلك الشوفينيين الذين طفشوا الكفاءات وراحوا - كبقية الوزارات - يحركون جسد الوزارة عبر معايير الحسب والنسب.
حقيقة، أنا أحترم طيبة الوزير وكفاءته العسكرية التي يشهد له بها كل من اقترب منه في قوة الدفاع، كذلك نزاهته. لكن أقول له - وأنا الصديق لأفكاره - إن وزارة الكهرباء وزارة خطيرة ودقيقة. أقول ذلك من منظار وطني، ليقيني أن من يريدون الإصلاح في وزارة تعيش على التخصصات ربما يضيعون عبر اللوبيات في دهاليز وتفاصيل الوزارة التي تحتاج إلى متخصصين يدركون خطط المتنفذين وإلا ضاعوا في «الطوشة»، وبعد ذلك يقع كل شيء على رأسهم وهم بريئون. هناك مفهوم عام أحب أن أوضحه للسادة القراء، أنه غالباً ما يكون الوكيل، بل الوكلاء هم اللاعبون الأساسيون في الوزارات، وهم يعرفون ما في المغارة وإلى من يُفضي ذلك الذهب.
اسمح لي - يا سعادة الوزير - هذه المرة لأقول لك: الوزارة تتحمل كل ما يجري، والقضية يجب ألا تُلقى كلها على شركة ألبا، فيكفي ألبا أنها لا تُوظّف - هي الأخرى - إلا انطلاقاً من العرق والانتماء، وألبا هي الأخرى تحوّلت إلى مُستعمرة، أما الذين طُحنوا في التسعينات وبذلوا أرواحهم من أجل الديمقراطية فهم مشغولون بجمع التبرعات لفلسطين وإنشاد الأناشيد، أما الوظائف والمناصب والكعكة، فلا ناقة لهم فيها ولا جمل، وما لم يغيّروا من استراتيجيتهم ويحققوا في خطر التهميش والتمييز وترك البلاهة السياسية من التركيز على الهوامش، فلن يتغير حالهم. وها نحن نرى المفارقات، يجمعون تبرعات قُدِّرت في العام الماضي بنصف مليون دينار إلى فقراء القوم في فلسطين والعراق وإيران، وبين أظهرهم مئات الفقراء والبيوت المتصدعة في القرى. فخُمس البحرين يبني مستشفيات في لبنان وإيران، وهنا عوائل تموت جوعاً في سترة والحجر والمالكية... إلخ
أقول: يا سعادة الوزير، يجب أن تمتلك جرأة الشيخ فواز آل خليفة عندما بدأ - ولو متلكئاً - بالسماح للكوادر البحرينية بأن تأخذ طريقها في الرياضة (سنة وشيعة) من دون تفريق، وهنا بدأنا نلحظ ولو جزءاً من الانتصارات، فأصبح سالمين ودعيج وعلاء حبيل وحسين بابا، كلهم في صف واحد للدفاع عن البحرين. يا سعادة الوزير، أقولها لك كلمة ربما يخجل البعض من أن يقولها في زمن الشفافية: إن جزءاً مما تعانيه وزارتك هو إقصاء مجموعة كبيرة من كوادر الطائفة الشيعية الكريمة، وذلك بسبب بعض المسئولين الكبار. فلنتخذ من وضع المنتخب الوطني درساً، فليس كل الطائفة الشيعية على خطأ، إذ فينا - إذا لم نكن كلنا - من يموت حباً في الوطن، ويهمه أن يرفع صورة الوطن خفاقة، وبين يديك علاء حبيل ورقية الغسرة وقاسم حداد وإبراهيم العريض وندى حفاظ والسيدأحمد الغريفي، وآخرون وآخرون. دعنا نشاطر إخوتنا الأحبة من الطائفة الأخرى في المناصب كمديرين ورؤساء أقسام ومسئولين، بمعايير الكفاءة والنزاهة والولاء للوطن والإخلاص لمشروع جلالة الملك. من الخطأ تعميم الأخطاء على الجميع، وقديماً قيل: من لم يكن منكم على خطأ فليرمها بحجر.
أنا أعلم أن وزارتك ليست هي الوزارة الوحيدة، وهي سياسة اتُبِعَت، ولكننا الآن في فترة تصحيحية، وها نحن يومياً ندفع باتجاه ترسيخ مشروع جلالة الملك، وندعم كل إنجاز ونتحمل إلقاء الحجارة على كتاباتنا من هنا وهناك، أملاً في أن يرسخ مبدأ تكافؤ الفرص.
يا سعادة الوزير... هناك من الكفاءات، لو كانت بمستوى اديسون فلن تلقى حظاً في وزارتك، بسبب اللوبيات المعشعشة، وانظر إلى إدارة التوظيف وما يحصل فيها، كم من مهندس هُمِّش؟ لماذا يغلق الباب في وجوه البحرينيين ويفتح للأجانب؟ بل ويدوَّر الأجانب من منصب إلى آخر، وهناك من أُنهي عمله ثم أعُيد مرة أخرى، وكأن البلاد لا توجد فيها كفاءات! هل من المنطق أن يُهمَّش أبناؤنا لأنهم من هذه الفئة أو تلك، ويُرفع على رؤوسهم الأجانب والآسيويون، وبعضهم تتلمذ على أيديهم؟!
لماذا نحن جميعاً - بمهندسينا وكوادرنا - ندفع جريرة فلان أو علان؟ لماذا يصبح التوظيف بالهاتف؟ ولماذا لا تُنشر الوظائف الشاغرة في الصحافة؟
يا سعادة الوزير... مركز التدريب بالوزارة عليه العوض... أين هو الآن؟ ما هي إنتاجياته؟ هل للشيخ نواف أن يقص عليك بعض القصص عن التوظيف؟
سعادة الوزير... من يُرسل إلى البعثات؟ من يُرَقّى ومن يُمنح الدرجات والرُّتب؟ وهل من الإنصاف أن يبقى بحرينيون لـ 15 عاماً على درجة واحدة، لأنهم من فئة كذا وكذا؟
هل ألبا مسئولة عن شيخوخة المحطات وعدم تأهيلها أو توسعتها؟ هناك سوء تخطيط وغياب استراتيجية؟ أتمنى ألا تبقى الأخطاء على حالها بعد انفضاض السامر وانتهاء الزوبعة، فتكون بمثابة زوبعة في فنجان، ليكشف الستار ذات يوم عن انقطاع تام عن البحرين!
سعادة الوزير... ماذا يجري في «دائرة المشاريع والتخطيط»؟ ماذا يحدث للمناقصات؟ وقد سألتك ذات يوم: «هل يوجد بالوزارة مسئولون لديهم أو لدى عائلاتهم شركات تتقدم إلى العطاءات التي تطرحها الوزارة؟»، فأجبت: «نعم يوجد، وهذا أمر لا نحبذه ولا نتمناه، ولكن هذا أمر واقع».
سعادة الوزير... دعنا نساعدك في ذلك، ونمنع هؤلاء عن أية مناقصة أو نفوذ. أتمنى من مديري ورؤساء الأقسام والمسئولين في الكهرباء أن ينشروا مؤهلاتهم ومسماهم الوظيفي، فهل هم جميعاً عُيّنوا وفق معايير علمية؟
سعادة الوزير... إن الصين احتفلت قبل أشهر بمرور 50 عاماً على بقاء الكهرباء من دون انقطاع، ونحن نعتبر سكان عمارة بالنسبة إليهم... فهل لنا ألا نشهد انقطاعاً؟
أما وكيل الوزارة مجيد العوضي، فأتمنى منه أن يكون دقيقاً في تصريحاته، لأنها تزيدنا - نحن المواطنين - هَمّاً وسخرية وحزناً، إذ إن لغة التبرير قد ولّت، والوكيل في وادٍ وما يجري في واد. وهنا أسأل الوكيل أسئلة:
- لو جاء أديسون إلى وزارتكم، هل ستوظفونه؟
- لماذا الإصرار على إبقاء الأجانب ونشر الإعلانات للوظائف الشاغرة في صحافة الهند والإمارات؟
- إلى متى ستبقى المحطات تنفجر في وجوه أبنائنا؟ فهل ستعوضون عوائلهم؟ وكم عامل من منتسبي وزارتكم احترق وجهه ويداه؟... ولماذا لا توجد علاوة خطر؟ وهذا سؤال نوجهه إلى رئيس جمعية الوسط عبدالله الحويحي: إلى متى يبقى هؤلاء بلا علاوة خطر وبلا ملابس أو أدوات واقية؟ ألا يكفي من أُكلوا؟
- ماذا تقول في أن تصبح الصيانة أعلى كلفة من المحطة؟ وماذا عن طاقات التخزين للماء عندكم؟
وأخيراً أقول لوكيل الوزارة إن دارفور - على رغم ما تعيشه من أزمات - كانت البارحة مضيئة بنعمة الكهرباء. يا سعادة الوكيل، تقولون ان المشكلة وقعت بسبب «ألبا»، لقد أوقعتم أنفسكم في إحراج. والسؤال المهم: ألم ينتهِ عقدكم مع «ألبا» قبل أشهر؟! فكيف تمت إذاً إعادة الطاقة مرة أخرى ومن الذي سمح بإعادتها؟!
هذا قليل من كثير، وسأوافيكم ببقية الأسئلة في الأيام المقبلة... وعقبال كهرباء «غير وغير»! شكراً لكم على الكهرباء، ونتمنى تمام النعمة
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 719 - الثلثاء 24 أغسطس 2004م الموافق 08 رجب 1425هـ