بانتظار صدور تقرير لجنة التحقيق التي أعلن تشكيلها وزير الكهرباء والماء الشيخ عبدالله بن سلمان آل خليفة أمس الاول، طرحت مشكلة انقطاع التيار الكهربائي عن كامل البحرين الاثنين الماضي اسئلة كثيرة لا تمس استعداداتنا لمواجهة حالات طوارئ فقط، بل تمتد لما هو ابعد من ذلك.
لا ادري ان كانت مفردة «مشكلة» هي المفردة المناسبة لوصف ما جرى يوم الاثنين 23 اغسطس/ آب، ففي ذلك اليوم كان هناك توقف شبه تام للحياة في البحرين واعتقد أن هناك الكثير من القصص لتروى عن أنواع كثيرة من المشكلات التي واجهت الناس في ذلك اليوم.
لقد أظهرت كارثة الاثنين، أن علينا التفكير جدياً في الطريقة التي يتعين بها أن نواجه كوارث وطنية على هذا المستوى، اي تلك التي تصل إلى إصابة الحياة بالشلل. كان مشهدنا ونحن مسمرون قرب أجهزة الراديو نلتقط الأخبار والتعليمات يجعلنا نشعر بأننا أمام كارثة وطنية لولا رحمة مكيفات السيارات. وعندما نذهب إلى هذا الحد من التفكير سنردد طبعاً «لا قدر الله»، لكن من الواضح ان التمنيات والدعاء لا يكفي لكي نقي أنفسنا من كوارث مماثلة في المستقبل.
لقد اقر الوزير في مؤتمره الصحافي أمس الاول بالحاجة إلى السرعة في تدارك مشكلات كتلك، واعتقد ان هذه بداية صحيحة للتفكير في خطط المستقبل، أي تحسين الاستجابة للتعامل مع الكوارث وحالات الطوارئ. لقد أظهرت مشكلة الاثنين مدى اعتمادنا شبه المطلق على الطاقة الكهربائية مثلما أظهرت أن الشبكة ايا كانت التقنية المستخدمة فيها معرضة للاعطال والانتكاس لأي سبب.
ومثل هذه المشكلة تحدث في أي بلد واذا كانت التقنيات الحديثة التي تسير حياتنا اليوم علمتنا شيئا، فهي علمتنا أنها معرضة للانتكاس في أي وقت بسبب أخطاء ليست في الحسبان: خطأ بشري أو تقني. والأهم علمتنا أن الاحتياطات والتقنيات المساندة والاستعداد المسبق بخطط الطوارئ تكون بمثل أهمية استخدام التقنية نفسها ودقتها المتناهية.
هذه التقنيات المعقدة التي باتت تحكم حياتنا، علمتنا ايضا أن استخدامها يتطلب منظومات اخرى مساندة. فخطط الطوارئ مهما كان شمولها ودقتها لن تحقق النجاح المطلوب طالما أن الجمهور يفتقد الحد الادنى من المعرفة المسبقة للتعامل مع حالات كهذه. لن ندخل حربا قريبة ولا نتوقع هجوما نوويا، لكن اظن ان ما جرى يوم الاثنين يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن علينا أن نتخلى عن طابع الاسترخاء الذي يتسم به سلوكنا العام كلما تعلق الامر بالخدمات العامة والمرافق.
بعض نماذج هذا الاسترخاء: مستشفيات لا تملك مولداتها الخاصة وتنتظر مساعدة الحكومة. مبان كبرى ومجمعات تجارية كبرى ايضا. واذا وضعنا مباني الرفاهية جانبا كالمجمعات، فلن يكون بإمكاننا التغاضي عن المستشفيات مثلا أو المباني الخدمية الضرورية أو حتى مواقع الانتاج. ان الاضرار المتوقعة يمكن ان تخف كلما كانت هناك مبادرات ذاتية للتعامل مع حالات طوارئ من هذا النوع، أي كلما تخلينا عن فكرة انتظار المساعدة من الدولة، كلما كان ذلك مدعاة لتخفيف الاضرار. الدولة مسئولة بلاشك، لكن اعتقد ان المنطق في حالات من هذا النوع يقودنا بلاشك الى الاستنتاج أن علينا بدلاً من احصاء الخسائر المساهمة في خفضها.
هل يمكننا ان نتوقع انتعاشا لسوق المولدات؟ ربما كانت هذه هي احد الاعراض الجانبية وهذه على رغم ما قد تمثله من عبء اقتصادي جديد تمثل احدى علامات الحيوية في اي مجتمع. ان نتعلم من التجربة بدلاً من انتظار معجزات الدولة.
واذا كان الفنيون والعاملون في وزارة الكهرباء الذين تحملوا عبء إعادة الحياة الى البلد والوزير عبدالله بن سلمان وطاقم وزارته يستحقون تحية منا، فإن تحيتنا هذه ستكون اكثر حرارة واكثر جدوى ان فتحت كارثة الاثنين الاذهان وقادتها إلى التفكير العلمي السليم لمواجهة كوارث مماثلة في المستقبل وجعلتنا نشعر بحق ان ثمة ما يتغير في طرق تفكيرنا وأساليبنا في التعاطي مع مشكلاتنا
إقرأ أيضا لـ "محمد فاضل العبيدلي"العدد 719 - الثلثاء 24 أغسطس 2004م الموافق 08 رجب 1425هـ