الحديث عن السينما وضرورة الانفتاح عليها الذي كنت قد بدأته قبل شهور من الآن وقررت التوقف عنه بسبب بعض ردود الفعل السلبية، لايزال هاجساً أعيشه بل ولربما يمكنني القول انه مازال «هماً أحمله، ومسئولية أتبناها»... ومهما يكن من أمر فقد قررت مواصلة هذا الحديث الذي لا يكاد يبدأ حتى تتطاير الكلمات وتتوجس الأنفس خيفة مما قد يثيره أو يحويه أي مقال ينشر من مظاهر وقيم دخيلة على مجتمعاتنا.
أعود لأكرر قولي يجب أن نكون على وعي تام بما يصدر لنا عبر الشاشات صغيرها وكبيرها، وأركز هنا على أمر مهم لكي لا يسيء القراء فهمي كما حدث سابقاً، السينما التي أقصد ليست مبنى أو قاعة عرض أو شاشة هنا أو هناك، بل هي عالم من الصور الناطقة والمتحركة، عالم يرى فيه الكثير من كبار القادة السياسيين (في العالم الغربي) وسيلة للهيمنة على أي شعب وكسب وده ورضاه، وهي وسيلة لاتزال القوى الكبرى تعي فاعليتها وتحسن استخدامها فتنقل ما تشاء من القيم والمبادئ عبرها، ثم تضحك منا وتهزأ بنا حين نحارب ما تدعو له من عولمة أو تطبيع ثقافي قبل أن يكون سياسياً، في الوقت الذي نعيش فيه كما تشاء هذه القوى وندعو لما تريد، والفضل أكبر الفضل لما نتبناه من أساليب حياة وقيم وأفكار لا نستوردها عبر كتب ولا صحف أو خطب حمقاء بل عبر هذه الشاشات السحرية التي نتسمر أمامها صغاراً وكباراً، لساعات تطول أو تقصر، لنغادرها وقد حملت نفوسنا ما لا تستوعبه عقولنا في ساعات من القراءة تبلغ أضعاف ما قضيناه من لحظات معها. السينما بحسب التعريف الالكتروني هي وسيلة عرض الصورة الموجودة على شرائح السيلولايد، وهي ايضاً القاعة التي تعرض فيها الأفلام، فإذن هناك فن للسينما وهناك دار للسينما، والفن هو ما نتحدث عنه وهو ما نريد ان نعيه، وهو ما يمكن أن نجده في دار عرض محددة، أو حتى في منازلنا على شاشات أجهزة التلفزيون لدينا. هي عالم بدأ منذ ما يزيد على القرن، لينتج دنيا الأحلام التي وعى الكثيرون أهميتها من حيث قوة تأثيرها وفاعليتها وقدرتها على الوصول إلى كل شرائح المجتمع وقطاعاته، وليس أدل على أهميتها من استحواذ السلطة الشيوعية ومن ثم النازية عليها لتصدير إيديولوجيتها عبر مختلف آليات هذه الوسيلة التي أثبتت جماهيريتها في ذلك الوقت ومازالت كذلك. الرأسماليون أيضاً وعوا أهميتها وعملوا ومازالوا يعملون جاهدين على نقل اسس وتفاصيل نظامهم القيمي والفكري وحتى الاجتماعي عبر هذه الوسيلة، ولعلهم كانوا أكثر ذكاء من الشيوعيين والنازيين، فقد صرح هؤلاء بخططهم ورغباتهم الاستحواذية على فكر الجماهير، أما الرأسماليون فلم يتطرقوا إلى ذلك الحديث بل اتخذوا الكتمان وسيلة لنشر افكارهم وإيديولوجياتهم، وبدلاً من ذلك اقنعونا بفكرة سينما التسلية وصنفوا لنا بعض الأفلام على انها تهدف لقضاء وقت ممتع ليس الا، فهي قد تكون كوميدية أو خيالاً علمياً أو ما شابه، المهم ان الهدف منها هو الضحك فقط، وان العاملين عليها لا يحاولون نقل أية فكرة من خلالها، والواقع انه ما من فيلم يمرر الى الجماهير من دون ان يهدف الى تغيير واقع معين او الى نقل فكرة ما، ولا ننسى في هذا المقام اليهود الذين استطاعوا كسب ود العالم بأسره من خلال عشرات من الأفلام التي تصور ما يدّعون تعرضهم لهم على ايدي النازيين، وهو الامر الذي قد لا يكون صحيحاً تماماً الا انه على اية حال اصبح اشبه بالحقيقة التاريخية التي تثبتها ما بثته السينما على مدى عقود.
هكذا يغني الجميع على ليلاهم في عالم السينما، ونغني نحن على ليلى أخرى تختلف تمام الاختلاف عن ليلاهم جميعا، فليلانا لا تمت لعالم السينما بصلة، بل يرسم ملامحها بعض أصحاب السلطات لدينا، ليحرموا ويحللوا كما يشاءون، وليرفضوا السينما بدعاوى وحجج متعددة، متناسين الخطر المحدق بنا وبقيمنا وأفكارنا.
آن لنا ان نفيق من سباتنا العميق ويكفينا انزواءً وابتعاداً عن الحياة ولنكن قوة فاعلة تصل أصداؤها الى الجميع وتتغلغل في نفوسهم لتقدم نماذج مشرفة لنا، لندافع عن أنفسنا ضد ما يبث هنا وهناك، لا باتخاذ شعار المقاطعة بل بمواجهة هذا العالم الجميل وفرض نفوذنا عليه، ولا ننسى ان سلطة الدين تنافسها سلطات أخرى
إقرأ أيضا لـ "منصورة عبد الأمير"العدد 719 - الثلثاء 24 أغسطس 2004م الموافق 08 رجب 1425هـ