العدد 718 - الإثنين 23 أغسطس 2004م الموافق 07 رجب 1425هـ

تهدئة للعقول تمهيداً للتعقل ... أزمة النجف نموذجاً

أحمد البوسطة comments [at] alwasatnews.com

مرة أخرى يدفع العراقيون ضريبة «الغالي والنفيس» نتيجة للخطاب الغوغائي الذي يطلقه ثرثارو احتراف الخطابة «الدينية والقومية» من على الفضائيات ومنابر العبادة، إذ تصل النغمة ذروتها، حين يحثون العراقيين بقوة على الموت في سبيل «الأمتين العربية والإسلامية» وينبئونهم «بالنصر القريب» على «الأميركان الصليبيين وحكومة علاوي العميلة»! من دون أدنى تفكير للآفاق المزعجة التي يواجهها الشعب العراقي الجريح بعربه وأكراده، مسلميه ومسيحيه وصابئته وزيديته، والخسائر التي يتكبدها في كل تصعيد للعنف وفلتاته الأمنية التي تجره من كارثة إلى أخرى، بينما كان من المفترض من هؤلاء «المهندمين» إن كان لابد أن يقولوا كلمة طيبة، التكرم بالدعوة إلى حل المشكلات بأهدأ السبل وبأقل الخسائر لتدر أفضل النتائج على العراق، وليس تخريبه والتآمر عليه وبث الخوف والريبة على مستقبله الجديد.

كانت مبادرة المؤتمر الوطني العراقي الموسع التي مازالت قائمة تملك مفاتيح الحل السلمي لأزمة النجف الأشرف لولا «حرب الإعلام وإعلام الحرب» ومتدخلات خارجية تنعق هنا وهناك عبر تصريحات غير مسئولة وبلغات مختلفة تتسم بالتحريض على الاقتتال والتشدد وتدعو إلى «محاربة أميركا» على أرض العراق بدماء عراقية، في حين يتمادى حمقى في تدمير المؤسسات النفطية وإشعال الحرائق فيها واستخدام أساليب «الأرض المحروقة» وتجد من يشجعها ويهلل لها حتى وصل الأمر بخسارة مليار دولار في عشرة أيام من الأزمة عدا الضحايا البشرية.

هناك من شبه مدينة النجف (كما جاء في تصريحات كمال خرازي) بهيروشيما ونكازاكي بهدف نشر الهلع وإثارة الرأي العام العالمي ضد الحكومة العراقية الوليدة، ولم يتحدث باللوم أو بالنقد على المتمردين والميليشيات المسلحة وعصيانها واحتلالها ضريح الإمام علي (ع)، ثم أصبحت هذه الميليشيات «دولة داخل دولة وأصبح لها قانونها الخاص» ورؤيتها وطرقها الخاصة في العقاب والوصاية على العراقيين. ويقول المحلل السياسي العراقي المخضرم (الحاج عزيز) في إحدى مقالاته المنشورة على موقع «إيلاف»: «لقد كانت المعلومات التي وردت في تصريحات السيد قائد شرطة النجف» مفزعة ومرعبة، وأيضاً مثيرة للقرف. فقد فضح كيف يخرج الإرهابيون من الصحن الحيدري غدراً لقنص وخطف أفراد من الشرطة ثم يقطعون رؤوسهم ويفقأون عيونهم ويسلقونها! فعن ماذا وعن من يريد السيد خرازي أن يدافع؟».

ما يثير الدهشة، إنه في «حرب الإعلام وإعلام الحرب» يختلط «الحابل بالنابل» وعلى المتلقي أن يصدق ما يريد تصديقه ويكذب ما يريد تكذيبه، حتى يتعذر على المرء التمييز بين الخيط الأبيض من الأسود، وسأسوق هنا مثالاً على ذلك مع بدايات الهجوم على «ميليشيات المهدي»، إذ تحول رجل الدين الشاب مقتدى الصدر من «رمز ديني» إلى جنرال حرب يقود المعارك بنفسه، وصرح القريبون منه والناطقون باسمه بأنه أصيب بثلاث طلقات أو ثلاث شظايا في «صدره ورجليه»، وفي اليوم التالي يخرج أمام الكاميرات ويده التي تحمل «المايك» ملفوفة «ببندج»، وبينما كان خبر إصابته يتصدر نشرات الأخبار توارى «بالصوت والصورة» في لمحة بصر، على رغم أن الحكومة العراقية نفت الأنباء التي تتحدث عن إصابته في حينه، ولم يصدقها أحد.

ربما أيضاً تصريحات السيد قائد شرطة النجف بها من المبالغة، وربما حقيقية، وقد تثبت الوقائع ذلك بالصوت والصورة، ومع ذلك يظل السؤال: «في مصلحة من هذا الذي يجري في العراق؟»، ولماذا تقوم جهات خارجية بصب الزيت بدل «الماء» على النار، وهي تعلم لو حصل هذا العصيان المسلح على أراضيها لأبادته بالحسم العسكري من دون تردد، والتاريخ فيه الكثير من الشواهد على ذلك، وأسوأ من ذلك أيضاً، إذ أن جل الدول بما في ذلك إيران، لا تتسامح مع أبسط نقد من مثقفيها المسالمين وتحكم عليهم بالإعدام لمجرد توجيه ملاحظات نقدية للنظام (هاشم أغاجاري مثالاً)، والأمثلة كثيرة في عدة دول بيوتها من زجاج... وترمي الغير بالحجر الآن!». نخرج من قصة للدخول إلى أخرى، وهكذا، فبعد الموافقة على الخروج المسلح من النجف ومناطق أخرى من العراق، نأتي إلى «الاستلام والتسليم» لمفاتيح ضريح الإمام علي (ع) وتأجيل حلّ الميليشيات والدخول في العملية السياسية السلمية، في حين تتجدد المعارك بين الحين والآخر، بينما يدفع العراقيون الثمن من دمائهم وأرواحهم واقتصادهم وتخريب منشآتهم في كل تأجيل وفي كل مناورة من دون الاستماع إلى لغة العقل التي دونها لن يتعافى العراق واقتصاده وتنميته. حقيقةً، لا توجد دولة في العالم تحترم نفسها تقبل بعصيان مسلح أو بوجود ميليشيات مسلحة على أراضيها، أما التصريحات التي تخرج من هنا وهناك لتبرر ما يجري في العراق بحجة طرد المحتل بالقوة وما إلى ذلك من تصريحات «ينفي الواحد للآخر»، هي مجرد «تهويش» سياسي له من الأهداف والحسابات في أجندة خارجة عن الإجماع العراقي المتمثل في المؤتمر العراقي الموسع الذي قبلت قواه المشاركة فيه بالعملية السياسية الكبيرة من أجل استقلال وسيادة ومستقبل العراق الديمقراطي التعددي، وليس بجعجعة السلاح الذي يطيل أمد الاحتلال بدل أن ينهيه

العدد 718 - الإثنين 23 أغسطس 2004م الموافق 07 رجب 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً