كان يوماً عصيباً، ولكنه يكشف عن مخبأ تحت المساحيق والأصباغ التي كانت تلون وجه وزارة الكهرباء طيلة هذه الأعوام. الصحافة كانت ترقص ليلاً نهاراً على وَقْع دفوف بعض الكتاب الذين لعبوا دوراً في تلميع وجه العروس. دعوني أصارحكم بحقيقة وزارة الكهرباء وبحقيقة ذلك الصمت الذي ساد وليس هنالك أحد بمنأى عما حدث، لأن التساهل في أمر بسيط يجر إلى الكارثة. أعطيكم مثالاً... محطة الحد، هناك من قال: يجب عدم السكوت عنها، هناك فساد وراء ما حدث لهذه المحطة، وهناك من قال: بسبب المناقصات ولعاب بعض المسئولين الذي عادة ما يسيل أمام أية صفقة مشروع أو مناقصة... الروايات كثيرة، وهناك رواية اقتربت من اليقين، ولكن البرلمان صمت والنواب انشغلوا بالنقاب واطالة اللحى وتأسيس هيئة الأمر بالمعروف... المهم لا أحد نطق بحرف يطلب التحقيق... القضية لفلفت بسرعة. نحن لا نريد ان نلقي تهماً، ولكن لماذا لا يفتح تحقيق في الموضوع ويجرجر أي مسئول متقاعد أو مازال موجوداً في منصبه لمعرفة الحقيقة؟ لكن هناك حقائق تقربك من الصورة، لماذا تبقى المحطات قديمة؟ والى متى سيبقى هؤلاء الموظفون في وزارة الكهرباء ينفخون الروح في جسد هذه المحطات. نحن نقدر الموظفين وهم يستحقون ان يعطوا أوسمة وطنية لقدرتهم الفائقة في بث الروح على رغم كبر سن المحطات الكهربائية التي لا تقل كبراً عن الأجانب كبار السن في الوزارة الذين يساهم بعض الموظفين في ابقائهم وتدويرهم وتجديد عقودهم لتبقى الوزارة ماركة مسجلة لجماعة مسئول هنا أو مسئول هناك. الوزارة مليئة بالاخطاء والتجاوزات وسبق ان طرحتها للوزير في المقابلة التي نشرتها في «الوسط»... التوظيف في الوزارة يتم بالهاتف، مهندسون بحرينيون عاطلون والوزارة تنشر في الهند والامارات عن وظائف شاغرة!
السؤال: من وراء ذلك غير أولئك المسئولين الذين عشعشوا في الوزارة؟
سألت الوزير: كيف ترسو المناقصة على شركات لبعض المسئولين الكبار في الوزارة ممن لهم علاقة بهذه الشركات؟ ان بعض المسئولين أصحاب الوزن الثقيل في وزارة الكهرباء مشتغلون ومنشغلون بالتجارة، وليست أية تجارة. انما تجارة بعضها يتعلق بمواد تباع على وزارة الكهرباء. والسؤال للوزارة: هل هي تضمن الجودة في هذه المواد أو الأجهزة؟ وهل هنالك رقيب حسيب على ذلك، وما الذي يضمن لنا عدم جر المناقصة لهذا المسئول أو ذاك بأقل الاسعار للتجارة الخاصة؟
عندما دخلت الأوقاف الجعفرية جلست ابتداء مع مجلس الإدارة فقالوا لي: كل شيء جميل فخلتها مؤسسة افلاطونية ولما خضنا في العمق بان المكشوف. لقد قلت سابقا حتى لو كان الوزير اصلاحيا فليس من الضرورة ان تكون بطانة الوزير اصلاحية، ولكم ان تفتشوا لتروا «البلاوي المتلتلة»... مشكلة الوزارة كما هو الحال في بعض الوزارات الأخرى. الحلول فيها دائما ترقيعية حتى تقع الكارثة، والسؤال: من سيدفع الضريبة؟ ما حدث يوم أمس لا يحدث في قرية فقيرة مهمولة في جنوب السودان أو في اريتريا... يحدث ذلك وأسعار النفط قد لامست الـ 50 دولارا للبرميل... نحن دولة نفطية منذ الثلاثينات وهذا حالنا؟ هل تعلمون ان مستشفى السلمانية تعطل في بعض اقسامه والمراكز الصحية تعطلت في معظمها كليا؟ وهناك أدوية فسدت وأجهزة توقفت... لن نتكلم عن الخسائر المالية دعونا نتكلم عن أرواح الناس... يوم أمس وقعت حوادث كثيرة وإشارات المرور توقفت، يعني أصبح كل سائق واجتهاده وكم بكت العيون للشاب عبدالله السماك من منطقة المنامة الذي ارتحل الى ربه جراء حادث مؤسف. فوق كل ذلك تذهب السمعة التي مازلنا نبنيها يومياً واذا موقف واحد يذيب ويهدم كل ما بنيناه لأن ما حدث لا يحدث حتى في دولة «الواق واق» والسؤال: هل سيتم فتح تحقيق في الموضوع؟ ربما ولكن السؤال الأهم: من سيكون في لجنة التحقيق، هل هم من البرلمان؟ وماذا بقي لغالبية نوابنا البرلمانيين وخصوصا بعد ملف التأمينات والتقاعد والتجنيس و... لم يبق شيء هل هي مؤسساتنا المدنية؟ لا طبعا لأن مثل هذه القضايا تعد تافهة امام بقية القضايا «نخلي القرعة ترعه» الى ان تلفلف القضية وترجع «حليمه لعادتها القديمة».
غدا سيخرج علينا بعض مسئولي الوزارة ليقول: هذا أمر طبيعي، انه مجرد خلل يحدث ذلك في كل البلدان حتى أميركا، الاخطاء موجودة في كل مكان ونحن سنعمل لتصحيح الوضع ونطمئن المواطنين بعدم تكرار ذلك ولا انقطاع بعد اليوم. فعلا نحن في (مهرجان البحرين الكهربائي غير وغير)، اذا كانت الوزارة او السلطة تبحث عن حل، فهناك ألف حل وحل وهناك مفاهيم عامة يجب عدم تجاوزها.
1- اصلاح الوزارة عمليا وعلى الوزير مراجعة المناقصات ومدى كفاءة المسئولين الكبار أو الصغار وخصوصا من دسوا دسا لاعتبارات طائفية أو محسوبية أو على البركة والسماح لكل الكفاءات البحرينية أن تأخذ نصيبها بدلا من البعض ممن لا يميزون بين البيب والكيبل، فهناك فضائح في نوعية الشهادات والمسمى الوظيفي، فما علاقة تخصص فنون بالهندسة مثلاً.
هل جميع مديري ادارات الكهرباء والماء مؤهلون؟ وهل جميعهم تنطبق عليهم قاعدة الرجل المناسب في المكان المناسب؟
2- هل سترفع الدولة - بعد ارتفاع سعر النفط - موازنة الوزارات المهمة كالصحة والكهرباء والإعلام لوضع استراتيجية عملية علمية مدروسة ترسي مناقصات بلا محسوبيات لعلاج ما يمكن علاجه بلا ترقيع؟
الكارثة ايضا في الاماكن الحساسة التي تتعلق بأرواح الناس كالمستشفيات والمراكز الصحية والمطار و... الا يجب ان تكون هناك احتياطات أكبر من هذه الاحتياطات الهشة للحفاظ على الأرواح؟ أين هم الخبراء الأجانب مما حدث، وأين هي أيديهم الاعجازية المسعفة لمثل هذه الحالات؟
ثم هل يمكن ان يحدث مثل ذلك في الدول الأكثر فقراً في العالم فضلا عن دولنا الخليجية؟
عدم الرقابة وشيوع الفساد والمحسوبية والتمييز في الوزارات وغياب التخطيط والاستراتيجية وعدم القبول بالنقد والتصحيح يجر علينا كل ذلك، وها نحن نحصد الثمار. خلال هذين العامين من الاصلاح بدأت تخرج تراكمات السنين العجاف من الفساد المالي والإداري واليك... محطة الحد، افلاس التأمينات والتقاعد، فساد الاوقاف الجعفرية وما ادراك ما الأوقاف الجعفرية، بنك الاسكان، البنك البحريني السعودي وهكذا تطفح على السطح تلك التراكمات، ولكن على رغم ذلك نقول: نحن في الطريق الصحيح هذه الاخطاء يجب ان نعترف بوجودها كي نصححها والتصحيح يحتاج الى فكر ووعي ومراقبة ومتابعة واعتدال ونقد صريح وشفاف للخطأ.
أقول للنواب الافاضل: تمرير ملف التأمينات والتقاعد وفر اطمئنانا لوزراء آخرين ومسئولين ووكلاء بأن الطريق آمن فمادام نجا سعد بعد كل ما قيل فلا شك سينجو سعيد. توفير الحنان للاخطاء والتجاوزات سيجعل بعض المسئولين بلا رقابة. أقول لوزير الكهرباء: اعد النظر في بعض مسئولي الوزارة بعض الكبار وبعض الصغار لا شك ستكتشف الخيط الابيض من الأحمر، هذا اذا كان هناك ثمة فجر تبقى
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 718 - الإثنين 23 أغسطس 2004م الموافق 07 رجب 1425هـ