وجاء اليوم الموعود... البحرين بلا كهرباء نهار يوم أمس. ولأول مرة اتمنى لو ان الصحافي العربي الذي انتقد الكويتيين حضر البحرين ليشهد «أم المعارك»! فقبل عدة اسابيع جمعتنا رحلة عمل إلى قبرص بمجموعة من الصحافيين العرب، وفي معرض الاحاديث الدائرة سمعت من أحدهم نقداً لاذعاً للخليجيين، تشكّل من خلال عيشه في الكويت لمدة ثمانية اشهر، فكان يكرّر: «لو تنطفئ الكهرباء عندكم في الخليج لمدة نصف ساعة لدخل نصفكم المستشفيات»!
تمنيت أن يحضر صاحبنا ليشاهد المعمعة. فمنذ الصباح الباكر، وبعد دقائق من انطفاء الكهرباء تلقيت أول مكالمة من رئيس جمعية فنية يسأل فيها عن السبب، كونها اول مرة تنطفئ فيها الكهرباء عن كل مناطق وجزر البحرين. وأحسست انه ذهب بتفكيره إلى وجود عمل تخريبي بعد ان أصبحت البحرين هدفاً في الحرب ضد الإرهاب، وربما يكون ذلك تصديقاً لتوقعات السفارة الاميركية بإجلاء رعاياها من البلد!
قبل مجيئي إلى مبنى الصحيفة مررت بالمنامة، ولفت نظري طول طوابير السيارات امام الاشارات الضوئية، وان رجال الشرطة العاديين هم من يقومون بتسيير حركة المرور، وعند دوّار السلمانية مصوّر التلفزيون يلتقط صوراً «تذكارية» للسيارات!
المكالمة الثانية تلقيتها عند الضحى، من صديقٍ وهو في طريقه إلى الجسر. الصديق متزوجٌ من سيدة من المنطقة الشرقية، فبعد أن تناهى إلى علمه ان محطات الكهرباء الأربع متوقفة عن العمل، قرّر أن يأخذ عياله وزوجته إلى أهلها، مادام لا يستطيع أن يدفع عنهم ضراً ولا حرّاً!
الهاربون إلى المطار!
المكالمة الثالثة تلقيتها من أخي فخشيت أن يصلني استدعاء من الشرطة لتسبّبي في إثارة الفتنة والشغب والتجمهر لأكثر من خمسة أشخاص! يقول فيها ان صديقه سمع نصيحتي التي سبق أن طرحتها لمساعدة القراء يوم انقطاع الكهرباء، بالتوجه مع عوائلهم إلى مطار البحرين الدولي، فهناك يجدون الأمن والأمان! قلت له انني كنت أداعب القراء والمواطنين و«أدغدغ» بطن وزارة الكهرباء على خدماتها الجليلة التي تنفع الناس جداً، خصوصاً عندما تنقطع عنهم فيحسّون بقيمتها ومنافعها ودورها في حياتهم اليومية! فأجابني أخي: «عموماً، صديقي أخذ بنصيحتك الذهبية وذهب مع زوجته وبقية عياله إلى المطار»!
اتصلت بشاهد العيان هذا لأسأله عن آخر الأوضاع عند الساعة الثالثة ظهراً فأجابني: «من زمان خرجنا من المطار، بالأحرى طردونا لأننا لسنا من المسافرين ولا المستقبلين، لكن أخذنا حصتنا في الصباح! الساعة (تسع ونصف) ذهبنا مع العيال، بس ياخوك الاسعار غالية، فخرجت لأشتري من احدى البرادات (سليس) وجبن وبارد وماي صحة، وتريّقنا هناك. لكن بعدين ارتفعت درجة الحرارة من كثرة الازدحام، بَعَدْ ماذا نعمل؟! الحين مازلنا ندور بالسيارة نبحث عن ملجأ بعد أن طردونا من المطار»! قال الجملة الأخيرة وهو يكاد يقهقه من الضحك كالطفل البريء!
زميلتنا هنادي منصور، من المحرّق حيث يقع المطار، لجأت هي الأخرى إليه مع عائلتها وأبناء اختها فراراً من الحر، فوجدته غاصّاً بالهاربين أيضاً. تقول هنادي إن المطار «كان مزدحماً جداً، كأنك بين الصفا والمروة، ولأن معنا ابنة أختي الصغيرة لم نتمكن من البقاء لوجود اختناقات». سألتها: «وكم عمر ابنة اختك؟» فقالت: «اسبوعان، وليس عندها مناعة فخشينا عليها من الزحام، فخرجنا بها إلى السيارة نلّف في شوارع المحرق، حتى حان موعد العمل فتركتهم في سيارتهم وجئت إلى العمل»!
زميلنا بوصفوان المحرقي الثاني قطع «إجازته» الرسمية وهبط علينا في «الوسط» مع ابنتيه الصغيرتين زائراً بصحبة مولودته التي لم تتجاوز 12 يوماً في طريقه إلى «جواد»، هرباً من شقته التي تحوّلت إلى قطعة من جهنم الحمراء؟! اما زميلنا المحرقي الثالث محمد العثمان فقد حاول التسلل إلى المطار، ولكنه وصل في الوقت الضائع، إذ أغلقت الابواب في وجوه «المنتجعين»! واضطر إلى الهروب من «دواعيس» المحرق إلى النادي البحري، ليروح عن الصغار، ولكن مضخة الماء لم تكن تعمل، فظل على الساحل مكتفياً بشمّ النسيم!
بانتظار المحاكمة!
الزميل خليل الأسود سألته عن الوضع فقال: «أفكر في أمّي المقعدة في المنزل، وكيف سيكون حالها». فأبي هو الآخر مقعد، وعندما اتصلت بالوالدة مستفسراً عن المروحة التي تعمل بالبطارية قالت: «لقد توقفت يا ولدي، وأمرنا وأمره إلى الله». وهو المصير نفسه الذي من المتوقع ان تواجهه جدة الزميل العثمان أيضاً.
الآن انتظر تسلم «احضارية» من مركز شرطة الخميس، لدعوتي العلنية إلى التجمهر في المطار، وتسببي في تجمعات غير مرخصة لأكثر من خمسة أشخاص! وعموماً لن يفرق الوضع، سواءً كنتَ في السجن أو في المطار أو المجمع التجاري أو شقتك الصغيرة، فكل المناطق والقرى اليوم في البحرين في الكهرباء سواسية كأسنان الحمير
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 718 - الإثنين 23 أغسطس 2004م الموافق 07 رجب 1425هـ