في زاوية من زوايا مجمع السيف التجاري يجد الباحث بصعوبة - تثير حنقه - مكاتب مشروع مركز البحرين للمستثمرين (المحطة الواحدة) الذي أسسته وتديره وزارة التجارة. لكن الشعور بالغضب يتلاشى ما ان تطأ قدما الزائر تلك المكاتب إذ يهب لمساعدتك والإجابة على أسئلتك واستفساراتك جميع من هناك، بدءا من بوكيل الوزارة علي رضي مرورا بـأحد أعمدة الفريق وأحد آباء الفكرة والحريص على نجاحها عبدالله الحامد.
جميلة هي فكرة «المحطة الواحدة» وربما تكون البحرين من أكثر دول مجلس التعاون أهلية لإنجاح مثل هذه الفكرة بفضل الموارد البشرة المحلية التي تمتلكها، وهي أهم عناصر نجاح مثل هذه المشروعات... لكن من الضرورة بمكان الإبتعاد عن روح التباهي والإنصات - بنضج وموضوعية - لأجراس الخطر التي تدقها المخاطر المحدقة، بل وربما المتربصة في طريق مشروع المحطة الواحدة الذي نحن بصدد الحديث عنه. تراودنا هذه الأفكار أو بالأحرى المخاوف من فشل المشروع نظرا إلى تجارب البحرين المعاصرة المريرة في حقول تجارب المحطة الواحدة، ولعل آخرها كانت تجربة مجلس التنمية الذي أسس ونشط ثم أصابه الشلل واستقال الكثير من العناصر الكفوءة فيه بمن فيهم رئيسه التنفيذي جمال الهزيم، من دون ان نعرف حتى الآن، ولم يعرف أحد من اصحاب العلاقة ما الذي دار في كواليس الشلل الذي أصابه والذي لايزال يعاني منه. كل تلك هي طلاسم تحيط بتجربته.
أهداف المشروع وآلية تنفيذه
ويقتضي الحكم على المستقبل الذي ينتظر هذا المشروع الرائد التمعن في الأهداف المتوخاة من وراء تنفيذه. ولقد حددت وزارة التجارة أهدافاً متعددة للمشروع، يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
- توفير المناخ الاستثماري الصحي.
- إعادة هيكلة الإجراءات، ومنح المزيد من الصلاحيات في اتخاذ القرار لممثلي الجهات المشاركة في المركز.
- الربط الالكتروني بين المستثمر والمركز وبين وزارة التجارة وجميع الجهات المعنية.
- الشفافية في عرض المعلومات والأنظمة كافة.
- القضاء على ظاهرة ازدواجية الإجراءات بين الجهات الرسمية.
ألغام على طريق الرؤية
بعيدا عن النوايا الطيبة التي تجول في أذهان المسئولين في وزارة التجارة، وثقتنا فيها، نرى من الواجب علينا ومن باب الحرص على توفير مقومات النجاح كافة لهذا المشروع الرائد أن نلفت النظر إلى المخاطر التالية:
1- إن توفير المناخ الاستثماري الصحي لايقف عند اتخاذ القرار فحسب، إنه يتطلب بالإضافة إلى ذلك مجموعة من المؤسسات والإجراءات التي توفر ذلك المناخ وتضمن استمرارية أدائه وتحميه من أيادي العابثين أو بالأحرى المتضررين من صحيته. ولعل الخطوة الأولى على هذا الطريق هي سن القوانين ووضع الأنظمة التي تحارب بل وتقضي على كل مظاهر المحسوبية وقنوات التجاوز المبنية على الامتيازات التي قد يتمتع بها البعض دون سواه في المجتمع الاستثماري.
2- إن الربط الإلكتروني بين المؤسسات والجهات ذات العلاقة بما فيها الجهات الحكومية يتطلب ان تكون تلك الجهات مهيأة إلكترونيا أولا، وتحمل الفكر والنوايا الطيبة نفسها. وهنا فإن مشروع (المحطة الواحدة) مطالب - إن هو أراد تحقيق النجاح المتوخى - أن يضمن مثل ذلك التهيؤ الفني والسلوك المهني عند سائر المؤسسات الأخرى. ذلك إن أي إخفاق في أية حلقة من تلك الحلقات لن يهدد تلك الجهة او المؤسسة وحدها فحسب بل هي ستكون عامل التدمير للمشروع برمته. وكما يقول المثل فإن أول خطأ يرتكب سيكون هو الأخير في حياة المشروع.
3- إن القضاء على الازدواجية هو من العناصر الأساسية التي تبرر استمرار المشروع أو توقفه. وطالما استمرت معاناة المواطن، وعلى نحو أشد وضوحا المستثمر، من الإزدواجية القاتلة التي تسود الآن الأنظمة التقليدية القائمة، فكيف لنظام إلكتروني متطور يطمح أن يتجاوز تلك البيروقراطية الإدارية ويقلص البطء الفني الذي يسود إجراءات تشجيع الاستثمار المعمول بها حاليا. ولابد للوزارة إن هي أرادت إنجاح المشروع أن تبذل جهودا مضاعفة لاقناع من لهم مصلحة في تلك الإزدواجية أن يكفوا عن الاستمرار في ممارستها.
مثل تلك المخاطر وأخرى غيرها من الطبيعي أن تكون حاضرة في أذهان المسئولين في وزارة التجارة عندما أخذوا زمام المبادرة وشرعوا في التخطيط لها، وهم الآن يتلمسونها في سياق نقل الرؤية من حيز التفكير النظري إلى مستوى التنفيذ العملي.
قنابل موقوتة على طريق التنفيذ
أما فيما يتعلق بآلية العمل في المركز، فإنه سيتم - كما ورد على لسان وزارة التجارة - تشكيل لجنة تنفيذية يمثل فيها جميع الجهات المشاركة في المركز من القطاعين العام والخاص، وستكون مهمة هذه اللجنة متابعة سير العمل وقياس مستوى الأداء الذي سيعتمد على الأهداف المعلنة لكل وزارة أو جهة معنية.
كل ذلك من أجل ايجاد محطة واحدة لإنجاز جميع ما يحتاجه المستثمر من خدمات يتم تقديمها بمستوى عال من الكفاءة والمهنية.
ولنبدأ بالقطاع العام، فنجاح هذا المشروع يتطلب إشراك وتضافر جهود أجهزة الدولة كافة: وزارة العمل مطلوب منها أن تبذل كل ما في وسعها من أجل توفير اليد العاملة البحرينية الماهرة المؤهلة لإدارة وتنفيذ إجراءات المشروع. ونحن نتكلم هنا عن يد عمل ماهرة بوسعها مخاطبة الاستثمارات العالمية ذات المتطلبات العالية في التخطيط والدقيقة في التنفيذ، أما إدارة الجنسية والجوازات والإقامة فعليها ان تنفض عن نفسها أغبرة الإجراءات البيروقراطية التي كانت مرغمة على اتباعها كي تنسجم والتوجهات الأمنية السابقة التي كانت تسيطر على سلوك القطاع العام، وتجهز نفسها للتعامل مع مؤسسات تنظر إلى الوقت ومن ثم سرعة الإنجاز كجزء مهم من أجزاء رأس المال الذي ينبغي المحافظة عليه وصيانته من التبذير أو سوء الاستخدام أو إهدار الوقت.
وفي السياق ذاته يبرز دور وزارة الإعلام الذي سيحتاجه المشروع، فهي إحدى الجهات التي ينبغي أن تتولى دور الترويج له على المستوى الإقليمي والعالمي اولا، ثم خلق الوعي بأهميته والخدمات التي سيقدمها على المستوى المحلي. ذلك أن السوقين الإقليمية والدولية تعرفان أن مثل هذه الخدمات متوافرة في سوق دبي وحدها من دون سائر الأسواق الخليجية الأخرى، أما بالنسبة إلى السوق المحلية فنحن نعرف الهجرة التي باتت تتفشى في صفوف رؤوس الأموال البحرينية الباحثة عن فرص استثمارية أفضل قائمة على خدمات شبيهة بتلك التي نتوقع أن يقدمها مشروع المحطة الواحدة البحريني الذي نتحدث عنه.
ننتقل بعدها إلى دور القطاع الخاص الذي عانى - خلال الثلاثين سنة الماضية - ولايزال من التهميش المبرمج من قبل القطاع العام. إن القطاع الخاص بحاجة - كي يمارس دوره المنشود في هذا المشروع الحيوي - إلى ان يلمس توجها صادقا من القطاع العام يبدي فيه الأول استعداده الحقيقي للتعاون مع الطرف الثاني، يلي ذلك انخراط الطرفين في وضع خطة مدروسة قابلة للتحقيق توزع الأدوار ومن ثم جني الفوائد والأرباح بينهما.
كلمة لابد من إيرادها هنا أن وزارة التجارة وعلى وجه التحديد الفريق البحريني الشاب الذي صارع من أجل أن يرى فكرته تأخذ طريقها للنور يستحق كل الشكر والتشجيع على ما بذله في هذا المجال. ونحن على ثقة أن هذا الفريق لاينتظر من القطاعين العام والخاص - كدليل على التقدير الذي يتوخاه - سوى الانخراط بكل الإمكانات التي نمتلكها كي ننقل المشروع من حيز التنظير إلى مستوى التنفيذ... لكن التنفيذ الناجح الذي يجعل البحرين «المحطة الواحدة» الأفضل الصالحة للاستثمار.
المشروع رائد في حد ذاته وينبغي الدفاع عنه ضد ما من شأنه إضعافه أو إبطاء حركته، ففي غياب مثل ذلك التوجه نكون قد قبرنا المشروع وهو لايزال في المهد
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 718 - الإثنين 23 أغسطس 2004م الموافق 07 رجب 1425هـ