العدد 718 - الإثنين 23 أغسطس 2004م الموافق 07 رجب 1425هـ

نعمة ونقمة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

انقطاع الكهرباء في البحرين ساعات قليلة لابد أنه طرح في ذاكرة كل مقيم ذاك السؤال: كيف كان أجدادنا يعيشون، وما الوسائل التي كانوا يتبعونها للتعايش مع الطقس؟

من الصعب الاجابة عن أسئلة كهذه. ففي أوروبا مثلاً كانت مشكلة الطاقة واحدة من القضايا التي عانت منها شعوب القارة وخاضت الحروب من أجل تأمينها أو السيطرة عليها. فأوروبا عكس المنطقة العربية. الأولى تعاني من البرودة والثانية تعاني من الحرارة. الأولى بحاجة إلى طاقة والثانية بحاجة إلى مياه. والحروب التي اندلعت تاريخياً بين المجموعتين تركزت على المادتين: أوروبا تبحث عن الطاقة للتدفئة، والدول العربية تبحث عن المياه للسيطرة على الجفاف.

الآن وبعد اختراع الكهرباء تساوت إلى حد كبير الحاجات. فالدول العربية بحاجة إلى الكهرباء لاستخدامات معينة وأوروبا بحاجة إلى الطاقة لتبقى الكهرباء تتولد... وإلا أصيب العالم بكارثة اقتصادية تدفعه في أيام قليلة عشرات العقود إلى الوراء.

أسئلة «كيف كان يعيش اجدادنا؟ وكيف يمكن تصور العالم من دون كهرباء؟ وماذا لو نضب النفط في المنطقة العربية؟» هذه الأسئلة لاشك وردت في ذاكرة كل إنسان في اللحظات التي كان يبحث فيها عن بدائل ولم يجدها حتى في «البرادات» الفخمة وفنادق الدرجة الأولى.

والأسئلة نفسها ترد معكوسة في ذاكرة كل إنسان أوروبي أو أميركي. كيف كان يعيش اجدادنا قبل اختراع أديسون الكهرباء؟ وكيف يمكن العيش في حال نجحت الدول العربية في التوحد والاستقلال وفرض السيادة والتحكم بمنابع النفط وتلك الآبار التي تقع نسبه 80 في المئة منها في منطقة يطلق عليها تارة الشرق الأدنى وطوراً الشرق الأوسط «الصغير» أو «الكبير».

هاجس الطاقة الذي تذكرته البحرين لساعات قليلة هو هاجس أوروبا وأميركا الدائم. ماذا لو انقطع النفط؟ ماذا لو اوقفت الدول العربية ضخ النفط؟ ماذا لو اتحدت الدول العربية واجتمعت وقررت وقف تصدير النفط؟

هذه الأسئلة القلقة (وهي غير صحيحة طبعاً) تفسر إلى حد كبير قلق الغرب من العرب... ومن احتمال نهوض الدول العربية واستقرارها وتوحدها السياسي أو قيام اتجاهات تدعو إلى تعزيز أفكار السوق العربية المشتركة والدفاع العربي المشترك وغيرها من أحلام عربية راودت بعض القادة وأحبِطت في مهدها حتى لا يتحول الحلم العربي إلى كابوس للغرب. انقطاع الكهرباء انعش الذاكرة السياسية واعاد اليها بعض تلك الاحلام التي ماتت تحت التراب وغبار الزمن. إلا أن الأسئلة حقيقية فهي تعطي فكرة عن اجوبة غابت عن العقل العربي حين ارتفعت الابنية وازدهرت الحياة وعمت الأضواء. فالضجيج الذي تولد من نعمة الطاقة أنسى العالم العربي نقمة الطاقة وما جلبته إلى المنطقة من جيوش تراقب وتتربص وترصد الاحلام وتفسرها وتحللها حتى اذا شعرت بخطرها وجهت إليها «ضربة استباقية».

ساعات قليلة كانت كافية للاجابة عن أسئلة لماذا لا يُسمح للمنطقة العربية بالنهوض والتوحد؟ وساعات قليلة كانت كافية للرد على اولئك الذين يركضون وراء أوهام «أميركا تغيرت» وأن «الولايات المتحدة تريد الخير والازدهار والديمقراطية والتنمية» لمنطقة تعوم على بحيرات نفط يرى الغرب ان اقتصاده يقوم عليها... بل ان الحضارة المعاصرة لا يمكن ان تستمر على ما هي عليه من دونها.

ساعات قليلة كانت كافية للمذاكرة وتذكر الاجداد والبحث في أسئلة غابت بعد أن بهرتها نعمة الأضواء. فالأضواء أحياناً تبهر البصر وتجعل النظر إلى الأسئلة مجرد استطلاع، وتعطل حب المعرفة وتقلل من الاستعداد للمغامرة وبذل الجهود والتعب من أجل الحصول على اجابات تسعف الإنسان على التكيف في حال نضبت النعمة ونسينا كيف كان اجدادنا يتعايشون مع الطقس وكيف نجحوا في الصمود والسيطرة على قساوة الطبيعة.

إنها ساعات. والساعات في الزمن المعاصر تساوي الأيام في ازمنة مضت. لكن الحقائق تبقى ثابتة مهما تطورت النعمة وأهالت على الماضي التراب.

ومن ثوابت الحياة ان الإنسان يتعرض دائماً للتجربة ولكن العبرة في الاستمرار، وتحديداً استمرار العقل في طرح الأسئلة عن ماض قريب نسيناه ومستقبل لا نعرف الكثير عن صورته

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 718 - الإثنين 23 أغسطس 2004م الموافق 07 رجب 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً