«إننا نبدأ جميعاً الآن رحلة كبرى أخرى. ونحن لا نعرف على وجه اليقين إلى أين تؤدي بنا هذه الرحلة أيضاً، لكنني على يقين مرة أخرى من أن هذه الثورة ستؤثر في حياة أعداد أكبر من الناس، وستأخذنا جميعاً إلى ما هو أبعد. وستتمثل التغيرات الرئيسية القادمة في الطريقة التي يتصل فيها الناس بعضهم ببعض. وستكون الفوائد والمشكلات المترتبة على هذه الثورة الوشيكة في مجال الاتصالات أكبر كثيراً من تلك التي ترتبت على ثورة الكمبيوتر الشخصي» «بيْل غيتسْ».
يبدو أن شركة الهاتف الوطنية عندنا تفكر كما تفكر الدينصورات وتمشي كما تمشي السلاحف، وهما أمران لا يتماشيان أو يتناغمان مع بعضهما بعضاً. فالشركة عندنا متأخرة جداً عن الركب المعلوماتي كثيراً، فهي مازالت تفكر في الكيفية التي يمكن من خلالها إقتناص فلس من هنا أو فلس من هناك، حتى تخرج في النهاية وبدفاترها السنوية محققة هامشاً من الربحية الذي لا يعد من المنجزات التاريخية لأي مؤسسة في أي أمة تعرف قيمة الربح والخسارة وماهيتهما، وهذا الكسب المادي حق مشروع غير إنه لا يحسب حقيقة في انجازات الشركات الوطنية. فكم من شركة ديناصورية الكيان في الشكل والمضمون حققت أرباحاً خيالية غير إنها خسرت كل شيء في لمح البصر ولم يذكرها التاريخ حتى على مستوى الخسارة ناهيك عن الربحية التي تمتعت بها في فترة من الزمن على حساب مكاسب حقيقية.
وكم من منتوج علمي فيه من عناصر الإبداع ما تعجز الكلمات عن وصفه اعتقد أصحابه بأنه باقٍ إلى الأزل ولن يمسه التقادم ويصبح ذا صلاحية منتهية ولكن كم كانت مفاجأتهم عندما أستيقظوا ذات صباح وإذا بذلك الحلم الوردي الجميل أصبح في خانة النسيان، والسبب الرئيسي في هذا السقوط المريب هو إهمال عنصر الربح الإنساني في الموضوع برمته.
في الولايات المتحدة الاميركية، إذ ولدت «الانترنت»، هذه الأداة الأكثر من رائعة والتي هي أداة من أدوات الطريق المعلوماتي السريع والمتشعب وإذ شبت وترعرعت وإذ كنت هناك أنعم بحبوها في مكتبات الجامعات والكليات، هي الآن وقد وصلت إلى مرحلة الطفولة من عمرها الطويل القادم قد أضحت شبه مجانية، بل مجانية في كثير من المناطق.
ويكمن سر وصولها إلى المستخدم أو المستفيد برسوم تبدو مجانية أو حقيقة مجانية هو أساساً رغبة هذا المزود في مساعدة المجتمع على الصعود والجلوس على مقاعد قطار عالم المعلومات والتخفيف عن كواهلهم رسوم هذا الصعود إذ يقوم هذا المزود بالخدمة باستئجار خط «بندويث» بقيمة ما يعادل سبعة آلاف دينار بحريني، (أو عشرين ألف دولار أميركي)، ومن خلال هذا الخط يزود الخدمة للزبائن الذين يريدونها بمبلغ زهيد أو مجاني، ويستخرج قيمة كل المصاريف التي يتحملها من أجل توفير الخدمة أو تلك المصاريف التي لم يستطع تغطيتها عن طريق رسوم المشتركين الزهيدة عن طريق تقديم خدمات أخرى جانبية تسد العجز إن وجد، أو تحقق هامشاً من الربحية يوفر مساحة للتوسع في المستقبل.
وبما أن الانترنت أدة تفيد الجميع ويحتاجها الجميع، فشركتنا أمد الله في عمرها وأكسبها مزيداً من الربح المادي الذي تطمح إليه (غير إننا نود أن تكون لها مكاسب أخرى أكثر أهمية في مجرى التاريخ) من أجل تحسين خدماتها وإرضاء المساهمين حتى يجنوا هم والآخرون أيضاً بعض المكاسب من الأسهم التي يتداولونها في البورصة تستطيع أن تقدمها مجاناً للجميع على هذه الأرض الصغيرة جغرافياً عن طرق عدة.
فهي تستطيع أن تحصر وزارات الدولة جميعها وترصد احتياجاتها المعلوماتية من كل النواحي حتى تلك المتعلقة بالاتصال الهاتفي والفاكس (هذه أدوات في نظر بعض الخبراء في طريقها إلى النهاية الحتمية للأشياء بصورتها الحالية) وهذه الوزارات هي الآن بالطبع تستأجر بدالات هواتف وخطوط من شركتنا وتقدم للوزارات خدمات أخرى. تستطيع شركتنا أيضاً حصر الشركات الكبرى والبنوك الوطنية قبل الاجنبية وترصد جميع احتياجاتها المستقبلية والحالية. كما تستطيع شركتنا أيضاً حصر جميع المؤسسات والجمعيات الكبرى التعاونية وتحصر احتياجاتها المستقبلية. في نهاية هذا الحصر والرصد سوف تتضح الصورة لشركتنا الوطنية، ستتضح لها صورة الربح والخسارة في شأن تقديم الإنترنت مجاناً للجميع من دون تمييز.
أذكر بأني قبل الشروع في كتابة هذه العجالة توجهت إلى شركتنا الوطنية طالباً معلومات ذات صلة وثيقة بالإنترنت، وكانت حجتي أن أحصل على المعلومات من جهتها المباشرة منعاً لحدوث الإلتباس، غير إني لم أحصل على شيء ذلك كون جل هذه الأمور تقع في خانة السرية التامة! ثم وبمعرفتي بوجود هذه المعلومات ومباحة للجميع عند جهات أخرى لاترى في هذه المعلومات شيئاً يستحق السرية وهي جهات أجنبية مهمتها الرصد الدقيق لمجال الاتصالات ومجالات أخرى حول العالم حصلت على ضالتي.
معلومات أخرى ذات أهمية للموضوع حصلت عليها من مؤسسة حكومية تنشرها على الإنترنت جنباً إلى جنب مع معلومات عن «جلالة الملك» تلك المعلومات تتعلق بالبحرين منها أن سكان البحرين بلغ تعداده (احصاءات 2002) ستمئة واثنين وسبعين ألفا ومئة، منهم أربعمئة وسبعة عشر ألفا وتسعمئة بحريني منهم ما يقارب من مئتين واحد عشر ألفا من الذكور ومئتين وسبعة آلاف من الإناث. يبلغ حجم القوى العاملة في البحرين ثلاثمئة وعشرين ألفاً منهم مئة وواحد وثلاثون ألفا من البحرينيين إلى جانب ذلك من المعلومات ما يقول إن هناك ثلاثة وثلاثين مركزاً صحياً ومستشفى يتردد عليها أربعمئة ألف شخص فيها ما يقارب ألف ومئتي طبيب وفي البحرين مايقارب من مئة واربعين روضة يزيد عدد طلابها على الاثني عشر ألف طالب وتوظف مايقارب سبعمئة واثنين وستين مدرساً وفي المدارس ما يزيد على مئة وخمسون ألف طالب وتوظف ما يقارب عشرة آلاف مدرس ويبلغ عدد الطلبة الجامعيين عشرين ألف طالب، وهناك مايقارب من ثمانين ألفاً يزورون المتحف والمواقع الاثرية ويتردد على المكتبات العامة مئتا ألف شخص.
وفي البحرين ما يقارب من مئة وثمانين ألف خط هاتفي، وأربعمئة ألف خط هاتف نقال (العام 2001). في البحرين ثلاثة وعشرون مصرفاً تجارياً واثنان متخصصان - وواحد وخمسون مصرفاً خارجياً (أوفشور) وواحد وثلاثون مصرفاً تمويلياً وستة وثلاثون مصرفاً استثمارياً، وسبع عشرة وحدة صرافة وأربع في مجال السمسرة وأربع عشرة في مجال خدمات الاستثمار والمال (2000). وهناك تسع عشرة وزارة، ست عشرة مؤسسة حكومية، خمس محافظات، اثنتان وثلاثون سفارة عربية وأجنبية والكثير من الجمعيات الاهلية. جل هؤلاء لا يوظفون الانترنت. لنتخيل فقط لو أن جميع هذا البشر والمؤسسات تمكنت من الاتصال ببعضها بعضاً وعلى مدى أربع وعشرين ساعة وإنهاء الخدمات التي يودون الحصول عليها ومن دون ضياع دقيقة واحدة من وقتهم ومن دون إحداث أزمات وتلويث في الطرق والوزرات والمستشفيات والسفارات من اجل طلب استمارة أو تقديم معلومات.
هناك شركات كثيرة حول العالم توفر الخدمات الانترنتية مجاناً، وبإمكان شركتنا الوطنية أن تدرس الطريق التي بموجبها قدمت هذه الشركات خدماتها مجانا والاستفادة منها نذكر مثلا أن شركة «غولدن لوجك» تعلن عن توفير خدماتها الانترنتية مجاناً معتمدة اعتماداً كلياً على الاعلانات لا الرسوم المستحصلة من المشتركين. شركة أخرى هي: «تشيب أدز» توفر الانترنت بالمجان لمن يريد وبسرعة فائقة. وشركة www.gonuts4free.co.uk
وهذه الشركة أيضا موجودة في إسبانيا إلى جانب بريطانيا. و«نت زيرو» تقدم خدمات الإنترنت مجاناً ومن دون مقابل. وهنا إشارة إلى بعض البلاد التي توفر الخدمة مجاناً:
في «بلجيكا» ست شركات، شركتان في الدنمارك، وفي فنلندا واحدة، وفي فرنسا ثماني شركات، وفي كل من المانيا وايرلندا والبرتغال والسويد، ثلاث شركات، بينما في هولندا عشر شركات، وفي إيطاليا أربع، واثنتان في إسبانيا وفي سويسرا أربع، في بريطانيا 29 شركة، في كندا واحدة، وفي أميركا سبع، وفي اليابان ست شركات، في الارجنتين ثلاث، وفي كثير من الشركات والمواقع يمنح المشترك عنواناً بريدياً مع ضمان السرية التامة.
هنا بعض المواقع ذا الصلة:
www.emailaddresses.com هذا الموقع يعطيك معلومات عامة عن الخدمات المجانية في كل بلد على حدة. وفي مصر هناك ست شركات تقدم الانترنت www.commnet.com.eg منها هذا الموقع يقدم الخدمة مجانا فقط للقاطنين في مصر.
www.gloryegypt.net هذا موقع آخر في مصر يقدم الخدمة مجاناً. www.yalla.com وهذا أيضا. وهناك شركات أخرى.
هناك أربعة عشر مليون موقع له علاقة بالمفردة «مجانا»، وفي محرك بحث واحد ولست مستعدا أن أتصفحها جميعا غير إني أود هنا أقدم بعض حلاوة مذاق هذه المواقع إن أنت قمت بتصفحها. وهناك مناطق كثيرة من العالم توفر خدمات الانترنت مجانا وهي أقل ثراء منا مادة وإنساناً.
وزارة التربية والإنترنت
أن كل موظف في وزارات الدولة يستطيع أن يحصل على الانترنت مجاناً إذا ما تم الاتفاق بين شركتنا الوطنية والوزارات على شراء خدمة الإنترنت من الشركة بمبلغ يتفق بشأنه يستطيع الموظف الاتصال بالإنترنت وعلى مدى أربع وعشرين ساعة يومياً، ومثالا على ذلك لو أن وزارة التربية اشترت من شركتنا حزمة كاملة من خدمات الاتصال «بكج» لمتطلبات الوزارة يحق من خلال هذه الحزمة لموظف الوزارة أن يحصل على الإنترنت في منزله مجاناً إذا ما توفر لديه خط هاتفي و«مودم» وبقية متطلبات الاتصال بالانترنت، ويستطيع أيضاً كل طالب أن يحصل على الانترت في منزله مجاناً وتقوم وزارة التربية مثلاً بإستئجار موقع لها وبحجم يناسبها من الشركة تضع عليه جميع كتب المراحل الدراسية، ما يوفر لها طباعتها كل عام ويوفر على الطالب البحث عنها إذا ما هي فقدت. كما تستطيع الوزارة أن تضع نماذج عديدة من الامتحانات وأجوبتها كأمثلة، وأن تضع جميع استماراتها ووسائلها التعليمية وتستطيع كل مدرسة أن تضع لها موقعا خاصا بها تعرف فيه المدرسة ونشاطاتها ومعلومات عن الطلبة المتفوقين بها وعن اساتذتها ومشروعاتهم وبحوثهم التربوية كما تستطيع أن تضع جميع مصادر تعلمها على الشبكة ليستفيد منها كل طالب ليس فقط في البحرين بل كل طالب عربي إن احتاج ذلك.
وينسحب هذا الأمر على جميع الوزارات؛ فمثلا: وزارة الصحة، يستطيع كل طبيب يحصل على خدمة الانترنت مجانا في منزله ويستطيع كل مواطن أن يتصل بطبيبه أو طبيبته ويستفسر عما يريد إذا ما طرأ طارئ. وكذلك الأمر لكل رجل جيش أو شرطة أو جمارك أو موظف هجرة أو بلدية، أي كل إنسان له علاقة بالدولة يستطيع أن يحصل على الخدمة مجانا. وإضافة إلى ذلك تستطيع الشركة (وفقها الله) أن تقدم من خلال هذه البرنامج الطموح مساعدة ليس لمثلها مساعدة، فهي ستنشط سوق الكمبيوتر وسوق الملحقات الكمبيوترية والورقية، وستحفز الشركات كل في مجال تخصصه أن يستأجر مساحة لكي يضع عليها صفحته الخاصة بشركته. وتنشط حركة السوق الالكترونية كما تستطيع الشركة (وفقها الله) أن تقدم خدمات الدعاية والاعلان لترسل إعلانات لا حصر لها إلى جميع من له اتصال بالانترنت.
كما أن جميع الشركات الكبيرة مثل شركات النفط والاتصال والطيران والمقاولات والمصارف وغيرها... تستطيع أن تدفع رسماً شهرياً ليغطي مصاريف اشتراك جميع موظفيها وتحصل في مقابل ذلك على خدمات إضافية من شركتنا. كما سيكون جميع أعضاء البرلمان على اتصال دائم بمنتخبيهم والطلبة بمدرسيهم والمرضى بأطبائهم والازواج بزوجاتهم والآباء بأبنائهم .
صحيح أن مردود هذا العمل الطموح المادي لن يأتي في يوم وليلة، لكن مردوده على مستوى السنوات المقبلة سيكون مذهلا جدا. سيقلل من الاختناقات المرورية وستسعد شركات التأمين من ذلك، وسيسعد شرطة المرور من ذلك، كما أن الجهات التي تقدم الخدمات هي أيضا ستسعد من ذلك إذ يتوقع أن يخف الضغط عليها وتستطيع إنجاز مهماتها بسرعة وكفاءة عالية.
في الختام نقول لشركتنا الوطنية أن كثيراً من الشركات ذهبت في طي النسيان لكونها لم ترصد ما يجري من حولها من متغيرات وذلك في عصر كانت التغيرات تسير ببطء شديد، أي كما تمشي السلحفاة مشي الهوينا، غير إننا نعيش الآن في عصر سريع جدا ومتشعب جدا وحر جدا، تحدث فيه التغيرات بلمح البصر وعلى درجة عالية من المباغتة. وقد تنبه صاحب أكبر شركة في العالم وأغنى رجل في العالم الذي بدأنا مقالتنا بمقولة من أقواله: «إن منطق التاريخ يجعلني أخمن أن ميكروسوفت ستبتعد عن موقع الصدارة في حقبة طريق المعلومات السريع، بيد أنني أريد أن أتحدى ذلك التقليد التاريخي. إن هناك موضعاً ما في أفق المستقبل يمثل العتبة الفاصلة بين حقبة الكمبيوتر الشخصي وحقبة طريق المعلومات السريع. وأنا أريد أن أكون من بين أوائل من يعبرون تلك العتبة عندما تحين اللحظة».
نلاحظ هنا أن «غيتس» لم يذكر إطلاقاً المكاسب المادية. ويذكر بعد ذلك: «وإنني لأتصور أن ميل الشركات الناجحة إلى الإخفاق في التجديد والابتكار هو على وجه التحديد مجرد ميل. فلو أن اهتمامك كله مركز في عملك التجاري، فسيكون من الصعب أن تتغير وأن تركز على التجديد».
والسؤال المهم: هل تريد شركتنا الوطنية أن تتحدى ذلك «التقليد التاريخي» وأن تستنهض جميع إمكاناتها وأن تبقى ليس فقط في مركز الصدارة بالنسبة للربح المادي بل في مركز الصدارة في الإبداع والتجديد والابتكار وفي توظيف الأفكار المستقبلية؟
ختاماً أترككم مع مقولة لرجل يملك «أفضل وظيفة في العالم» «غيتس» إذ يقول فيها:
«إنني اعتقد أنه أمر رائع أن يعيش المرء في زمننا هذا. فلم يتوافر في أي وقت هذا الكم الهائل من الفرص لفعل أشياء كانت مستحيلة التحقيق من قبل. كما أنه الوقت الأفضل على الإطلاق لبدء شركات جديدة، والتعجيل بتقدم العلوم التي تحسّن نوعية الحياة (كالطب على سبيل المثال)، والبقاء على اتصال مع الأصدقاء والأقارب. ومن الاهمية بمكان أن تجرى مناقشة الجوانب الطيبة والجوانب السيئة لمنجزات التقدم التكنولوجي، على أوسع نطاق، بحيث يمكن للمجتمع ككل وليس للتكنولوجيين وحدهم أن يوجه حركتها»
العدد 717 - الأحد 22 أغسطس 2004م الموافق 06 رجب 1425هـ