رامي المصري يحمل الجنسية الألمانية ومتزوج من سيدة ألمانية، وابنهما مارسيل يبلغ ثمانية أعوام. المشكلة أن رامي البالغ 33 عاماً من العمر مولود بمدينة نابلس. على رغم أنه يقيم منذ سنوات طويلة في ألمانيا والأمر نفسه ينطبق على شقيقه، إلا أن السلطات الإسرائيلية تعتبرهما فلسطينيين وليس ألماناً. ويسافر رامي مرة كل عام إلى فلسطين لزيارة الأهل والأصدقاء بمدينة نابلس.
وقد تخلى في السنوات الأخيرة عن اصطحاب زوجته وابنه معه ليوفر عليهما مشاق السفر عبر طرق ملتوية تستخدمها «إسرائيل» بقصد تعريض الفلسطينيين للاضطهاد والإهانة. وتشير الإحصاءات إلى أن 60 ألف فلسطيني يقيمون كمواطنين ألمان في ألمانيا، بينهم 4500 طبيب. أحد أشقاء رامي يعمل في القوات المسلحة الألمانية، وأحد أقربائه عضو في برلمان ولاية بافاريا، أما رامي فإنه يملك مع شقيقيه رياض ورفيق معرضاً لبيع السيارات بمدينة نورنبيرغ جنوب ألمانيا. وحين حصل رامي على الجنسية الألمانية خيل إليه أنه سيصبح من السهل عليه السفر إلى نابلس وسيتخلص من اضطهاد وإهانات الإسرائيليين، لكنه كان مخطئاً في ظنه. ذلك أن ضمانات القانون الألماني وحماية المواطنين الألمان مهما تكن أصولهم تنتهي عند الوصول إلى مطار بن غوريون في تل أبيب.
أولاد حيدر عبدالشافي
وقبل سفرته الأخيرة اتصل رامي من نورنبيرغ بالقيادة العسكرية الإسرائيلية على حاجز الحوارة على أعتاب مدينة نابلس مستفسرا عن السماح له مع شقيقه رياض بعد أيام الذهاب إلى «تل أبيب» وعبور الحاجز إلى نابلس مشيرا إلى أنهما يحملان الجنسية الألمانية. كانت الإجابة أنه ليس ما يمنع عبورهما الحاجز، لكن المتحدث العسكري الإسرائيلي كان يكذب.
وحتى العام الماضي كان رامي يستخدم هذا الطريق لكن الأوامر العسكرية الإسرائيلية تتغير باختلاف حال الطقس. فبمجرد وصوله إلى «إسرائيل» يخسر رامي وكل فلسطيني يحمل الجنسية الألمانية حقوقه كمواطن ألماني وينطبق عليه ما ينطبق على الفلسطينيين تحت الاحتلال. وهكذا منعه جنود الحاجز من مواصلة سيره إلى نابلس وأمروه مع شقيقه بمغادرة البلاد والعودة للدخول بالطريقة التي يدخل بها الفلسطينيون من الضفة الغربية عبر جسر اللنبي في الأردن.
يذكر أن الفلسطينيين المقيمين في غزة يسمح لهم بالدخول والمغادرة فقط عبر الحدود مع مصر في رفح. وكانت نقطة حدود رفح قد أغلقت مدة ثلاثة أسابيع، وهي الفترة التي تدفقت فيها أعداد المسافرين والمغادرين بسبب إجازة الصيف. وبرّر الإسرائيليون سبب إغلاق نقطة رفح بأنه وردهم تهديد من دون أن يقدموا الدليل على صحة هذا التهديد.
مكتب التمثيل الدبلوماسي الألماني في المناطق الفلسطينية على علم بهذه الممارسات التي يتعرض لها ألمان من أصل فلسطيني على أيدي جنود الاحتلال، ولا يستثنى أحد من ممارسات الاضطهاد والإهانة. وأبلغ موظف في الممثلية صحيفة «فرانكفورتر ألجماينه» قوله: «هناك عائلات فلسطينية معروفة لديها صلات سياسية جيدة لكنها تتعرض بصورة دائمة للاضطهاد على نقاط العبور الإسرائيلية. على سبيل المثال ولدي حيدر عبد الشافي كبير المفاوضين الفلسطينيين السابق وكلاهما متزوجان من ألمانيات وينشطان في العمل السياسي ما يدفع بهما إلى السفر باستمرار إلى الخارج. لكنهما يحصلان على إذن بالسفر من مطار بن غوريون إذا تدخل وزير أو عضو في الكنيست أو أحيانا جهات دبلوماسية ألمانية».
لكن ليس كل الفلسطينيين الحاصلين على الجنسية الألمانية يتمتعون بهذا الامتياز. وأبلغ رامي الصحيفة أن الإسرائيليين يعرفون من خلال التحقيقات التي تمت معه ومع شقيقه أنهما يرفضان العنف وليس لهما صلة بالعنف.
حتى كينكل لم ينفع!
قضية رامي المصري ليست جديدة. فقد سبق وأن بعث رسالة إلى وزارة الخارجية الألمانية حين كان كلاوس كينكل يشغل منصب وزير الخارجية. وسعى كينكل الذي يملك صلات جيدة مع الإسرائيليين ليس فقط لأن ابنته متزوجة من إسرائيلي وابنة أخرى ماتت في حادث سيارة في «إسرائيل»، بل من خلال عمله مع الموساد حين كان رئيسا للاستخبارات الألمانية، للتدخل لتخفيف العبء عن رامي وسائر الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الألمانية، لكن «إسرائيل» أدارت ظهرها لطلبه.
في إحدى المرات طلب الإسرائيليون من رامي وزوجته وابنهما مارسيل الذي كان يبلغ عاماً واحداً من العمر، مغادرة طائرة «العال» قبل إقلاعها بوقت قصير متجهة إلى ألمانيا وتركوا الأسرة وحيدة في الشارع بعد منتصف الليل.
في عيون الإسرائيليين تنطبق تهمة الإرهاب على جميع الفلسطينيين، وهذا ينطبق أيضاً على ثلث عدد سكان المناطق الفلسطينية الذين يحملون جوازات سفر أجنبية. وتحاول «إسرائيل» تبرير أسلوبها الهش بالإشارة إلى قيام اثنين من الفلسطينيين الذين يحملون جوازات سفر بريطانية بعملية انتحارية في تل أبيب. وقال موظف بمكتب التمثيل الألماني: «إننا نتفهم حاجة إسرائيل إلى الأمن، لكن منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان تنتقد الممارسات الإسرائيلية وتعتبرها خرقاً فاضحاً لحقوق الإنسان وللمواثيق الدولية».
حتى فيشر لم ينفع!
وتقول برلين أن وزير الخارجية الألماني يوشكا فيشر الذي يعتبره رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون (أفضل أصدقاء «إسرائيل» في ألمانيا)، حاول التدخل لصالح الفلسطينيين الذين يحملون جوازات سفر ألمانية. لكن المسئولة العسكرية الإسرائيلية في نابلس مضطرة للعمل بما تمليه عليها الأوامر.
وهكذا رفضت طلبين متتاليين لرامي المصري وشقيقه بالعودة إلى ألمانيا عن طريق مطار بن غوريون. وأشارت إلى أن هناك فرصة ضعيفة إذا تدخلت جهات ألمانية لصالح رامي وشقيقه. وقبل سنوات لم يرغب رامي بالحصول على جواز فلسطيني لكن السلطات الإسرائيلية أجبرته على الحصول عليه. وكي يخفّف رامي المصاعب عن ولده مارسيل ويسهل سفره لزيارة جديه في نابلس أصدر له جواز سفر فلسطينياً، لكن المعاملة على نقاط العبور لم تتغير. وأبلغ رامي صحيفة «فرانكفورتر ألجماينه» قائلاً: «أمام نقاط العبور لا نشعر بوجود ديمقراطية في إسرائيل».
في الأسبوع الماضي قرر رامي وشقيقه العودة إلى ألمانيا بعد أن شرعا قبل أسبوع على موعد السفر بمعاملات المغادرة عبر مطار بن غوريون ومعاملات أخرى عبر الأردن. لكن لأنهما دخلا البلاد عبر مطار عمّان ثم جسر اللنبي فقدت تذاكر السفر صلاحيتها. إضافة إلى أن الإسرائيليين طلبوا منه تقديم دليل على حصوله على دعوة لزيارة الأردن. اتصل رامي بعدد من الصحف الإسرائيلية وشرح قصته وفي نهاية المطاف جلس نصف نهار تحت الشمس الحارقة حتى تعطف عليه ضابط إسرائيلي درزي وأبلغه أنه سيحصل على إذن بالمغادرة عبر مطار بن غوريون، لكن تم تحويل معاملته من نابلس إلى المقر الرئيسي للإدارة العسكرية المدنية. وفي نهاية اليوم حصل رامي وشقيقه على إذن المغادرة وقاما على الفور بحزم حقائبهما وتوجها إلى «تل أبيب».
لكن عند نقطة العبور تم إيقافهما وصوب الجنود أسلحتهم عليهما، فقالا: «نحن ألمانيان في طريقنا إلى ألمانيا عبر مطار بن غوريون». بعد ثلاث ساعات جرى اتصال بين الضابط الدرزي ونقطة الحدود سمح على إثرها لرامي وشقيقه بمتابعة السفر. وخضعا في مطار بن غوريون لتحقيقات وتفتيش دقيق، ولم يخبرهما أحد أن طائرة «العال» التي حجزا مقعدين على متنها، كانت قد أقلعت تاركة رامي وشقيقه يواجهان مشاق جديدة
العدد 717 - الأحد 22 أغسطس 2004م الموافق 06 رجب 1425هـ