أحد القراء بعث رسالة يسأل عن مقصدي عندما قارنت بين مدينة النجف الأشرف وما يجري لشبابها وما يجري لشابين أميركيين أسسا شركة انترنت وحصلا على عوائد تفوق ما تحصل عليه دول شرق أوسطية برمتها، وتساءلت في النهاية فيما إذا كان السبب في دمارنا نحن أم الآخرون.
ما كنت أقصده هو أن السبب في التخلف أو الدمار لا يعود لعوامل خارجية فقط، وإنما تلعب العوامل الداخلية دوراً رئيسياً في كل ذلك. وهذا الحديث ليس لي وإنما هو قديم، فالرسول (ص) يقول: «كيفما تكونوا يولّ عليكم»، ورئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرتشل يقول: «كل أمة تحصل على الحكومة التي تستحقها»، والمفكر الاسلامي الجزائري مالك بن نبي تحدث كثيراً عن «القابلية للاستعمار»، وقال إن المستعمر لا يستطيع أن يستعمر أية أمة إلا إذا كانت هناك قابلية لدى تلك الأمة للاستعمار.
وتتمثل هذه المقولات في العراق وفي غير العراق، فنحن نتاج لما نفكر فيه أساساً، ونحصل على ما تدفعنا إليه الثقافة التي نقبل بها، قانعين أو خانعين. والبلاد العربية ابتليت بحكام لا يعرفون إلا القسوة والظلم نهجاً لحكمهم، والعراق ابتلي بثقافة مكّنت الرئيس السابق صدام حسين من أن يقوم بما قام به. ونحن الآن نعاني أيضاً من ضياع ناتج عن الضياع الذي كنا نعيشه وهو الذي سهل لاحتلال العراق ومن ثم تطورت الحوادث إلى ما آلت إليه أخيراً.
ولذلك فإن المفهوم الأساسي الذي وددت الإشارة إليه هو أن ما يحدث لنا، والأشخاص الذين يتصدرون الحوادث، كل ذلك نتيجة لعوامل مشتركة بعضها بسببنا وبعضها بسبب غيرنا، وعلى هذا الأساس فـ «إن اللّه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» (الرعد:11). فالتغيير الخارجي وما يحدث لنا إنما هو نتاج لمحتوى داخلي.
العراق بلد حضاري يمتلك كل الخيرات الطبيعية والبشرية، وهو أكثر بلد له من الحظ الكثير فيما لو كانت لديه حكومة عادلة، وإنه لمن المؤسف أن يتحول إلى بلد مجاعة على يد الطاغية صدام، ومن ثم إلى بلد أشباح وقتل ودمار بعده، ويتحول شباب العراق إلى وقود للحروب المتتالية، طوال الثمانينات مع إيران، وطوال التسعينات مع أميركا وبريطانيا (بعد غزوه للكويت)، ومنذ العام الماضي تحول هو نفسه إلى ساحة حرب تظهر فيها حركات وأسماء ونزعات لا يمكن لمن تابع الشأن العراقي تصور حدوثها.
الحيرة إذاً لم تكن في معرفة السبب لما حدث، وإنما في الفاجعة التي تحدث باستمرار في أرض الرافدين، والتي لا تنفرد بحالها عن بقية البلدان العربية، وإنما وضعها يمثل الأنموذج الأبشع لثقافات سياسية انتشرت في منطقتنا وكأننا تحولنا إلى مركز جذب لكل ما هو دمار وتدمير لطاقاتنا البشرية والطبيعية.
نعم، كيفما نكن يولَّ علينا، وكل امة تستحق الحكومة التي تحكمها... ولذلك فإن ما يحدث سيحدث وسيتكرر كما تكرر أمامنا طوال العقود الماضية ما لم نتحرك لطرح ثقافة أخرى، ثقافة تقدس الحياة الكريمة التي أكرمنا اللّه بها، بدلاً من تقديس الموت والسعي إليه ومن ثم القبول بحياة أسوأ من حياة الأموات.
إن العراق يستحق مستقبلاً أفضل ومنطقتنا تستحق مستقبلاً أفضل، ولربما إن العقلاء ومن بيدهم السلطة والنفوذ يتحملون العبء الأكبر بدلاً عن المستضعفين الذين لا حول لهم ولا قوة، وهؤلاء المستضعفون سيلجأون الى أي شيء وسيلبون أية دعوة عندما ينسحب الآخرون الذين بإمكانهم تقديم البديل الأفضل... وهذا أمر ينسحب على كل مكان، وليس في العراق فحسب
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 717 - الأحد 22 أغسطس 2004م الموافق 06 رجب 1425هـ