أثناء تغطيتها ندوة عن «الغياب المرضي»، نظّمتها رابطة الصحة المهنية بجمعية الأطباء البحرينية الخميس الماضي، استغلت إحدى الزميلات لقاء الوزير لسؤاله عن مصير وحدة علاج مرضى السكلر التي طال انتظارها، فأجاب باستياء: «سكلر سكلر سكلر، ابحثوا عن مواضيع جديدة تهم الناس»!
الوزير الذي رفض الحديث عن مصير مناقصة إنشاء الوحدة أو الجدول الزمني للشروع فيها، اعترف في البرلمان قبل أسبوع بوجود 16 ألف مريض بالسكلر، و60 ألف حامل للمرض، فهؤلاء ليسوا من الناس، وموضوع إنشاء وحدة خاصة لعلاجهم ليس مهما.
الوزير اعترف في حديثه للنواب وللصحافة أيضا، أن مرضى السكلر يمثلون 10 في المئة من سكان البحرين، أي 100 ألف مواطن بحريني من لحمٍ ودم، ثلثهم يتعرض لنوبات ألم حادة، يدخل على إثرها إلى المستشفى، حيث ينتظرون ساعات. المحظوظ منهم من يحصل على سرير، ومنهم من يعود إلى منزله بالأدوية المخدّرة للألم، ومنهم من يقضي نحبه بسبب محدودية الإمكانيات، والتأخير في إنشاء الوحدة، وأمور أخرى يعرفها الوزير الكريم أكثر منا.
لا أدري كيف يمكن أن تنقل للمسئولين مشاعر هؤلاء الشباب المهدَّدين بالموت في أية نوبة مرض حادة، ففي الأعوام الماضية سلّطت الصحافة الأضواء على هذه الحالات الإنسانية المحزنة، وسجّل العام الماضي (2008) وحده 23 حالة وفاة بالسكلر، وتم التحقيق في 6 حالات منها فقط. وفي العام الجديد، سجّلنا حتى الآن 6 حالات وفاة، وهي نسبةٌ عاليةٌ جدا، من شأنها أن ترفع العدد الكلي لهذا العام إلى 36 وفاة لا سمح الله. ولكم أن تتخيّلوا العذاب النفسي الذي تسبّبه للمرضى قراءة أخبار موت رفاقهم وأغلبيتهم في عمر الزهور.
بين فترةٍ وأخرى نقرأ ما يكتب هؤلاء في صفحات القراء، وما يبثونه في رسائل استغاثتهم من شجون. فأحدهم كتب قبل أيام وهو يرثي آخر الضحايا: «يعز علينا أن نهيل التراب على ضحيةٍ جديدةٍ لم تسعفها الجهود الحثيثة من قبل الطاقم التمريضي في جناح 63، وأن نحصي ضحايانا الواحد تلو الآخر».
أحيانا يستوقفنا بعضهم في الشارع، أو نتلقى منهم اتصالات ودعوات للكتابة عن معاناتهم، ونشعر بالخجل من أنفسنا لتواطئنا عليهم بالسكوت والإهمال. ونشعر بالعار يجلّلنا لتقصيرنا عن مدّ يد المساعدة إليهم، ولتقصير الوزارة المختصة تجاههم... فـ 100 ألف مريض أو حامل للسكلر، يتولى علاجهم 7 استشاريين فقط (أي استشاري لكل 14 ألف تقريبا)، و77 في المئة من المرضى يعالجهم أطباء غير متخصصين بحسب الأرقام الرسمية المتداولة تحت قبة البرلمان.
إن 10 في المئة نسبةٌ كارثيةٌ تستدعي إعلان حالة الطوارئ في الوزارة، وأن يقاتل الوزير الكريم بأسنانه من أجل رفع موازنتها، واعتماد المبلغ المطلوب لإنشاء الوحدة الموعودة منذ أعوام. وأن يُبقي الصحافة على تماسٍ دائمٍ لمعرفة تطورات هذا الملف ليبعث بالتطمينات للمرضى وأسرهم، لا أن يطالب بمواضيع جديدة تهم الناس، وكأن هؤلاء ليسوا من الناس، وكأن هذا الموضوع لا يعني غير مجلس إدارة جمعية السكلر!
السكلر موضوع وطني يمس عشرات الآلاف، ويستدعي وضع خطة وطنية عامة لمواجهته، و«الأمور ليست طيبة» كما تقولون
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2375 - السبت 07 مارس 2009م الموافق 10 ربيع الاول 1430هـ