العدد 2375 - السبت 07 مارس 2009م الموافق 10 ربيع الاول 1430هـ

من شروط المشاريع الإصلاحية

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

هناك سوء فهم من قبل سلطات الدولة العربية من جهة ومن قبل قوى مجتمعاتها من جهة أخرى بشأن ما تعنيه عملية الإصلاح أو المشاريع الإصلاحية التي تطرح بين الحين والآخر. ذلك أن الإصلاح هو آلية لغايات وبالتالي فهو ليس بنشاط نهائي ما بعده شيء آخر.

الإصلاح يجب أن ينظر إليه على أنه مجموعة من النشاطات لتهيئة المجتمعات للانتقال إلى تحوّلات وتغييرات كبرى يؤمل الوصول إليها في نهاية مسيرة الإصلاح.

أي أن الإصلاح هو سيرورة متنامية ومتراكمة ومتشعبة ومتغيرة هدفها تعديل وإصلاح النواقص والمحددات والأخطاء في المجتمعات من أجل إعداد تلك المجتمعات للتقبل وللانتقال بصورة هادئة وسلمية إلى تحولات جذرية كبرى في مستقبلها المنظور.

من هنا فإن فترة الإصلاح يجب أن تكون فترة أخذ وعطاء، فترة مساومات وحلول وسطٍ، وخطوات متدرّجة وعمل بنَفَس طويل وأخذ بعين الاعتبار للتوازنات التي توجد قبل عملية الإصلاح. كل شيء، إبان هذه الفترة، يمكن المساومة عليه إلا التراجع في خطوات الإصلاح أو عدم اتساع مجالاتها التدريجي، ولكن المتقدم إلى الأمام بصورة دائمة.

في المجتمعات العربية التي عاشت قرونا طويلة حياة الاستبداد والتسلط يتم التحول إلى المجتمع الديمقراطي كأهم هدف للمشاريع الإصلاحية. بل إن الديمقراطية قد أصبحت هدفا رئيسيا متفقا عليه لكل المشاريع الإصلاحية المطروحة في كل البلاد العربية من دون استثناء. والسؤال الجوهري هو: ما هي النشاطات المفصلية التي يجب أن تكون من مكونات المشاريع الإصلاحية حتى يحقّ لأي مشروع إصلاحي منها أن يدّعي بأنه يصبّ في مجرى التحوّل الديمقراطي الجذري الحقيقي غير المظهري وغير المزيف؟

إذا كان لابد من وضع النشاطات المطلوبة في قائمة أولويات فإن أبرزها ما يلي:

أولا: وجود عقد اجتماعي ما بين الدولة ومجتمعها في شكل دستور. ولما كان هذا الدستور هو حصيلة عقد بين الدولة ومجتمعها فإنه لابد أن يأخذ بعين الاعتبار مصالح الطرفين في شكل متوازن. والمهم في هذه الفترة أن يؤسس الدستور لحقوق المواطنين وواجباتهم ويحدد التزامات الدولة ويؤسس لنظام حكم قائم على عدالة القوانين والحريات والمواطنة وفصل السلطات الثلاث والعدالة الاجتماعية والاقتصادية وأن تنفذ بنود الدستور بشكل عادل وواقعي.

ومن شبه المؤكد أن الدستور سيحتاج إلى تعديلات لاحقة، وخصوصا بالنسبة لنظام الحكم وقضايا الشرعية الدستورية، وذلك بعد وصول الدولة والمجتمع إلى مرحلة نضوج الديمقراطية وترسُّخها في المجتمع.

ثانيا: من الضروري وجود تفاهم وانسجام بين القوى المستنيرة المعتدلة في الحكم وبين مثيلتها في المعارضة. إن وجود مثيل مثل ذلك التفاهم سيجرّ قاطرة الإصلاح إلى برّ الأمان وسيعزل القوى المتطرفة في كلا الجهتين عن لعب دور سلبي ومخرّب إبان فترة الإصلاح.

ثالثا: سيكون من المستحيل على أي مجتمع الانتقال إلى الديمقراطية من دون أن يسبق ذلك ترسيخ وقبول للثقافة الديمقراطية. والثقافة الديمقراطية يجب أن تنساب في جسم الدولة لترسّخ دولة القانون والشفافية ومناهضة الفساد والمحسوبية واحترام حقوق المواطنة والفصل الحقيقي للسلطات واستقلالها، ويجب أن تنساب تلك الثقافة في جسم المجتمع للأخذ بالأساليب السلمية وممارسة فضيلة التسامح والابتعاد عن إعلاء شأن الولاءات الفرعية كالطائفية أو القبلية فوق الولاء للوطن وقبول التعددية السياسية وتبني الأساليب الديمقراطية في مؤسساته المدنية وفي مؤسسة العائلة ومن المهم بمكان أن تقبل كل إيديولوجيات المجتمع بالثقافة الديمقراطية كمكوّن من مكوّناتها، عند ذلك يصبح الانتقال إلى الديمقراطية ليس فوقيا وإنما نابعا من تربة المجتمع وبنيته التحتية.

الانتقال إلى الديمقراطية، عن طريق الإصلاح وليس الثورة، يحتاج إذن إلى توافق ندّّّّّّّّّي بين الدولة ومجتمعها، إلى تعامل واضح وشريف بين الجهتين وابتعاد كلّي عن الخداع أو محاولات التزييف أو اللفّ والدوران، وإلى أشكال كثيرة من الآليات الانتقالية المؤقتة، وإلى جوّ عمل هادئ وسلمي، وإلى -خصوصا- قوى ملتزمة في الطرفين تؤمن بعملية الإصلاح وتطورها على الدوام.

عند ذلك فقط، سنصل إلى مجتمعات عربية متصالحة مع نفسها وقادرة على إبداع غايات ووسائل تجديدية في السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة من دون أية هزّات أو زوابع من مثل التي نشاهدها يوميا في حياتنا العربية

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 2375 - السبت 07 مارس 2009م الموافق 10 ربيع الاول 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً