العدد 716 - السبت 21 أغسطس 2004م الموافق 05 رجب 1425هـ

خفايا الحرب المعلنة بين علاوي والجلبي

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

قال رئيس الوزراء العراقي إياد علاوي في مقابلة نشرتها حديثاً مجلة «دير شبيغل» الألمانية رداً على سؤال بشأن موقفه من منافسه اللدود زعيم المؤتمر الوطني العراقي أحمد جلبي عقب صدور مذكرة إيقاف ضد الأخير بتهمة تزوير عملة «جلبي ليس عدوي وكل ما في الأمر أن الحكومة قررت إخلاء المكاتب التي أقامتها الأحزاب في مباني تخص الدولة... أما بما يتعلق بمسائل أخرى (وكان علاوي يقصد الاتهامات الموجهة لجلبي) فإنها متروكة للمحاكم كي تبت بها».

علاوي كان يقول هنا نصف الحقيقة ففي بغداد يتردد القول أن رئيس الوزراء عبارة عن نوع خفيف من صدام حسين )فللفٍ جىهوُّ( وأنه يسعى للتخلص من منافسيه السياسيين كي يضمن لنفسه الفوز بالانتخابات العامة المقررة في بداية العام المقبل. أبرز منافسيه هو الجلبي الذي أصبح زعيماً سياسياً سابقاً والزعيم الديني مقتدى الصدر الذي يقود حرباً دامية مع قوات الاحتلال وحكومة علاوي.

ما أبعد حلم الديمقراطية. قبل بضعة أسابيع زار علاوي بلداناً عربية عدة قال فيها إن العراق يسير على طريق الديمقراطية. لكن ليس العرب فقط بل العالم بأسره يشاهد كل يوم صور الحرب والفوضى والدمار في العراق وهذه مغايرة تماماً للديمقراطية. وحين يجري النظر إلى الإنجازات التي حققتها حكومة علاوي فإنها تنحصر بنتيجتين أولاً: عودة عقوبة الإعدام. بينما يعمل بهذه العقوبة في الولايات المتحدة على رغم احتجاجات مستمرة من قبل منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان فإن الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال الذي سيضطر لتحديد موقفه تجاه العراق وحكومة علاوي حين يزور الأخير برلين وباريس قريباً وكذلك حين يزور الرئيس غازي الياور دولاً تابعة للاتحاد الأوروبي في بداية سبتمبر/ أيلول المقبل، إلغاء عقوبة الإعدام من مواثيق دوله كما يشترط على الدول الساعية للحصول على العضوية الأوروبية أن تلغي هذه العقوبة وهذا ما فعلته الحكومة التركية كأبرز شرط للتفاوض معها بشأن مسألة العضوية. ثانياً: أن حرية التعبير عن الرأي من أبرز أسس الديمقراطية الحقيقية ولم يقدم علاوي الدليل على التزامه بحرية التعبير عن الرأي حين أمر بإغلاق مكاتب محطة تلفزيون «الجزيرة» مدة شهر كامل.

ثم الدور غير الواضح بعد الذي من المحتمل أن يكون علاوي قام به لدفع القضاء العراقي إلى إصدار مذكرة إيقاف ضد واحد من الأقوى نفوذاً في العراق في فترة ما بعد الحرب: جلبي. وهكذا يكون تخلص من أبرز منافسيه على السلطة. هذه هي إنجازات حكومة علاوي التي لم تغير أوضاع الشقاء بالنسبة للمواطنين العراقيين فالمشكلات الحقيقية مازالت قائمة وحيث التفجيرات الدامية وأعمال العنف أصبحت روتينية.

الولايات المتحدة لم تحمل معها خطة لمرحلة ما بعد الحرب كما لم يحسب الاستراتيجيون أي حساب لما يحدث في الوقت الجاري. المشكوك فيه أن الولايات المتحدة لا تعير أهمية كبيرة للأمن والاستقرار بقدر ما هي مهتمة بمحاربة الصدر وأتباعه وأطراف أخرى مناهضة للاحتلال. وهكذا تسببت القوة العظمى بنفسها في زيادة العداء المتفشي ضدها في صفوف العراقيين. هل تقف الحكومة العراقية في مواجهة مشكلات عاجزة عن حلها؟ حتى اليوم لم تحصل حكومة علاوي على تأييد الشعب وكي يتم لها ذلك ينبغي عليها تحقيق الأمن والتنصل من علاقتها الوثيقة مع الاحتلال. لكن الشرط الأول من الصعب أن يتحقق نظراً لاختلاف مصالح الأطراف المعنية أما الثاني فإنه ليس بيد علاوي لأن الولايات المتحدة مازالت تتصرف كدولة منتصرة وعلاوي مثل جلبي ليس أكثر من دمية صنعها جهاز «سي آي إيه».

الاتهامات ضد جلبي وابن شقيقه سليم المشرف على محاكمة الرئيس العراقي المخلوع صدام وأعضاء في مجلس قيادة الثورة السابق، تؤشر باحتمال حصول تغيير في موازين القوى في العراق. العراقيون الذين لم يعرفوا تجربة الانتخاب، لا يعرفون أيضاً معنى الحملة الانتخابية. علاوي يقود حملة انتخابية وهناك صراع مرير على النفوذ والمال. الجلبي يبحث عن حلفاء جدد الأمر الذي دلت عليه زيارته إلى إيران ويريد تبرئة ساحته بكل ما لديه من إمكانات. لكن هذا لن يساعده كثيرا لأن واشنطن أسقطته من حساباتها.

خلال غزو العراق في العام الماضي كان الجلبي الرجل المفضل عند واشنطن لتولي أعلى منصب في العراق الجديد. ولم تتدخل واشنطن للدفاع عن رجلها وتركته ينزلق بعد أن اتهمته بنقل معلومات سرية لإيران. عوضا عن اتهام الجلبي بتزوير عملة، وجه القضاء العراقي تهمة الشروع بالقتل إلى ابن شقيقه سليم. السقطة الكبيرة وقع فيها العم الذي كان حتى اندلاع الحرب في مارس/ آذار العام 2003 يتمتع بثقة نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني ونائب وزير الدفاع بول ولفوفيتز. ذلك أن أغلب المعلومات التي ثبت لاحقاً عدم صحتها بشأن أسلحة الدمار الشامل في العراق التي أحرجت القوة العظمى أمام العالم صدرت عن المؤتمر الوطني العراقي الذي يتزعمه جلبي وكذلك الكذبة الكبيرة بأن العراقيين سيستقبلون الجنود الأميركيين بالزهور والأرز.

على مدى سنوات حصل الجلبي على ملايين الدولارات من واشنطن. بدأت واشنطن تحقر الجلبي في شهر مايو/ أيار الماضي حين داهمت قوة عسكرية أميركية مسكن جلبي والمقر الرئيسي لحزبه وحملوا معهم وثائق وأجهزة كمبيوتر ما مكنهم من الحصول على أدلة على حد قولهم أن جلبي كان يعمل في تزوير عملة. بينما ألقي القبض على بعض أتباعه، توجه الجلبي إلى إيران لقضاء إجازة على حد قوله.

وفقاً لما نشرته الصحف الأميركية أطلع الجلبي الإيرانيين على أن الولايات المتحدة تعرف أرقام الهواتف السرية لكبار المسئولين الإيرانيين وأنها ترصد مكالماتهم الهاتفية. دافع الجلبي عن نفسه بالإشارة إلى أنه بصفته رئيس لجنة المالية في الحكومة الانتقالية أمر بجمع العملة المزورة لكنه لم يفصح عن السبب وراء وجودها في المقر الرئيسي لحزبه. ماضي جلبي عدو له. ففي العام 1992 حكمت عليه محكمة أردنية غيابياً بالسجن مدة 22 عاماً بعد أن اختلس أموالاً تسببت في إفلاس مصرف البتراء الذي كان يديره في عمّان. كما يجد سليم جلبي تهمة القتل الموجهة إليه جزءا من حملة لتعطيل عمله كمشرف على محاكمة صدام وأبرز مساعديه.

ليس بوسع سليم جلبي الاعتماد بعد اليوم على دعم من عمه. فقد تم استبعاد المؤتمر الوطني العراقي من المشاركة في الحكومة التي يتزعمها غريمه علاوي. ونشأت منافسة كبيرة بينهما خلال وجودهما في المنفى اللندني وغالباً بسبب الأموال التي كانت «سي آي إيه» تقدمها للمعارضين العراقيين وكان الجلبي يحصل على حصة الأسد منها. علاوي أيضاً ربيب «سي آي إيه» وهو لا يجد أي عيب بذلك لأن هذه العلاقة ساعدته في الانتقام من غريمه اللدود صدام والآن من خصمه الجلبي. والأخير شيعي ينحدر من جنوب العراق وكانت أسرته واسعة النفوذ في العراق

العدد 716 - السبت 21 أغسطس 2004م الموافق 05 رجب 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً