لم يخطئ كثيراً من وصف دول العالم الثالث، التي تسمي نفسها «الدول المحبة للسلام» بأنها دول محبة للكلام فحسب. فالضعيف سلواه الكلام والإطناب في القول، عله يلين قلوب الأقوياء فيفتح آذانهم، أو يعزي نفسه بالمزيد من الكلام.
ففي هذه الظروف تذكرت أنظمة عدة، أنها وضعت في سالف العصر والأوان قاموسا على الرف لم تفتحه قط، فيه مفردات وعبارات تطرد النوم وتجلب الهلاوس، مثل الحرية، حقوق الإنسان، حرية الرأي والفكر والتعبير، الديمقراطية، دولة مؤسسات، المجتمع المدني.
فجأة تذكرت تلك الأنظمة المصطلحات من العصور الغابرة، فأصبحت في عيونها مثل الفلس الأبيض لليوم الأسود. فهذا يطلق مئة ألف سجين أو يستقبل المعارضة، وذاك يأمر بإزالة تجاعيد الحكومة، حتى يظهر وكأنه «إصلاحي» أو يعمل بالإصلاح. فتجد بعض الدول أمرت بإنشاء منظمات لحقوق الإنسان، وأعطتها أسناناً اصطناعية «لتعض على خفيف».
تجد تلك المنظمات في الدول النامية كثيرة، وازداد عددها في الآونة الأخيرة، فبعضها يسيطر عليه الذكور عددا ونفوذا، وبعضها لا يعرف عنه شيء، سوى اللوحة المعلقة على المبنى المهجور، أو عند العودة إلى كشوفات وزارة العمل والشئون الاجتماعية، والتي تصحو فجأة لتغطية نفقاتها طيلة العام بإقامة احتفالات خطابية وندوات في أرقى الفنادق، ثم لا يبقى لتنفيذ المشروع سوى ربع الدعم. ترى لماذا تطلق تلك الدول شعارات طنانة وتدعي التحرك في خطوات للإصلاح، ألمصلحة أهل المعمورة أم الحقيقة «الله أعلم بها»؟
إقرأ أيضا لـ "ايمان عباس"العدد 715 - الجمعة 20 أغسطس 2004م الموافق 04 رجب 1425هـ