الكل ينادي بالحرية اليوم، سواء كنتَ من المتعصبين أو من الملتزمين أو من أصحاب المبادئ القادمة من الغرب أو لم تخرج من البحرين قط. الكل لديه هاجس مهم عن حريته وما يكبلها، وما يخص المرأة بالذات قضية واسعة ومتشعبة ولها مناصرون ومدافعون ومؤيدون، بعضهم من النساء وبعضهم من الرجال، وفيهم جمعيات ومنظمات ومدافعون عن هذه الحرية لا يحصى عددهم.
وبالنسبة إلى المرأة عموماً تختلف اتجاهاتها نحو الحرية بحسب التكاليف السلوكية التي تربت عليها في بيتها وبيئتها وعلومها التي تلقتها، مع مراعاة ما يحيط بها من جديد. كل هذه أفلام تختزن في كمبيوتر الرأس الذي هو الدماغ مما يصلها من معلومات لتبتدئ بضخّ ما أثر فيها والتخلص مما أزعجها حينما تخطو أولى خطواتها كأنثى عند البلوغ.
الحرية المقصودة هنا ليست الحرية الداخلية والتحرر من القوانين البشرية، والقدرة على التحكم بالذات بحسب المسموح به شرعاً أو خارج إطار الشرعية، وإنما تعني:
أولاً: مرونة الحرية الخارجية التي تريد المرأة أن تتمتع بها كإنسانة مع الرجل في المحيط الذي يحتويهما، من حيث سائر الأنظمة والأنشطة الموجودة.
ثانياً: موقف الإسلام من هذه الحرية عندما يرغب الإنسان أن يتمتع بها. إننا نؤمن بأننا لا نملك أية حرية تجاه علاقتنا بالله، ذلك لأن الإنسان عبد مملوك لله عز وجل، يعلم هذا كل من أيقن بوجوده عز وجل، وهذا هو معنى أن الإنسان مكلَّف، غير أن هذا التكليف يحول دون ممارسة المكلف حريته في التصرف.
ومسألة تقييد الحريات من أجل الخضوع للأحكام السلوكية، المنبثقة عن العقائد الاسلامية، حق اجتماعي ورعاية مدنية لابد منها، لإشاعة العدل بين الناس وإقامة العلاقات على نحو تعاوني مفيد، وقد كانت المجتمعات الإنسانية ولاتزال، تقيد الحريات بهذه الموازين، لتجعل منها موثلاً للجميع، لا نصيباً للأقوى أو الأغنى أو الأقدر على التحايل واستلاب الحقوق. فعلاقة الإنسان بالحرية تكون مع داخله وذاته كحرية شخصية، ومع مجتمعه وخارجه، وتنطبق هذه الحرية على الجنسين الذكر والأنثى على السواء.
وما بين مفكر ومناقش ومرتب لأوراق جديدة بعدة تسميات داعياً إلى إلغاء الدين من على خريطة الأرض، هناك الكثير من الرجال والنساء تحدثوا عن هذا الأمر. سنناقش هؤلاء الرافضين والرافضات لكل قيد والمطالبين والمطالبات بإلغاء الدين تماما من الخريطة العالمية، ليس الإسلام فحسب بل كل دين على الأرض.
وهؤلاء ظهروا بعدة وجوه وبعدة أسماء وأشكال، فقد كان الاسم الأول هو الشيوعية، ثم الاشتراكية، ثم العلمانية، وحصلت تغييرات كثيرة على بنود المطالبات بالحرية فظهرت الليبرالية الجديدة، وظهرت الليبرالية الإسلامية واكتشفنا من تاريخ سيرة حياة معظم من التحقوا في ركابهم، أن كفرهم بالإسلام كان سببه الجهل والتعصب.
وفي عرض ما تمّ من محاولات للتطوير الشكلي للعمل النسوي من التقليدي إلى العصري في المؤسسات الاجتماعية - الاقتصادية التقليدية التي تسير في طريق دعاة «العصرنة» في العالم العربي، فمنهم من زعم أن الحداثة هي كل شيء ليس في التقليد، وقد بدأ علماء الاجتماع العرب حديثاً طرح التساؤل عن هذه النظرية في معرض بحثهم عن التحديدات المناسبة.
ورد بحث نشر العام 1984 وكانت قد قدمته سيدتان من علماء الاجتماع العربيات في تونس وهما (فريدة اللاغي - وعائشة المانع) من أهم ما ذكر فيه: «ان الرؤى النظرية المنبثقة من طبيعة العصرنة وتأثيرها في الهيكلية تضحض التصور القائل إن العصرنة والتقليد هما قطبان متقابلان في تواصل لن يميل باتجاه التقائهما». ويوجد اليوم اهتمام بكل ما يكتب من قبل علماء الاجتماع لأن هذه الكتابات تعرض كل تطور عصري من شأنه أن يؤدي بوضع المرأة إلى مستوى أسوأ، بدل أن يرفعه، وخصوصاً وضع النساء في المناطق الزراعية، أو الأحياء الفقيرة في المدن، وانتقدت اللاغي والمانع الاعتقاد السائد بـ «ان العصرنة (الطريقة الغربية في الحياة) هي المثل الأعلى الذي تسعى المرأة العربية جاهدة إلى تحقيقه». وتشير هذه الكتابات ضمناً إلى أن المرأة العربية بلغت المرحلة الفضلى والمرتجاة من المساواة، لكن الكتابات والحركات النسائية تضعف هذه الحجة كثيراً وذلك بعرضها للإجحاف اللاحق بحقوق المرأة الغربية ومضاره.
واتخذت الأسئلة التي طرحها المفكرون العرب منحى جديداً في قضايا تعريف التطور باسم «التنمية الاقتصادية الاجتماعية الشاملة، بسبب كونها نابعة من المجتمع الواعي لعملية التنمية».
وقد تبين لنا أن حرية الإنسان في علاقاته الاجتماعية، لا يحدّها ويضبطها إلا ما تقتضيه حماية الآخرين ورعاية مصالحهم المشروعة، والرجل والمرأة في ذلك سواء
العدد 715 - الجمعة 20 أغسطس 2004م الموافق 04 رجب 1425هـ