طالعتنا «الوسط» خلال الأسبوعين الماضيين بأخبار عن شكوى العائلة البحرينية التي اتهمت مصفياً قضائياً بالاستيلاء على ميراثها البالغ نصف مليون دينار، ما أدى إلى ضياع التركة، وجاء في هذه الشكوى أن المصفي تصرف في معظم الأراضي التي آلت إلى هذه العائلة واستحوذ على ثمنها وأخفى حقائق مالية وقدّر أتعابه بما يفوق التقدير الحقيقي للمصفين القضائيين، وغالى في اثبات كثير من الديون واختلق كثيراً منها على خلاف الحقيقة، وتصرف في التركة كمالٍ خاص له، وطالب الورثة بإيجاد رقابة على أعمال المصفين القضائيين لتجنيب تركات الورثة من المواطنين من استيلاء بعض المصفين القضائيين عليها.
ولقد سبق أن نشرت الصحف شكاوى عدة ضد بعض الخبراء والحراس والمصفين القضائيين تناولت وقائع مماثلة. كما تناول البرنامج التلفزيوني «حياكم معانا» في حلقة خاصة حالات انحراف الحراس القضائيين التي تعاقب المشاهدون للبرنامج على ذكرها على الهواء مباشرة. وتوالت المطالبات بأن يشهد عهد التصحيح إعادة تنظيم أعمال الحراسة القضائية وأعمال المصفين القضائيين وأعمال الخبرة القضائية التي تتولى معظمها مكاتب مدققي الحسابات على نحو يكفل حماية المواطنين من فقدان بعض العاملين في هذه المكاتب الأمانة والنزاهة وتعمد بعضهم الاستيلاء على الأموال الموضوعة تحت تصرفهم بأمر من القضاء.
أصل المشكلة
إن اصل المشكلة يرجع إلى المرسوم بقانون رقم (3) لسنة 1995 بشأن خبراء الجدول الذي يحدد الشروط الواجب توافرها فيمن يتم قيده كخبير أمام المحاكم ومن ثم تقوم هذه المحاكم بتعيينهم حرّاساً أو مصفين قضائيين، ويتردد بين عدد كبير من مدققي الحسابات أن جدول الخبراء في حاجة إلى تطهير لتصحيح الأوضاع الخاطئة السائدة فيه حين تم قيد البعض كخبراء في المحاسبة بينما لم يزاولوا أعمال تدقيق الحسابات وليست لديهم خبرة في هذا المجال، وهناك خبراء آخرون لا يحملون مؤهلاً جامعياً في فرع المحاسبة وتم قيدهم في جدول الخبراء، ويتحدث البعض الآخر عن المحظوظين الذين تسند إليهم معظم أعمال الخبرة والحراسة والتصفية القضائية من دون مراعاة لمتطلبات العدالة في توزيع هذه الأعمال بحسب الدور على الجميع، ويتبادل آخرون الحديث عن المغالاة في تقدير أتعاب الخبرة أو الحراسة أو التصفية القضائية، ويؤكد البعض الآخر أن قواعد تأديب الخبراء التي نظمها القانون رقم (3) لسنة 1995 بشأن خبراء الجدول لا تطبق ولم يعد لها أية فاعلية، ومن ثم استمر انحراف بعض الخبراء من دون الخشية من أي عقاب أو جزاء تأديبي.
تداعيات المشكلة
ويقودنا أصل المشكلة إلى تداعيات أخرى تتمثل في عدم تطبيق كثير من النصوص القانونية المقررة لحماية أعمال الخبرة والحراسة والتصفية القضائية من الانحراف بها عن الأهداف المحددة لها، ولعله من المناسب أن نلقي نظرة سريعة على بعض هذه النصوص القانونية.
ففي مجال الحراسة القضائية تلزم المادة (683) من القانون المدني الحارس القضائي بإمساك دفاتر حساب منتظمة، وأن يقدم لذوي الشأن، مرة على الأقل كل سنة، حساباً بما تسلمه وبما أنفقه مؤيداً بالمستندات، وعليه إذا كان معيناً من المحكمة أن يودع لديها صورة من ذلك الحساب، ومن المعروف أن الحارس القضائي يتولى إما اتفاقاً أو قضاءً حفظ وإدارة مال متنازع عليه إذا كان بقاؤه في يد حائزة يهدّد بالخطر من يدعي لنفسه حقاً فيه، فهل يلتزم الحراس القضائيون بتنفيذ هذا النص القانوني؟
وفي مجال التصفية القضائية يعطي قانون الشركات التجارية للشركاء حق مراقبة أعمال التصفية من خلال ما توجبه المادة (340) على المصفى من أعمال، إذ تلزمه بأن يدلي بما يطلبه الشركاء من معلومات أو بيانات، كما يلتزم المصفي بأن يقدم إلى الشركاء كل ستة شهور أو إلى الجمعية العامة حساباً مؤقتاً عن أعمال التصفية، فهل يتم تطبيق هذا النص؟ وفضلاً عما تقدم فإن المصفي يعتبر وكيلاً عن الورثة أو الشركاء، وهو يستمد هذه الصفة من أحكام قانون الشركات التجارية ومن ثم فهو يسأل بموجب هذه الصفة عما يأتيه من غش وأخطاء جسيمة طبقاً لما تقضي به القواعد العامة في الوكالة وما نصت عليه المادتان (214/ب و647) من القانون المدني، كما أنه يلتزم طبقاً لأحكام المادتين (682 و684) من القانون المدني بتقديم حساب عن أعماله للورثة أو الشركاء، فهل يتم تطبيق هذه النصوص التي وضعت لحماية أعمال التصفية القضائية؟
الحماية الجنائية
ولم يقتصر مجال النصوص القانونية على الحماية المدنية للورثة أو الشركاء، بل فرضت لهم حماية أخرى يعاقب فيها قانون العقوبات الخبير أو الحارس أو المصفي القضائي عند ارتكابه إحدى الجرائم المنصوص عليها في ذلك القانون والتي نلقي نظرة سريعة على بعض منها.
ففي أعمال الخبرة القضائية تعاقب المادة (236) من قانون العقوبات الخبير الذي ينتدبه القضاء في إحدى الدعاوى بالحبس مدة لا تزيد على سنتين أو بالغرامة التي لا تجاوز 200 دينار إذا قام هذا الخبير بتغيير الحقيقة في المهمة المنتدب إليها من المحكمة، وتتمثل بعض صور تغيير الحقيقة إذا قدّم الخبير تقريره للمحكمة منكراً فيه وقائع صحيحة أو ساكتاً فيه عن بعض الأمور الجوهرية المتعلقة بالنزاع والمرتبطة بما كلفته به المحكمة.
وطبقاً لأحكام المادة (395) من قانون العقوبات يعاقب بالحبس الحارس أو المصفّي القضائي إذا اختلس أو بدّد مبالغ أو سندات أو أي مال آخر منقول إضراراً بأصحاب الحق عليه.
ومن الواضح أن العقوبات الجنائية المقررة في حال ارتكاب أحد الخبراء أو الحراس أو المصفين القضائيين الجرائم المشار إليها تعتبر عقوبات بسيطة لا تمثل رادعاً لمن تسوّل له نفسه الانحراف، ويتطلب الأمر تشديدها والحرص على تطبيقها وتنفيذها حتى لا يفلت من العقاب من هو مستحق له.
تجارب دولية
ومن التجارب التي تجدر الإشارة إليها ما قدّره قانون الشركات الفرنسي من جواز تعيين مراقب أو أكثر لممارسة الرقابة لحساب الشركاء وكل ذي مصلحة على عملية التصفية ويكون هؤلاء المراقبون مسئولين وفقاً لأحكام مسئولية مراقبي الحسابات.
وهناك دولٌ أخرى تنظم أعمال الخبرة القضائية تنظيماً دقيقاً وفعّالاً تضمن من خلاله لأعمال الحراسة والتصفية القضائية سد منافذ الانحراف وفقدان الأمانة والضمير ونذكر من هذه الدول ايطاليا.
وأخيراً...
وهكذا يتبين لنا أن سلامة أعمال الخبرة والحراسة والتصفية القضائية منوطة بالسلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وأن علينا تحديد المشكلات التي ترتبت على تطبيق القوانين المنظمة لهذه الأعمال وحصر أسبابها ثم دراسة تجارب الدول الأخرى لنصل من ذلك كله إلى الحل المناسب الذي يتطلب تعديل المرسوم بقانون رقم (3) لسنة 1995 بشأن خبراء الجدول وقانون العقوبات وغيرهما من القوانين لنصل من ذلك كله إلى ضمان حد أدنى من النزاهة في أعمال الخبرة والحراسة والتصفية القضائية
إقرأ أيضا لـ "عزت عبدالنبي"العدد 715 - الجمعة 20 أغسطس 2004م الموافق 04 رجب 1425هـ