شغل المعلقون الأميركيون التهديدات الأميركية الحالية لإيران، والتصعيد الكلامي المتبادل بين الجانبين فبعد أن تناوب المسئولون الأميركيون على توجيه التحذيرات والإنذارات المتتالية للجمهورية الإسلامية، تزايدت المؤشرات التي تحمل على الاعتقاد بأن الأزمة المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني توشك الآن على دخول مرحلة بالغة الحساسية إن لم تكن فاصلة. مع تأكيد وزير الدفاع الإيراني علي شمخاني في حديث إلى الفضائية القطرية «الجزيرة» أن إيران قد تلجأ إلى شن هجمات وقائية. وشدد على أن طهران لن تضع يداً على يد لتنتظر ما يفعله الآخرون بها، بل ان بعض القادة العسكريين في إيران على اقتناع بأن العمليات الوقائية التي يتحدث عنها الأميركيون ليست حكراً عليهم. وأكدت افتتاحية نشرتها «نيويورك تايمز» أن مسألة وقف إيران عن بناء ترسانة نووية تتطلب تحركاً دولياً حازماً ومركزاً. فالولايات المتحدة غير قادرة اليوم على مواجهة الخطر النووي الإيراني بمفردها، أي بمعنى آخر، ان مسألة ردع طهران مسألة «وقت» لكن الجدل يدور حول «الغطاء الدولي»، علماً أن هناك من أكد أن المعركة مع إيران لن تكون نتائجها على الولايات المتحدة بأفضل مما حصل في العراق، فالمؤشرات كما يراها المراقبون تشير إلى أن إدارة بوش في طريقها «لأن تتلقى لدغة أخرى» لكن من طهران. فقد كتب يوسف إبراهيم (مراسل سابق لصحيفة «نيويورك تايمز» ومحرر شئون الطاقة في «وول ستريت جورنال») في صحيفة «غلف نيوز» (الإماراتية الناطقة باللغة الإنجليزية) على الإنترنت، مقالاً تحت عنوان «كم حرب تستطيع أن تخوض الولايات المتحدة باسم الإرهاب؟»، أشار في مستهلها إلى أن آخر ما تحتاجه الولايات المتحدة اليوم أن تواجه عدواً جديداً. وأشار إلى أن كل المؤشرات تدل على أن إدارة بوش تسير مباشرة نحو مواجهة مع إيران التي وصفها بأنها أعظم قوة ديمغرافية وعسكرية في منطقة الخليج. لافتاً إلى أن مستشارة الأمن القومي الأميركية كوندليزا رايس وغيرها من الناطقين باسم إدارة بوش أطلقوا سلسلة من التحذيرات لإيران بشأن برنامجها النووي. ورأى انه يجب على الولايات المتحدة أن تضع نصب عينيها المثل الإسلامي القائل «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين». مشيراً بسخرية إلى انه يبدو أن إدارة بوش تتجه لأن تتلقى لدغة أخرى. فالحرب على إيران مثل الحرب على العراق لن تكون نزهة بل ستكون في غاية الصعوبة. ولاحظ أن الأميركيين يتجاهلون حقيقة مهمة جداً وهي ان ما من شيء سيوحد الإيرانيين - متشددين كانوا أم معتدلين - أكثر من هجوم عسكري يستهدف بلادهم وخصوصاً يتعلق ببرنامجهم النووي. وتابع شرح وجهة نظره، بالقول انه يجدر بالأميركيين أن يذكروا جيداً أن الإيرانيين ليسوا هدفاً سهلاً ولا يمكن إحباطهم بسهولة. فقد سقط ملايين الإيرانيين خلال ثماني سنوات من الحرب مع العراق التي شنها صدام حسين في العام 1980 بدعم كامل من الولايات المتحدة والغرب. غير أن الإيرانيين هم الذين انتصروا في النهاية. وشكك إبراهيم، في سياق المقال بأن يكون سبب تطوير الإيرانيين لبرنامجهم النووي هو امتلاك «إسرائيل»، الدولة التي تشكل التهديد الحقيقي على المنطقة، 200 رأس نووي، معتبراً ان دوافع البرنامج النووي الإيراني مسألة مختلفة قد تكون موضوعاً لمفاوضات أخرى (في إيحاء منه قد يكون إلى الجيران الأقرب لإيران وان هذه المسألة على أية حال هي من مسئولية الوكالة الدولية للطاقة الذرية). وأكد ان مجرد التدقيق في التحذيرات الأميركية يدفع مباشرة إلى الاستنتاج بأنها تخفي طموحات بإحداث تغيير في أنظمة الحكم في المنطقة. ولفت إلى ان المحافظين الجدد استخدموا تقارير استخباراتية ملفقة ليقنعوا أنفسهم بأن غالبية الشعب الإيراني محبط بسبب الحكم في طهران. وانه بمجرد تنفيذ واشنطن حملة عسكرية ضد هذا النظام فإن هذا الشعب سيثور على النظام ويسقطه. وأكد أن هذا السيناريو الخيالي يدعمه منفيون إيرانيون يعيشون في لندن وأستراليا ولوس أنجليس، يستخدمون الهواتف المحمولة كبدائل عن الأجهزة الاستخباراتية. وحذر إبراهيم، الأميركيين من مخاطر الحرب على إيران، لافتاً إلى أن مهاجمة الجيش الإيراني في الأساس ستكون صعبة للغاية لأن الدول المجاورة لإيران ما عدا العراق، أي الكويت والسعودية وقطر، لن توافق على تأمين القواعد العسكرية لانطلاق العمليات الأميركية ضد إيران. كما انه سيكون من المستحيل أن يكون هناك حربان في منطقة واحدة تحتوي على ثلثي احتياطي النفط العالمي، من دون أن ترتفع أسعار النفط إلى مستويات مخيفة. هذا وحذر إبراهيم، من مئات الميليشيات والخلايا التي أنشأتها إيران في المنطقة تحسباً لهذه اللحظة (أي الحرب الأميركية). ففي العراق شكل الإيرانيون أكثر من ميليشيا عراقية على نموذج «حزب الله» بالإضافة إلى جهاز استخباراتي قادر على اختراق الجيش العراقي والشرطة وقوات الأمن والمؤسسات الحكومية. وتساءل ساخراً عما سيقوم به الرئيس الأميركي بوش أو منافسه إلى الرئاسة الأميركية جون كيري في حال نفذ قائد الحرس الثوري الإيراني وعيده بتدمير الاقتصاديات الغربية رداً على أي هجوم أميركي؟ هل سيشن أحدهما حرباً أخرى على المملكة العربية السعودية من خلال استهداف حقول النفط فيها على رغم أن الجنود الأميركيين في العراق غير قادرين على تأمين الحماية لحقول النفط هناك؟ (في إشارة ساخرة من إبراهيم إلى ان الولايات المتحدة تهرب من حرب إلى حرب ومن دولة إلى دولة مجاورة، فهي إن واجهت صعوبة في حربها مع إيران قد تقوم بإطلاق حملة عسكرية على دولة مجاورة مثل السعودية، تماماً كما ستفعل في حال اتخذت قرار الحرب على إيران في ظل استمرار الحرب في العراق) وخلص إبراهيم، في ختام مقاله إلى أنه يجدر بالأميركيين الحذر خلال التعامل مع إيران مشدداً على ضرورة تبني أسلوب الحوار مع هذا البلد.
وكانت «نيويورك تايمز» كتبت افتتاحية في 14 أغسطس/ آب الجاري تحت عنوان «الحلفاء الضروريون للولايات المتحدة في مواجهة إيران»، رأت خلالها أن وقف إيران عن بناء ترسانة نووية تتطلب تحركاً دولياً حازماً ومركزاً. مؤكدة أن الولايات المتحدة غير قادرة اليوم على مواجهة الخطر النووي الإيراني بمفردها. بل هي بحاجة إلى حلفاء يتعاونون معها خلال الأشهر المقبلة. وإذ أشارت الصحيفة، إلى أن صقور الإدارة الأميركية يحثون على مواجهة إيران بسبب جهودها النووية وأكدت أن ما من أحد في هذه الإدارة يقترح مهاجمة إيران عسكرياً. وأوضحت الصحيفة أن التوجه اليوم في واشنطن، هو المباشرة بحملة من أجل زعزعة الاستقرار داخل ما وصفته بأنه النظام الدكتاتوري في طهران. وفي سياق متصل أكدت «نيويورك تايمز» انه لن يكون في صالح الأوروبيين أو الأميركيين أن يستيقظوا في أحد الأيام ويعلموا أن إيران انسحبت من معاهدة وقف الانتشار النووي تحضيراً لبناء قنبلة نووية. وأكدت انه في حال أخفقت الدبلوماسية في ثني طهران عن مشروعاتها فإنه من واجب مجلس الأمن عندها أن يتخذ إجراءات حازمة من أجل وقف أي توجه لدى الجمهورية الإسلامية لإنتاج قنبلة نووية. وشددت الصحيفة الأميركية على انه لتفادي الوصول إلى هذه المرحلة يجدر بالإدارة الأميركية اليوم أن تدعم الجهود الدبلوماسية التي يبذلها حلفاؤها الأوروبيون مع الحكومة الإيرانية
العدد 714 - الخميس 19 أغسطس 2004م الموافق 03 رجب 1425هـ