في ظل التدخلات الكبيرة والتفصيلية للإدارة الأميركية في بلداننا، وبداية تغلغلها في الحياة السياسية والعامة، يبدو أن حال الممانعة عند الكثير من النخب السياسية تجاه السياسة الأميركية بدأت تخبو، لتتحول إلى الرغبة في الاستفادة من دعم الأميركان بحجج ليس آخرها الإصلاح والديمقراطية، أو حتى تغيير الأنظمة من خلال ركوب المركب الأميركي، وكأن كل ذلك رهن إشارتها.
الواضح أن الأنظمة في الوطن العربي مازالت تعول على استعباد شعوبها، وركون الناس إلى الذل والمسكنة، وهذا فهم خاطئ، لأن تنظيم آليات الاحتجاج السياسي عند الشعوب سيتطور ليصل إلى الطعن في شرعية الأنظمة ذاتها في ظل التحولات السياسية الضخمة في العالم، أما الفهم الآخر الخاطئ، فهو التعويل على الأميركان في التغيير، وبحسب أحد الرموز، فالأميركان يمارسون عملية ابتزاز سياسي مع كل القوى السياسية المعارضة في الوطن العربي، لأخذ مقابل التطبيع مع الكيان الصهيوني في قبال الإصلاح.
أمر آخر يجب فهمه في دعوة الأميركان إلى التغيير الديمقراطي في المنطقة، فالأميركان في حال حصول التطوّر الديمقراطي، لا يريدون رمزيات ذات امتداد شعبي وثقل نوعي في الساحات المحلية، لأنهم سيكونون البدلاء الطبيعيين للوجود الأميركي، لذلك فالديمقراطية الأميركية ستكون باتجاهين، الأول: محاصصة سياسية توجد التوازن المطلوب في العملية السياسية، ليكون الطرف الأميركي هو اللاعب الوحيد والمستفيد الأوحد. والثاني: إبعاد القوى السياسية الرئيسية عن مواقع القرار، واستئصال الرمزيات ذات الثقل الجماهيري، ليكون الأميركان قادرين على تنفيذ مخططاتهم بحرية، ومن دون اعتراض.
المطلوب من القوى السياسية المعارضة أن تحدد مطالبها السياسية بدقة، لا أن يحدد لها الأميركان ذلك، وأن تراكم عملها السياسي في إطار تنظيمي متكامل، وأن توجد آليات محكمة لقيادة الجماهير، وطرح البدائل السياسية عليها في إطار مشروع سياسي متكامل، وعند ذاك لن يجد الأميركان ولا ديمقراطيتهم موطئ قدم في المنطقة
العدد 713 - الأربعاء 18 أغسطس 2004م الموافق 02 رجب 1425هـ