العدد 713 - الأربعاء 18 أغسطس 2004م الموافق 02 رجب 1425هـ

الفنان البوسطة: تجربتي بدأت بالهواء الطلق وعادت إلى الهواء الطلق

متحدثاً عن تجربته الفنية

المصلى - جعفر الديري 

تحديث: 12 مايو 2017

أشار الفنان التشكيلي عبدالكريم البوسطة إلى المراحل الفنية التي مرت بها تجربته الفنية، وقال إن هذه المراحل تبدأ من مرحلة الهواء الطلق التي اعتمدت على رسم الطبيعة والتي انطلق منها إلى قضية الإنسان التي قادته إلى مرحلة الرطوبة والتي عاد منها إلى الطبيعة. وكان البوسطة ألقى محاضرة يوم الثلثاء 10 أغسطس/ آب الماضي في الملتقى الثقافي الأهلي. تحدث فيها عن تجربته الفنية.

وقال البوسطة بداية «إن المرحلة الأولى التي مرت بها تجربتي هي مرحلة الهواء الطلق حين يواجه الفنان الطبيعة وجهاً لوجه وكانت أول محاولة لي بهذا الخصوص في العام 1962 في منطقة أم الحصم حين كان لي وقتها أول لقاء مع الطبيعة في تحد بصري أمام كوخ اسمه كوخ حسن في أم الحصم، اذ بدأت مرحلة اللون والتخطيط، ولكن بسبب الطقس السيئ تغيرت ملامح اللوحة فلم تعد تعبر بألوانها عن البساطة والهدوء وانما تحولت الألوان إلى عنفوان من ناحية اللون وتراجيدية الخط وكأنها ألوان معارك حربية فجعلت أتأمل فاكتشفت أن سبب ذلك راجع إلى الضوء فبوجود الضوء يوجد اللون ويكون الظل متمماً للضوء، إذ علمت وقتها أن الألوان أساس الضوء على اعتبار أنه يجسد معالم الأشياء، وذلك ما دفعني إلى التأمل في اللون البحريني في البيئة فوجدت فيه خصائص معينة فهو لون يأخذ الصبغة الرمالية، فأردت الوصول إلى اللون الطبيعي لكي أتعرف على درجات ترتيب اللون لأن طبيعة المناخ تلعب دوراً في اللون فطبيعة الشمس لا تجعل اللون في شكل ثابت وكذلك الأملاح التي تتمتع بها البحرين لها تأثير، كذلك الرطوبة فهذه العوامل الثلاثة تؤثر في طبيعة اللون ومعنى ذلك أنه علي أن ابحث عن الألوان التي تتناسب مع الطبيعة وإذ ذاك يحتاج مني اللون إلى ثلاثة أشياء الثابت والمحايد والضامر، وأعني بالثابت اللون الأساسي الأزرق كلون السماء والمحايد هو اللون الأبيض باعتباره لوناً يدخل مع جميع الألوان أما الضامر فيعطيني تغييراً لدرجة اللون لأنه سيكون لوناً صارخاً لا يتناسب مع البيئة وحتى لو مزجته مع اللون المحايد فسيعطيني درجة ناقصة فيجب عندها أن أكمله بلون يخفف اللون».

ثم تحدث عن المرحلة الثانية، وهي مرحلة الإنسان بقوله «انتقلت بعد المرحلة الأولى إلى مرحلة الإنسان وهو من المخلوقات الحية الناطقة، والذي له تاريخه وله صفاته المعينة في حزنه وألمه وفي تقلباته ومشاعره وركزت هنا على دراسة تشريح الجسم ودراسة أعضائه فوجدت أن الصعوبة تكمن في اليد والقدم إذ إنك عندما ترسم يجب عليك أن تحسب الأصابع كي لا تنقص اصبعاً واحداً فإذا لم تحسب النسب بين الأصابع يظهر الجسم كأن به إعاقة. فهذه الأجزاء الثلاثة ضرورية للغاية إلى جانب العينين اللتين بهما سحر الجمال واللغة، والتي يمكن أن تعني ما بداخلهما كما قام دافنشي في الموناليزا بتحويل العين إلى بؤرة في مركز واحد فجعلها تنظر إليه أين ما اتجه وكان يقصد الأنا الخاصة به فهي تحتاج إلى دراسة عميقة وهي أمور أخذت مني وقتاً وسهراً طويلاً حتى حركت فرشاتي على وضعية خاصة بالإنسان من الناحية العقائدية والسياسية والاجتماعية فرسمت الإنسان العملاق، أصحاب الكهف، قصة آدم وحواء، سوق الحدادة وأم حمار وحاولت أن أضمنها كل هذه المعاني لكي تكون في اللوحة قراءة معنوية وتشكيلية تشد المشاهد فلا يشاهد جسماً جامداً وإنما جسماً متحرك به كل خصائص الفن».

وعن مرحلة الرطوبة أضاف البوسطة «أن ظاهرة الرطوبة ظاهرة حية ونعايشها كل يوم ولها تأثير حتى في تفكيرنا حين تتدخل فتشل التفكير وتجعل الفرد منا غير قادر على التفكير. فبدأت بدراسة الجدران القديمة وكيف أن الإنسان تكون له اسقاطات على المحيط الذي حواليه فتوصلت هذه الرؤية الى ما بداخله من انفعال حين تتحول إلى شكل إنسان أو حيوان أو شكل قريب من عنصر موجود في الطبيعة، فنجد أن هذه الصورة تبين وتختفي وهي ظاهرة شغلت بالي كثيراً فلم يكن هناك بد من استعمال مواد تستعمل في تقنية الرسم فأدخلت مادة عضوية ومواداً قلوية إلى جانب اللون وهذه المادة هي البيض والزلال».

ومتحدثاً عن عودته إلى الطبيعة والتغير الذي طرأ على نظرته إليها قال البوسطة: «عندما رجعت إلى الطبيعة لم أجد المنظر الشعبي البسيط الذي يجعلك تمشي بهدوء وراحة ومن دون إزعاج إذ إن الطبيعة انفضت فتغيرت من المنظر الأفقي إلى العمودي أي من السكن الأفقي إلى العمودي فتحول من نظام الشقق إلى عمارات وتحولت المواد من الجص والحصى والنورة والاسمنت إلى لوائح من الزجاج والرخام وتحولت الأعمدة من الاسمنت إلى أعمدة من الحديد وكل ذلك ترك أثره في نفسي وجعلني أنظر الى ذكريات الماضي، فتحولت إلى السكين بدلاً من الفرشاة وبدأت الألوان تتحول عندي إلى لمسات سريعة من العدمية ليس بها وضوح بالنسبة إلى الوضوح الذي كان في السابق من ناحية البساطة، في الوقت نفسه تحولت عناصر الطبيعة إلى رموز مجردة فيها اختزال في اللون وغرابة في الشكل وإلى بويهميات فحتى الشجرة لم تعد شجرة حين أرسمها وانما تحولت إلى رمز ايحائي يجعلك تطيل التفكير»





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً