كشف تقرير يساري «إسرائيلي» عن مدى تغلغل ظاهرة العسكرة داخل الثقافة الإسرائيلية واستعمال الأطفال الفلسطينيين للأغراض العسكرية. وأظهر تقرير أعدته حركة «نيو بروفايل» الإسرائيلية، أن التعليم الذي يتلقاه أطفال المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية يتربون على إيمان مطلق يوجب عليهم طرد الفلسطينيين وأن مدارس إسرائيلية تعمل على إدخال الطابع العسكري في منهاجها التربوي، بعلم ودعم من وزارة التربية التعليم وأن الأطفال اليهود في المستوطنات اليهودية يشتركون في فعاليات معادية ضد الفلسطينيين، وإن 63 في المئة من الأطفال الفلسطينيين طلب منهم ان يكونوا متعاونين لصالح «إسرائيل». و«نيو بروفايل» هي حركة يسارية نسوية اجتماعية سياسية، تأسست في العام 1998، وتضم عددًا كبيراً من النساء والرجال، وتهدف إلى تقليص حدة العسكرة في النظام والمجتمع الإسرائيليين وتقيم «نيو بروفايل» الكثير من النشاطات في هذا السياق، وهي من أكثر الحركات الفعالة والمؤيدة لـ «رفض الخدمة العسكرية في صفوف الإسرائيليين» وتقيم فعاليات ثقافية تكشف عن مدى تغلغل ظاهرة العسكرة داخل الثقافة الإسرائيلية وآخر أعمالها كان إقامة معارض فنية تحت عنوان «لن يتعلموا الحرب بعد اليوم» والتي تكشف عن مدى تغلغل الثقافة العسكرية داخل الثقافة ومناهج التعليم الإسرائيلية.
وحلل التقرير، الذي ارتكز على تحقيق ميداني واسع قام به أعضاء من حركة «نيو بروفايل»، أنواعاً كثيرة من تجنيد الأطفال رغماً عنهم وبإرادتهم وبطرق مباشرة وغير مباشرة، مناقضة «إسرائيل» بهذا القانون الدولي لحقوق الطفل الذي وقعت عليه مشيراً إلى واجب المجتمع الإسرائيلي في الحفاظ على الأطفال من مغبة التدخل في أي صراع عسكري.
وكشفت «نيو بروفايل» عن مدارس إسرائيلية تعمل على إدخال الطابع العسكري في منهاجها التربوي، بعلم ودعم من وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية، إذ تقوم هذه المدارس بتجنيد تلاميذ دون سن الخامسة عشرة وتجبرهم على الانصهار داخل طابع عسكري تقوم إدارة المدرسة بفرضه، ويقوم الجيش الإسرائيلي بإشراك الأطفال في تمرينات عسكرية في مجالات مختلفة، قسم منها يتم عن طريق التطوع وقسم آخر يجرى إدراجه في سياق واجب التلميذ في المدرسة.
وزادت «نيو بروفايل» على ما كان معروفاً بشأن ذلك في نطاق ضيق، كما تؤكد، معطيات خطيرة بشأن حقيقة استغلال مجهود أطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة في الجيش الإسرائيلي، إذ تقوم مدارسهم بإرسالهم إلى معسكرات للجيش للعمل هناك في أشغال سهلة نوعياً وبزي عسكري ويشير التقرير إلى حقيقة عدم تمكن هؤلاء الأطفال من معارضة إرسالهم إلى المخيم العسكري.
من ناحية ثانية يشير التقرير إلى التعليم الذي يتلقاه أطفال المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وهؤلاء الأطفال، حسبما جاء في التقرير، يتربون على إيمان مطلق بموجبه عليهم طرد الفلسطينيين، ويختارون التعامل معهم وفقاً لما تربوا عليه فهم يتربون داخل جو عنف يقوم به المستوطنون ضد الفلسطينيين والجنود ونشطاء السلام.
ويتوجه التقرير إلى وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية من أجل إعادة النظر في التثقيف للخدمة العسكرية وتقليله داخل المدارس وإن واجب الجهاز التعليمي الإسرائيلي، الذي يجب أن يعمل لصالح التلاميذ الإسرائيليين، يؤجل ويبعد جانباً مقابل متطلبات الجهاز العسكري ويثني التقرير على ضرورة إقامة دوائر اجتماعية من أجل تطوير المجموعات المستضعفة والتوقف عن بناء مجتمع عن طريق التجنيد، ويزيد التقرير ان هذا الهدف لا يستطيع الجيش تحقيقه ولم يولد أصلاً لتنفيذه. ويحمّل التقرير «إسرائيل» المسئولية فيما يتعلق باستغلال الأطفال الفلسطينيين لحاجات عسكرية ويطالب «إسرائيل» بأن عليها الاعلان عن أنها المسئولة عن الحفاظ على الأطفال الفلسطينيين وان تغير موقفها فيما يتعلق بتعذيبهم وإنه يجب على «إسرائيل» إقامة أجهزة قوية لدرء الخطر من استعمال هؤلاء مستقبلاً، وخصوصاً عندما يجري الحديث عن الأطفال.
ويشير التقرير الى أن في «إسرائيل» ثمة ما يسمى بـ «التجنيد الرمزي» ويتناول التقرير، في هذا الصدد، فعاليات «رابطة الجندي» المشاركة في النشاطات مثل بناء النوادي وملاعب الجمباز في قواعد الجيش، و«صندوق ليبي» (الصندوق من أجل أمن «إسرائيل») الذي يدعم مالياً سلسلة واسعة من النشاطات في صفوف شباب لا يمتازون بمواهب تساعدهم على نيل تعليم في الجيش من خلال تمويل أبحاث وإجراءات أمنية متقدمة. وبشكل ملحوظ فإن «رابطة الجندي» تنظم يوماً لجمع النقود سنوياً يسمى «شيروتروم» (أي أغنيات وتبرعات) تخصص له القنوات التلفزيونية والراديو العسكري يوماً كاملاً من الصباح الباكر إلى ساعة متأخرة من المساء، ونشرات إذاعية خاصة تشجع الناس على التبرع ومتابعة المبلغ الذي جمع وفي هذا الحال يقوم الصغار والكبار بالتبرع لـ «رابطة الجندي».
ويؤكد التقرير أن التبرع يعطي الناس شعوراً بالمشاركة الشخصية في المجهود الحربي والدعم الفردي للجنود، في الوقت الذي لا يجعل فيه مجرد دفع الضرائب الناس يشعرون كذلك وهكذا فإن الشخص الذي يقدم هذا التبرع هو مجند رمزياً، وهذا التجنيد الرمزي يعتبر طريقة قوية لحشد المجتمع بأسره من أجل المجهود الحربي. وأكد التقرير في هذا البند على أن أحد أشكال التجنيد الرمزي الذي يتعرض له معظم الأطفال في «إسرائيل» هو الممارسة الشائعة في جمع وإرسال الهدايا للجنود وخصوصاً في العطل، وتأتي المبادرة أحياناً من المدرسة نفسها ولكن غالباً يتم تشجيع الممارسة من قبل وزارة التربية والتعليم ومن قبل سلطات البلديات المختلفة. ومن الحوادث التي تناولها التقرير ايضاً حدث نظمه مجلس الجولان الإقليمي وضم (550) طفلاً من رياض الأطفال في هضبة الجولان احتفلوا بيوم الاستقلال مع الجنود في قاعدة (سار) العسكرية وبدعم من دائرة الأمن التابعة للمجلس الإقليمي في الجولان وقائد قاعدة «سار». ونظم الجنود احتفالاً دافئاً وترحيبياً للأطفال وشمل التحيات والأناشيد والرقص وتجول الأطفال في القاعدة وشاهدوا عرضاً عسكرياً وسلموا هدايا للجنود احتوت على علبة حلويات من كل روضة مزينة باعلام «إسرائيل»، ونظراً لنجاح الحدث العظيم فإن دائرة التعليم قررت أن تصبح هذه التجربة تقليداً.
وأشارت «نيو بروفايل» إلى ان المناهج الرسمية والكتب المدرسية تعكس المواقف العسكرية الموجودة في نظام التعليم الإسرائيلي على طول المراحل، من مرحلة الروضة إلى آخر سنوات المدرسة الثانوية، إذ يوجد برنامج منتدب لجميع المدارس التي تديرها الحكومة ويسمى الإعداد لجيش الدفاع الإسرائيلي ويشمل فعاليات في التدريب العسكري الفعلي وموضوعات منهجية وكثيراً ما يوصف للتلاميذ وفي الوثائق الرسمية أن هدفها هو إعداد الطلاب أو بعضهم للخدمة العسكرية. وجاء في التقرير إن الجيش الإسرائيلي وبالتعاون مع وزارة التربية ووزارة الأمن يقوم منذ تأسيسه بتشغيل برنامجين واسعين موجهين إلى طلاب المدارس: برنامج «الجندي المدرس» وبرنامج «المرشدين الشباب» وبرنامج الجندي المدرس هو برنامج في مجال واسع لتدريب الجنود ليصبحوا مدرسي لغة عبرية للتلاميذ المهاجرين ومدرسي لغة عربية، ويكون جزءاً من التأكيد في هذا البرنامج على تقوية الطلاب في طرق تفيد الجيش لاحقاً ومثال ذلك دمج متعلمي للغة العربية في جهاز المخابرات. أما برنامج مرشدي الشباب فهو برنامج آخر مشجع بالتعاون بين وزارة التربية ووزارة الأمن والجيش الإسرائيلي ويشتغل المرشدون الشباب في مشروعات عدة، بعضهم يشتغلون مع الأولاد في المناطق المحرومة وبعضهم مسئولون عن تدريبات المحاربين الشباب وبعضهم يخدمون في المدارس كمنسقين لبرامج الاستعداد للخدمة العسكرية ويكون الجنود المدرسون والمرشدون الشباب في الغالب دائماً تحت الالتزام بأن يرتدوا زي الجنود ويتمسكوا بقوانين العسكرية ويقدمون تقارير إلى مشرفيهم المدنيين والعسكريين.
ويتناول الجزء الثالث من التقرير الأعمال العدائية التي يربى عليها أطفال المستوطنات إذ يقوم الأطفال بالاشتراك مع الدولة في منظمات حراسة محلية لحماية الأمن حول المستوطنة ووجد الباحثون في كثير من المستوطنات فتياناً تتراوح أعمارهم بين ( 15 إلى 18) يتطوعون لصفوف هذه المنظمات ويعمل هؤلاء في ميادين مختلفة، فهم يحرسون المستوطنات وبعضهم يعمل في غرفة العمليات أو يقومون بعمل المكتب في مقر الشرطة، بينما معظم العمل يجري خارج وحول المستوطنة، يذهب الأطفال في أزواج ويقومون بنشاطات الحماية حول المستوطنة، ويحملون السلاح، وأعتمد التقرير على شهادة بعض الأطفال الذين ظهروا في التقرير بأسماء مستعارة. ومع أن التقرير يشير إلى أن أحداً لا يجبر الصغار على المشاركة بالقوة في نشاطات الحراسة والقتال، إلا أنه يؤكد أن هناك ضغطاً اجتماعياً ضخماً للمحافظة على أمن المستوطنة. كما يتطرق إلى وجود أطفال يشتركون في حوادث عنف من غير أن يكونوا منضمين في أية حركة أو منظمة شبه عسكرية ويعود هذا إلى التربية المرتكزة على إلغاء الفلسطيني وإلى اعتبار البعض مسألة روتينية يومية بالنسبة لبعض الأطفال أن يخرجوا خارج المستوطنات إلى البلدات الفلسطينية والقرى وكثيراً ما يهاجم الأطفال الجنود الإسرائيليين أيضاً.
استعمال الأطفال الفلسطينيين للأغراض العسكرية
يعلق التقرير أيضاً على طريقتين يجند من خلالهما الأطفال الفلسطينيون من قبل القوات المسلحة الإسرائيلية: إحداها هي استعمال الأطفال الفلسطينيين كمتعاونين، والذي سبق أن كان في صلب التقرير الفلسطيني الدولي للدفاع عن الطفل ويؤكد التقرير ان إحدى النواحي المقلقة جداً في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي الحالي هي المستوى العالي لشمول الأطفال كضحايا للعنف وكجنود مجندين وعملاء، وتعتبر سلطة الأمن الإسرائيلية الأنشط في هذا الخصوص، إذ تستعمل استراتيجيات مختلفة للحصول على المعلومات، من أبرزها تجنيد الفلسطينيين المعروفين بالمتعاونين واستعمالها عملاء في الميدان.
واعتبرت «نيو بروفايل» ان موضوع المتعاونين حساس لجميع الأطراف المشمولة ومن الصعب الحصول على أدلة ملموسة عن المسألة، وسلطة الأمن الإسرائيلية غير معنية بالكشف عن معلومات تتعلق بنشاطاتها في المجتمع الفلسطيني، وان سلطة الأمن الإسرائيلية تستعمل التعذيب كأسلوب ضغط وجزء من تكتيك لتجنيد المتعاونين الاطفال.
واعتبرت «نيو بروفايل» استعمال التعذيب ضد أي شخص جريمة ضد الإنسانية، مرتكزة على قانون روما لمحكمة الجنايات الدولية (1998)، واعتبرت أيضاً أن التعذيب جريمة شنيعة للغاية وخصوصاً عندما يكون هدف التعذيب إجبار ذلك الطفل على خدمة نظام أمن الدولة المحتلة
العدد 712 - الثلثاء 17 أغسطس 2004م الموافق 01 رجب 1425هـ