للذين لا يعرفون جنوسان، هو اسم يطلق على قرية صغيرة تقع على شارع البديع في المنطقة الشمالية من جزيرة البحرين الأم.
تعددت الآراء في حقيقة اسم جنوسان، يذكر المؤرخ الشيخ محمد علي التاجر في كتابه «عقد اللآل في تاريخ أوال» أن اسم جنوسان هو اسم مركب من لفظين هما «جن وإنسان» فاختزل فيما بعد ولحقه التحريف، فأصبحت باسم جنوسان.
فيما يذهب الناصري في كتابه «مسميات قرى البحرين» إلى أن اسم جنوسان أصله دلموني محرف عن اسم «جون سان». ويذكر البعض من أهل هذه القرية أن اسم جنوسان جاء تحريفاً من «جنة الإنسان»، لما بها من عيون ماء دافقة وبساتين ناظرة.
وبالرجوع إلى سلمان المحاري، أحد أبناء القرية، يقول: «إن اسم جنوسان هو اسم فارسي الأصل، أطلق على هذه القرية في أيام الحكم الصفوي للبحرين، وتعني كلمة «ستان» في اللغة الفارسية «الأرض أو المكان»، وبما ان جنوسان كانت كالجنة بخضرتها ومياهها العذبة، فقد أطلقوا عليها اسم «جنة ستان» أي أرض الجنة، والذي حرف مع مرور الوقت وتحول إلى جنوسان».
ويمضي المحاري في القول: «يقطن هذه القرية والتي يغلب عليها الطابع العشائري الكثير من العائلات، منها ما يرجع أصوله إلى هذه القرية، ومنهم من قدم إليها منذ عدة عقود واتخذوها مسكنا لهم (...) وكانت جنوسان تمثل منطقة جذب لعدد من سكان القرى المجاورة، لما تتمتع به هذه القرية من أرض خصبة خضراء ومياه عذبة صافية، بالإضافة إلى قربها من البحر، لذلك كان أهلها يمتهنون الزراعة وصيد السمك وبعضهم مازال يزاولها حتى الآن».
معالم أثرية
وبحسب المحاري فإن أبرز معالم جنوسان هي التلال الأثرية الست، التي يرجع تاريخها إلى فترة تايلوس (الهلنستية) ما بين 300 قبل الميلاد و200 ميلادية، أي أن تاريخ أول استيطان لقرية جنوسان يرجع إلى ما يتجاوز 2000 سنة.
هذا التقديم التاريخي لهذه القرية المنسية، بالمقارنة مع باقي القرى التي تشهد توسعاً آتٍ ومدن لاتزال على الورق، لا تأتي بسبب التفات المسئولين لحالها وللعناية بسكانها وبآثارها العتيقة... بل هو مدخل يستدرجنا لعرض الواقع الذي يجعل القرية تضيق على أهلها وتحجرهم في مساحة محدودة جداً لا تتعدى 10 في المئة منها بحسب تقدير أهلها، لتبقى المساحة الأكبر من نصيب الحدائق والبساتين التي يسكنها الأجانب، والأراضي الموهوبة والمستملكة، فيما يبقى أبناء القرية يتفرجون على قريتهم التي لا ينعمون بها ويندبون حظهم الذي لا يجعلهم يوازون أبناء القرى المجاورة الذين سيطالهم مشروع تطوير امتدادات القرى أو طالهم فعلاً.
ولايزال للخوف مكان
أحد أبناء القرية الناشطين، وهو الشيخ حسن الجنوساني يقول: «نحن نعيش في قرية تئن بسبب قلة الاراضي، ولايزال الخوف يعمي قلوب الناس ولا يريدون التحدث، فهذا تاجر خائف على مصالحه، وذاك فقير يخشى نقمة الجهات الرسمية وحرمانه من الخدمات مستقبلاً، وهذا سياسي يخطط للانتخابات المقبلة ويجمع له أصوات الناخبين من الآن».
ويواصل حديثه بالقول: «خططنا العرائض وسجلنا احتجاجات كثيرة، خرجنا في مسيرات تطالب بتوفير السكن الكريم لأبناء القرية الذين لا يملكون إلا التفرج على أرضهم التي تهدى كل يوم قطعة منها إلى وجهاء ومتنفذين، وهنا ينسف موضوع الأقدمية، وأهل القرية مكتوفو الأيدي، يحول الفقر دون أن يملكوا قطعة صغيرة في منطقتهم».
ويضيف بحدة أعلى: «خرجنا مسيرة سلمية قبل عام لنلفت أنظار المسئولين إلى المعاناة التي يعيشها أبناء القرية، وكتبنا الرسائل الواحدة تلو الأخرى إلى الإسكان، وشرحنا وضع القرية بالتفصيل، لكننا نرى أن القادرين يستملكون القرية بلا شروط، فيما أهل القرية الحقيقيون يتكدسون فوق بعضهم في بيوت قديمة متهالكة... هناك 5 عائلات تعيش مع بعضها، هناك طلبات أسر تعود إلى الثمانينات ولم تحصل إلى الآن على خدمة إسكانية (...) من يعرف كيف نعيش، من اكترث وانتشلنا مما نحن فيه؟».
«قبل عامين وزعت قسائم في القرية على أصحاب طلبات من خارج القرية، تحت ذريعة الأقدمية، والقرية فيها مئات المنتظرين، وعندما يراجع أبناء القرية يقال لهم إن الشروط لا تنطبق عليهم لأن دخلهم أقل من 500 دينار(...) ماذا يفعل الفقير والبحار والمزارع».
لماذا الاستثناء
ويواصل من دون ان يعطي مجالاً لطرح سؤال: «مثلاً، كل التوسعة الإسكانية التي ستطال كرانة ستكون لأبنائها، هذا ما كان يكرره المسئولون، فلماذا تستثنى جنوسان من ذلك، وتكون القرية مملوكة لغير أبنائها، لماذا توزع هبات على الموسرين والذين يقدمون خدمات للدولة وينسى ارتباط الأهالي بأرضهم وعدم مقدرتهم في الخروج عنها لارتباطهم الوجداني والأسري بها؟».
وبالسؤال عن الجهود التي قام بها أبناء القرية غير المسيرات والرسائل يقول الجنوساني: «شكلنا لجنة من 20 فرداً من كبار أهل القرية، وذهبنا إلى زيارة المحافظ الذي فتح لهنا مكتبه وأعطانا فرصة لشرح مشكلتنا مع الأزمة السكنية، سلمناه رسالة مفصلة تحمل القضية (...) وعندما زارنا سمو ولي العهد قبل الانتخابات وعاين وضعية أهل القرية وشاهد سموه معاناتهم الحقيقية وعدنا خيراً، مضى على الانتخابات قرابة العامين والأهالي مازالوا ينتظرون».
الإحباط يتملك
ويزيد: «القرية تملكها الإحباط، والقرويون يريدون أن يعرفوا أين وصلت المساعي لنشلهم من البؤس الذي يعيشونه، يرون القرى الأخرى فرحة بمشروعات تطويرية آتية، وهم المستثنون».
«نحن القرية الوحيدة التي لا تملك مركزاً ثقافياً أو نادٍ رياضي، والشباب والأطفال يلعبون في الأراضي المملوكة، وبين الحين والحين يطلب منهم المالك مغادرة أرضه، وبدلاً من أن تتسع القرية للنوادي والمراكز الثقافية تتسع لنوادي السكر والمجون... ليس هذا وحسب، بل أيضاً يزعجهم أن نقرأ دعاء كميل عن طريق السماعة ليلة الجمعة ليطلبوا أن نخفض الصوت!».
يرى الجنوساني أن قريته بعيدة جداً عن القرية المتكاملة التي يحلم بها أهالي جنوسان، فيقول متسائلاً: «أليس النموذج أن تكون في القرى مشروعات إسكانية تفي بحاجات أهاليها بعد عقود الصبر والعذاب؟ أليس من المنطق أن نطالب بشوارع مرصوفة، وحدائق وملاعب لأطفالنا... هل نحن بهذا نطلب المستحيل؟».
نظرة إلى الوراء
وبالرجوع إلى الخلف، ففي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي قال محافظ المنطقة الشمالية أحمد بن سلوم - تعقيباً على اعتصام نظمه أهالي القرية ليومين متتاليين - إنه مستعد لمتابعة قضية أهالي جنوسان، ساعياً إلى التعرف على جميع أبعاد القضية لرفعها إلى الجهات المختصة لحلها، في الوقت الذي استنكر أهالي جنوسان التجاهل الذي أبداه مسئولو الدولة وخصوصاً وزارة الإعلام التي وعدت بعرض القضية عبر برنامج تلفزيوني يلخص مشكلة نقص الأراضي لتوصيل أصواتهم إلى المسئولين.
حينها علق على ذلك الرئيس التنفيذي السابق لهيئة الإذاعة والتلفزيون خليل الذوادي «وعداً مني أن أعرض القضية للمناقشة في برنامج (حياكم معانا) بعد العيد لأننا نكون مرتبطين في شهر رمضان بالبرامج الرمضانية الخاصة بهذا الشهر الكريم، وحتى الان لم تعرض القضية من خلال التلفزيون أو الإذاعة».
لا شيء سوى المقترحات
إلى ذلك، أشار عضو المجلس البلدي للمنطقة الشمالية جمعة الأسود - الذي شارك الأهالي اعتصامهم - إلى أن المجلس ليست له أية نفوذ على الوزارات الخدمية، وإنه لا يملك سوى تقديم المقترحات.
فيما علق النائب جاسم الموالي: «نطرح على مجلس النواب مشكلات عامة تهم جميع المناطق ولا نحصر المشكلة في منطقة واحدة، ولكن لو كانت هناك مقترحات من أهالي القرية فأنا مستعد لعرضها على الوزير»، مضيفاً «يجب وضع استراتيجيات على مستوى البلد، والنظر بجدية في موضوع الإسكان، لأن وزارة الأشغال والإسكان في الحقيقة غير جادة في معالجة الأمور».
و بعد 3 أشهر من الانتظار، بدأت وزارة الأشغال والإسكان العمل في مجاري جنوسان بكلفة إجمالية قدرت بـ 97 ألف دينار، على أمل أن ينتهي المشروع أواخر العام الجاري.
وقتها عاد ممثل المنطقة الأسود، إلى القول إن أهل القرية مستاءون من تأخير أعمال المجاري، وأن القرية تعاني من الروائح غير المحتملة، وأن الشوارع مليئة بالمياه، وأن أهالي المنطقة معولون كثيراً على وعود سمو ولي العهد عندما زار المنطقة بطريقة مفاجئة ووعدهم بإصلاح ما تعاني منه قـريـتـهـــــم. كــــل تلــك التصــــــريحـات الأرشيفية، لاتزال في الأرشيف ولم يطرأ عليها جديد، ليبقى الحال هو الحال ذاته، ولا يملك الأهالي الا الأمل وقدراً وافراً من الانتظار يكاد ينضب.
الآثار من جديد
وبالعودة إلى المحاري فإن «الحفاظ على التلال الأثرية الموجودة في القرية هي من أولويات مشروع تطوير القرية، لأنها تمثل لنا تاريخاً وهوية»، وبإصرار جاد يقول: «لن نقدم مصالحنا الشخصية على مصلحة هذا الوطن وتاريخه، فهذه الآثار تمثل معلماً مهماً من معالم القرية ولن نقبل بإزالتها لأجل بناء مساكن مكانها».
المعاناة التي تعيشها جنوسان هذه جذورها، عرضناها باختصار شديد، لأنه لو أردنا التفصيل، لكانت في كل بيت من تلك البيوت التي يتكدس فيها البشر حكاية ورواية، وتبقى جنوسان لا تريد إلا تحقيق وعود طال انتظارها... علها تصبح جنة إنسانها
العدد 712 - الثلثاء 17 أغسطس 2004م الموافق 01 رجب 1425هـ