الانتماء سمة تشترك فيها الكائنات العاقلة وغير العاقلة، وربما تشترك فيها أيضاً غير ذوات الأرواح، إذ تمتزج العناصر المنتمية إلى تركيب كيميائي لتتجانس، وتنتمي الدواب إلى قطعانها، وهكذا ينتمي الإنسان أيضاً إلى دوائره التي تنطلق منه لتكبر في دوائر تتسع، وكلما اقتربت الدوائر من ذاته، كانت العصبية أشد، ومجال التفكير أضيق.

ومع ذلك، فإن الاعتماد على العصبية وحدها في التعامل مع الأمور والمتغيرات له أكثر من سوءة، وخصوصاً إذا ما ألغي التفكير لصالح الانتماء، وهذا أمر يخشى على المنتمين إلى الإعلام منه، إذ إنهم - في وسط إعلام غير مسيّس ولا يسمح إلى الآن بإطلاق الأحزاب - يتخذون من الوسائل الإعلامية المتاحة التي تخاطب كل الناس من منطلق أنها وسائل «مستقلة»، مجالاً لإسقاط انتماءاتهم من خلالها، غير آبهين بأنهم إنما يتوجهون إلى الرأي العام في الخطاب وليس إلى منتمين إلى حزب أو تيار فكري محدد.

هنا تبرز المماحكة الدائمة بين السياسي والإعلامي، فإذا امتزج الاثنان في ثوب واحد، فإن أحدهما ستكون له الغلبة، وسيقف انتماؤه حائلاً دون الرؤية المتوازنة للأمور، وسيغلب على تعاطيه ما ينعكس من رأي جماعته فيما يكتب أو يطرح، وتبقى الأجهزة الإعلامية الوطنية - على كل أشكالها - نهباً لمن يدفع بعناصر أكبر من تياره فيها.

وقد ابتليت صحافتنا بشيء غير قليل من العناصر المنتمية إلى الصحافة بدرجة ثانية بعد الانتماء السياسي، فيغلب الطرح السياسي المؤدلج على الطرح الصحافي الأوسع أفقاً، ويتم تلوين الموضوعات - ليس في كل صحيفة بل في كل مقال أو خبر باللون الذي ينتمي إليه الصحافي، أصفر، أحمر، أخضر، أزرق... إنها «تلاوين الطيف السياسي» ولكنها قليلاً ما تحمل لون الصحافة التي عليها ألا تنظر إلى الأمور بمنطق الأحزاب، بل بمنطق من يراقب الأحزاب والدولة جميعاً