ما هو المطلوب من الصحافة في تعاملها مع مجلس النواب الموقر؟ وهل المطلوب أن يقابل الصحافي رئيس المجلس ليخرج بلقاء «مميز» يبدأه بالشهادة بالله ان رئاسته للمجلس أكسبت المجلس الكثير من المزايا التي يتفرد بها على باقي المجالس الأخرى؟ وهل من ضمن هذه المزايا أن سعادته ترك الصحافة ووسائل الإعلام تمارس دورها في حريةٍ كاملةٍ من دون أي تدخل منه شخصياً؟ وهل يُتصوَّر ان يكون الرئيس حامل عصا يهش بها على الصحافيين ويطردهم من حظيرة قدسه؟ وهل من ضمن هذه «المزايا الإلهية» انه أمر بتسليم جداول أعمال المجلس كاملة للصحافيين؟ أم أن بعض هذه «المزايا» المفترضة يدخل في سياق المهمات الموكلة إلى صاحب المنصب والمفروض أن يقوم به من دون منّة على أحد لقاء ما يتسلمه من مخصص مالي كبير من خزانة الدولة؟ وهل من صلاحيات رئيس المجلس أصلاً أن يتدخل لمنع الصحافة من ممارسة دورها حتى نعتبر ذلك ميزة؟
ان هذه «النظريات» البديعة تثير الكثير الكثير من مثل هذه الإشكالات التي تصطدم بالعقل والمنطق، ولكن السؤال الأكبر: ما هو الدور المفترض أن تقوم به الصحافة أصلاً؟
إن من المؤسف حقاً الترويج لمثل هذه الأمور المتخلفة من فترة قانون أمن الدولة، ما يذكّر الناس بتلك الفترة التي يفترض المرء اننا تجاوزناها وانتهينا من مسح مخلفاتها، حتى تصل إلى ذروة الكشف الروحي بالقول انه «الرئيس الذي هيّأه الله لتولي هذا المجلس في هذا الظرف التاريخي»! ألهذه الدرجة من الكشف الروحي تصل الصحافة؟ هل نحن نعيش في أوائل القرن الحادي والعشرين أم ما زلنا نعيش عصر نظريات التفويض الالهي؟ ألا يذكّركم ذلك بقصة المنصور الدوانيقي حين كان يقف في المسجد ويجلجل بصوته في الناس: «أنا ظلُّ الله في الأرض»؟!
لا أدري إن كان الممدوح اتصل بالصحافي يعاتبه على هذه الادعاءات أم لا، أم انه يعتبرها حقائق علمية لا يرقى إليها الشك، ومن ضمن المهمات التي يفترض أن تقوم بها الصحافة المحلية لتحظى بالقبول والاستحسان!
المعارضة وغزو الصحافة!
على ان الوجه الآخر من العملة، هو الموقف من الصحافة اليوم، بعد أن بدأت تتكلم وتنقل وجهات نظر غير تلك التي اعتاد القوم على سماعها، من نوع «اتته الخلافة منقادة»... فلا يصلح زوجاً إلا لها! فـ «حلاوة» الصحافة أن تجلس مع المسئول، مطأطئة الرأس، تتكلم بخَفَرٍ وحياء، مثل العروس ليلة دخلتها، بحيث لا يُسمَع صوتها، لا تحرك ساكناً، وعليها أن تجلس وتأتمر بالأوامر، فمتى أراد منها التخفف من ملابسها تأتي إليه منقادة! فهكذا يكون تنفيذ أوامر ورغبات الفحول!
وإلا فان «الصحافة المحلية اليوم قد غزتها المعارضة التي أصبحت لديها أدوات قمع من خلال بعض الكتاب»! مرة واحدة، خلال عامين أو ثلاثة، غزت المعارضة الصحافة، وينسى أن هناك سقفاً فوق رؤوس الكتاب لا يستطيعون تجاوزه، باسم قانون الصحافة، فيه من المحاذير ما يرعب الشجاع عن الدنو من الحمى القدسي.
المشكلة في هذا التفكير هو انه متيقن من أن المعارضة لا حق لها في الوجود ولا في الحياة، تماماً كما كانت قبل ثلاثة أعوام. كان المكان الطبيعي أن يتشرد آلاف المواطنين الذين لا يتفق معهم في وجهات النظر، في منافي الأرض شرقاً وغرباً، أو يدخلوا المعتقلات، بمرافقة عبدالله فخرو في رحلات العذاب والتشرد والغربة في الأقبية المبثوثة في انحاء الوطن. ويسوؤهم جداً أن يروا المواطن «الآخر» حراً من دون قيود في يديه ورجليه. ورثة عهد أمن الدولة الشرعيون، تربّوا على الفكر الاستئصالي فهم من أخلص المخلصين للجمود وبقاء المياه الآسنة. من هنا يستكثرون أن يكون للمواطن متنفسٌ في الصحافة يعبر فيها عن بعض خوالجه وهمومه. بعضهم كان صريحاً جداً، على غير عادته مع المسئولين، حين لامهم على الاصلاح بقوله بملء الفم: «الخطأ خطأكم، فأنتم الذين سمحتم بالديمقراطية والصحافة الحرة، وعليكم ان تتحملوا النتائج»! فهل يرتجى من أمثال هؤلاء الخوف على الوطن والحرص على مستقبل الأجيال؟
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 711 - الإثنين 16 أغسطس 2004م الموافق 29 جمادى الآخرة 1425هـ