هل هو لغز محير... مقتدى الصدر أم جزء من غموض الوضع السياسي في العراق؟ وما التوازنات التي تحركه في قبال توازنات القوى السياسية الأخرى؟ الواضح أن أجندة العمل السياسي قتلت باستشهاد الشهيد محمد باقر الحكيم بوصفه الحلقة الوسيطة بين المرجعية الدينية والسياسيين، وقدرته على إيجاد توازن سياسي يحتمل كل الخيارات مع المحتل، حتى لو قدم الحل السياسي وأخَّرَ الدعوة إلى الجهاد، فالاحتمالات الأخرى ستبقى مفتوحة إذا ما جاءت النتائج السياسية خلاف المطلوب، فالحكيم كان قادراً على ترجيح أي من الخيارات، ولذلك جاء اغتياله ليغتال الحل السياسي معه.
أما خيارات الاحتلال على المستوى السياسي، فهي التي رَجُحت، وبدأ النفس البعثي يتحرك من جديد من خلال وزارتي الدفاع والداخلية، كما أن الحكومة ليس بها تمثيل فعلي للقوى السياسية بالنظر إلى ثقل هذه القوى في الساحة العراقية، فهناك استسلام للمحاصصة السياسية التي فرضها الاحتلال، نتيجة تعب القوى الأساسية من استضعاف صدام، ورضوخها لخيارات الأميركان من دون أدنى مقاومة، ما يكشف طبيعة التناقض بين خطاب هذه القوى، واستنفار إيران وحزب الله لها تحديداً لتحريك خيار المقاومة من جديد.
في هذه الأجواء المتهالكة، يأتي خيار مقتدى الصدر، من دون المزايدة على طهارة انتمائه عبر الإشارة إلى وجود بعثيين في صفوف جيشه، فهذا كلام يدحضه تأسيس والده القَبْلي لخريطة الساحة العراقية، ويكشف عنه حجم التمثيل والمندوبين لتيار الصدر في كل المدن العراقية، فضلاً عن كون هذا التيار تيار المستضعفين والمحرومين الذين تحصدهم آلة الاحتلال بالمئات في مقاومة عفوية، بعيداً عن التخطيط الذي تحركه العمليات المنظمة، والتي تحصد العراقيين قبل المحتلين، وتكشف عن نَفَسٍ إرهابي تدميري، فخيار مقتدى الصدر هو الخيار المؤجل للقوى السياسية إذا انكشفت الرؤية لها أكثر، وضاعت حصصها السياسية، وقد تعجّل به (الخيار) فأفلح، وحشر الجميع في زاوية ضيقة
العدد 710 - الأحد 15 أغسطس 2004م الموافق 28 جمادى الآخرة 1425هـ