مع احتدام المواجهات في النجف بين قوات الاحتلال الأميركية المدعومة بالآليات العسكرية الثقيلة وطائرات إف 16 بغطاء رسمي من الحكومة العراقية، وأنصار الزعيم الدينية مقتدى الصدر، في عمليات عسكرية واسعة وصفها المتحدث باسم وزارة الداخلية العراقية بـ «الاختبار الحاسم» للحكومة الانتقالية، تكررت في عناوين الصفحات الأولى للصحف العربية عبارة «القوات الأميركية تدخل النجف وتقتحم منزل السيد الصدر» وشجبت تعليقات الصحف وافتتاحياتها أعمال العنف والمجازر الجارية على يد قوات الاحتلال في المدينة المقدسة. وفيما أبرز البعض وجود مشاركة للقوات العراقية في العمليات ضد «جيش المهدي» للفت الأنظار إلى ان هذا الجيش خارج على القانون. حمل البعض الآخر الحكومة العراقية مسئولية هذه المجازر... وعلى رغم عدم وجود اصطفاف واسع في الصحف العربية وراء «التيار الصدري» أجمعت هذه الصحف على خطورة التعرض لمثل هذه القوى المقاومة مؤكدة ان إنهاء «جيش المهدي» لن يحل مشكلة الاحتلال في العراق. ولن يؤدي سوى إلى مزيد من الشروخات بين الحكومة الانتقالية والشعب العراقي. لكن تعليقات لافتة برزت أيضا، تنتقد ضمنا القوى الدينية الأخرى وخصوصا المرجعية الروحية، التي اعتبر بعض المعلقين ضمنا انها «خذلت» التيار المقاوم للاحتلال والمتمثل بالزعيم الشيعي مقتدى الصدر. وأكد رئيس تحرير «السفير» جوزيف سماحة، انه يجب على قادة سياسيين وروحيين أن يحسموا حال الفصام التي يعيشونها: إن الانفكاك الكامل عن المشروع الأميركي هو شرط لأن تكون لهم كلمتهم في مصير بلادهم وإقليمها. ولاحظ سماحة، ان هؤلاء القادة «لا يدركون المعنى الرمزي ذا الشحنة الهائلة لأن تكون لندن، اليوم، العاصمة الروحية والسياسية للعراق!».
«حمام دم في النجف»، تقول افتتاحية «الدستور» الأردنية، وتمنت أن تحمل الأيام المقبلة وساطة أو حلا يوقف حمام الدم في العراق! وكتبت شقيقتها «الرأي» افتتاحيتها تحت عنوان «ليتوقف حمام الدم وهذا الموت المجاني». وأكدت ان تداعيات الكارثة المحدقة بالنجف لن تكون سهلة حتى لو تم الحسم العسكري، لأن الأكلاف الباهظة ستتجاوز في أبعادها السياسية والاجتماعية ما هو معلن... وتساءلت لمصلحة من يجري هذا التدمير المقصود والممنهج الذي يأخذ بعدا كارثيا في مدينة مثل النجف بكل ما تمثله في التاريخ والوجدان العربي والإسلامي؟ وعنونت «الخليج» الإماراتية بـ«عراق الكارثة» وجاء في افتتاحية «البيان» الإماراتية، «لغة القوة تجلب الكراهية» كذلك كتبت «الشرق» القطرية «سياسة التصعيد في العراق لن تحل المشكلات» ولن تؤدي أبدا للقضاء على المقاتلين العراقيين بل ستزيد الأمور تعقيدا، وستؤجج مشاعر الكراهية لدى الشعب بجميع طوائفه تجاه الحكومة العراقية وقوات التحالف. في حين كتبت «الراية» القطرية عن «مجزرة النجف» واعتبرت انه ليس هناك أي قدر من التكافؤ بالإمكانات، كي يتم اجتياح المدينة المقدسة بهذه الطريقة القاسية. واعتبرت انه من الخطأ الاعتقاد بأن عملية اجتياح النجف سيؤدي إلى إنهاء التيار الصدري... وقد استغربت «الراية» صمت العالم العربي والإسلامي والمجتمع الدولي عن هذه المجازر وكأن شيئا لم يحدث! وكشفت «الوطن» السعودية، استنادا إلى معلومات مصادر أوروبية وثيقة، ان القيادة العراقية أبلغت دولا عربية وأوروبية، ان المعركة ستمتد إلى المثلث السني بعد معالجة مشكلة «جيش المهدي» كما لفتت إلى تيار متصلب في حكومة علاوي يطالب باعتقال أو تصفية الصدر... وقوى عراقية تخطط لعمليات تخريب في سورية وإيران. فهناك جهات عراقية يمكنها أن تستغل الأوضاع المتدهورة لدفع معارضين إيرانيين وسوريين إلى تنفيذ عمليات تخريبية داخل الأراضي الإيرانية والسورية. وفي افتتاحيتها اعتبرت الصحيفة السعودية ان «سيادة العراق مسئولية مشتركة» معتبرة ان التصاعد في أعمال العنف والفلتان الأمني الكبير في العراق يعكس حال عدم احترام لسلطة الحكومة العراقية المؤقتة من قبل معظم الجهات المتصارعة على الساحة العراقية. وشددت على ان إيجاد حل لتيار العنف المتصاعد يتطلب تعاونا من جميع الجهات المتصارعة بما في ذلك الميليشيات المسلحة التي عليها أن توقف عمليات الخطف والذبح لبعض الأبرياء في العراق، وكذلك الجيش الأميركي وباقي قوات التحالف. وختمت معتبرة انه إذا كانت أميركا تطلب من الآخرين احترام «سيادة» الحكومة العراقية، فحري بها أن تبدأ بذلك أولا... وعنونت «القبس» الكويتية «الحسم العسكري على الأبواب في النجف». وتحدثت «السياسة» الكويتية، عن مخطط إيراني لتهريب الصدر إلى إيران، على رغم إعلانه انه مستعد للموت في النجف. مؤكدة ان القوات الأميركية وقوات الحرس الوطني العراقي سدت كل المخارج والمسارب من النجف بحيث لم يعد هناك أي أمل للصدر ولمن وصفتهم بأنهم عملاء الاستخبارات الإيرانية العالقة بداخلها في مغادرتها بعد الآن. ولفتت «الشرق الأوسط»، إلى «خلية طوارئ للقيادات الشيعية في لبنان» فقد لاحظت في تقريرها من بيروت ان القيادات الشيعية اللبنانية تعيش حال استنفار قصوى لمراقبة الأوضاع المتدهورة في النجف وكربلاء. ونقلت عن مصادر مطلعة ان رئيس مجلس النواب نبيه بري «ينسق» هذه الاتصالات، والذي يبدو انه على اتصال دائم بقيادات شيعية في لبنان وخارجه سعيا لاحتواء الأزمة. لافتة إلى ان دور بري برز في هذا الإطار منذ قيامه بالدور الرئيسي في تنسيق مرور المرجع الديني السيدعلي السيستاني من العراق إلى لندن عبر بيروت. ورأت «القدس العربي» الفلسطينية، ان الانتفاضة الشعبية التي تفرض نفسها بقوة في النجف وباقي أنحاء المناطق العراقية الجنوبية تعيد الاعتبار مجددا للوطنية العراقية الحقة، وتنبئ بمستقبل حالك السواد للقوات الأميركية وحكومة علاوي المؤقتة. مؤكدة ان مقتدى الصدر سيدخل التاريخ الوطني العراقي من أوسع أبوابه... وتساءلت عن موقف القيادات الشيعية والسنية العراقية التي ما زالت تشارك في الحكومة العراقية بعد مجازر النجف، ومحاصرة قوات المارينز لمرقد الإمام علي؟ وبعد أن شددت ان انتفاضة النجف أحرجت الجميع، ختمت مؤكدة ان الصدر بانتفاضته هذه كشف زيف الكثيرين، مثلما كشف عمالتهم للاحتلال. من جانبها الصحف المصرية، وجهت الأنظار في صفحاتها الأولى إلى معارك النجف. فجاء في عنوان «الوفد» «معركة تصفية جيش المهدي... أميركا تستعين بالدبابات والطائرات لإبادة أنصار الصدر» ويأتي في «الجمهورية» «حرب طاحنة حول ضريح الإمام علي» وعنونت افتتاحيتها بـ «... وسقطت الأسطورة الأميركية» وقالت الصحيفة المصرية ان القوات الأميركية ذبحت مئات العراقيين على العتبات المقدسة في النجف وغيرها لتزيل دماؤهم الغشاوة عن أعين الذين صدقوا أسطورة الحرية والديمقراطية الأميركية وتصوروا انها المنقذ من الأوضاع المتردية في الشرق الأوسط وغيره من مناطق العالم المبتلاة بالاضطرابات وعدم الاستقرار. وإذ ذكرت بالفظائع التي ارتكبها الاحتلال في سجن أبوغريب، ختمت مؤكدة ان لا عزاء فيمن صدقوا أميركا! ولاحظت «الأهرام» ان الأوضاع تزداد تعقيدا وتداخلا في العراق بصورة تنذر بكثير من المخاطر على هذا البلد العربي. وإذ أشارت إلى ان معظم أعمال المقاومة المسلحة التي تمت حتى اليوم في العراق أتت من جانب الطائفة السنية الأقل عددا في العراق من الطائفة الشيعية، رأت ان انهيار الأوضاع داخل هذه الطائفة الأخيرة وبدء النزاعات الداخلية بين مجموعاتها وانخراط بعضها في أعمال مسلحة ضد قوات الاحتلال وقيام الأخيرة بمهاجمة المواقع المقدسة للشيعة في العراق إنما ينذر بتحول حقيقي وواسع في المقاومة المسلحة ضد تلك القوات. ورأت ان الحل الوحيد الواقعي لكل ذلك هو انسحاب جميع القوات الأجنبية من العراق وعودة السيادة الكاملة والحقيقية إلى شعبه وحده.
وأكدت سحر بعاصيري في «النهار»، ان قرار قوات الاحتلال الأميركي والحكومة العراقية المؤقتة بالحسم العسكري لمشكلتهما مع مقتدى الصدر في النجف هو بكل الاعتبارات مغامرة كبيرة كيفما انتهت. وإذ أوضحت ان السيناريو الأفضل بالنسبة إلى القوات الأميركية هو أن تتمكن من «تطهير المدينة من جيش المهدي» في عملية سريعة، إلاا ان بعاصيري، أكدت ان الرهان على نجاح مثل هذا السيناريو، يقوم على اعتبار ان مقتدى الصدر يسبح بحركته عكس التوجه الشيعي العام في العراق اليوم وعكس ما يعتبره المرجع الديني آية الله السيدعلي السيستاني
العدد 709 - السبت 14 أغسطس 2004م الموافق 27 جمادى الآخرة 1425هـ