العدد 708 - الجمعة 13 أغسطس 2004م الموافق 26 جمادى الآخرة 1425هـ

بين التشيع العلوي و«التشيع» الصفوي

الصدر الثالث

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

«انه معبد المسيح وأكاديمية افلاطون ومجلس اعيان روما، والمسلمون كانوا يتجهون إليه تلقائياً وبشكل غريزي بمجرد حدوث طارئ يستحق أن يجتمعوا من أجله. وهكذا استمر مركزاً لكل الحركات الاجتماعية المهمة طوال التاريخ الإسلامي. وهذا هو بعينه السبب في أن الحكومات المتعاقبة كانت تخشى المسجد وتأخذ منه دائماً جانب الحيطة والحذر والتوجس. ولانها لم تكن قادرة على غلق ابوابه سعت إلى الالتفاف عليه من خلال تفريغه من محتواه الحقيقي وتجريده من واجباته ومسئولياته شيئاً فشيئاً والعمل على تقليل أهميته في عيون الناس. ومن هنا عمدت الحكومات السنية قبل مجيء الصفوية إلى تشييد «الخانقاهات» والاكثار منها وتوجيه الانظار نحوها على حساب المساجد. وقد اختار الصفويون المنهج نفسه وساروا على خطى اسلافهم ولكنهم ابدلوا «الخانقاهات» بالتكايا. نعم كان الصفويون ذوي نزعة صوفية وكان التصوف أحد الابعاد الثلاثة للتشيع الصفوي. ولهذا ظلوا يولون أهمية خاصة للخانقاهات وحافظوا على حرارتها. غاية الأمر ان الخانقاه أصبح مكاناً للخواص بينما التكايا صارت مكاناً للعوام، وظل المسجد قصراً فخماً ولكنه خال ومهجور!».

هذا الكلام هو للشهيد علي شريعتي كتبه قبل نحو 40 عاماً في كتابه «معرفة الإسلام» يستحضرني المرحوم شريعتي بقوة كلما شعرت بالغربة أو الاغتراب وانا وسط أهلي وعشيرتي وأبناء قومي لكنني مطوق في الوقت نفسه بحصار مضاعف الداخلي فيه يتماهى مع الخارجي بحجة كوني «مغامراً» أو متطرفاً، وبلغة الخطاب السائد حالياً «إرهابي»!

جولات مقتدى الصدر مع الاحتلال الأميركي للعراق وصولات «جيشه» في ساحات الكروالفر السياسي، وخاتمة المطاف حرب النجف المفتوحة على مصاريعها باتجاه العالم الإسلامي برمته والمذابح التي ترتكب بدم بارد هذه الأيام في المدينة المقدسة والصمت المريب الذي اطبق طوال أسبوع على العالم اجمع ابتداءً من مرجعيات النجف مروراً بالاحزاب الوطنية العراقية والجامعة العربية ودول الجوار والمؤتمر الإسلامي والأمم المتحدة وصولاً إلى الفاتيكان والمراكز الدينية الكبرى في العالم، كل ذلك المشهد الغريب جعلني استحضر شهيد الغربة والاغتراب علي شريعتي، صاحب كتاب «التشيع الصفوي والتشيع العلوي» الشهير فكان هذا المقطع الذي مر ذكره اعلاه وكأنه الشاهد والشهيد على ما يجري لمقتدى الصدر واتباعه.

إن خلاصة ما يؤخذ على مقتدى الصدر هو لجوئه إلى المسجد، سواء كان ذلك المسجد هو مسجد الكوفة أو حرم الإمام علي (ع) إذ هو حصنه الأخير الآن - وخلاصة ما يؤخذ على جيشه من المحرومين والجياع والحفاة من «البروليتاريا الرثة» هو انهم لم يلتزموا التكايا فتنطحوا المساجد ليعلنوا من على منابرها صوت «الرفض» للتبعية والاستبداد والانقياد للأجنبي هذا هو بالضبط جوهر ما هم مختلفون عليه مع مقتدى الصدر. ولهذا السبب تحديداً لا هو يجدله مكاناً في قطار الاحتلال، ولا الذين ركبوه مبكراً يجدون له مقعداً فيه. ولذلك تحديداً فإنه اما ان يكون مقتدى الصدر كما كان أبوه أو لا يكون. وكل من يقول لكم غير ذلك فهو جاهل أو متجاهل. ولهذه الأسباب تحديداً قتل صدام حسين أباه محمد صادق الصدر وهم ينوون اغتيال ابنه اليوم للاسباب نفسها.

يأخذون عليه انه ليس «محنكاً» بالسياسة! لا يأخذ ويعطي، نبتته برية! وانه جمع من حوله كل «البروليتاريا الرثة» من الطبقات الشعبية الدنيا التي تضم في صفوفها المجرمين والجناة الخارجين لتوهم من سجون صدام حسين والبعثيين السابقين ممن لم يعدلهم مكان لا في اوكار الإرهاب المتجددة ولا في دور «التأهيل» الجديدة و«الانكى» من ذلك انه قام بإدخال كل هؤلاء إلى تلك التي يريدونها «قصوراً فخمة خالية ومهجورة» كما يصف شريعتي المساجد التي يبتغون. وبذلك يصبح مقتدى الصدر مطلوباً للعدالة مرتين، مرة لأنه خالف تعليمات «المرهبات» السياسية والدينية التقليدية والحداثية معاً والتي تلتقي اليوم وتتماهى على ضرورة اخلاء المساجد من جمهورها وابقائها «قصوراً فخمة» ومرة لأنه حولها إلى متاريس ومحاريب للدفاع عن مبادئه ورفضه لمثلث التبعية والاستبداد والانقياد.

النجف الاشرف وزعيمها القائد الشيعي الشاب مقتدى الصدر بنظر الكثيرين من ابناء العراق يدفعان اليوم ثمن «الرفض» مرتين، مرة لانهما رفضا تحويل النجف إلى «عاصمة» للتشيع «الصفوي» في زمن حاكم العراق السابق صدام حسين، ومرة لانهما تتجرآن اليوم على مذهب «التشيع الصفوي» الممالئ للاحتلال والمتماهي معه.

هذه هي حقيقة معركة النجف الكبرى، معركة استئصال الصدر واتباعه.

اما الحديث عن علاقة الصدر مع إيران أو مع غير إيران مرة، أو ربط الموضوع بملف اغتيال مجيد الخوئي أو غيره من الملفات المشابهة، أو عن المحاكم الشرعية التي شكلها هنا أو هناك، وإرعابه الناس وإرهابهم، فإن العارفين ببواطن الأمور وخباياها لا يعتبرونها سوى محاولات لذر الرماد في العيون.

إن الصدر الثالث لم يأل جهداً في اللجوء إلى اساليب الحوار والدعوة إلى ايجاد حل سياسي لكل الخلافات أو الملفات العالقة سواء تلك التي بينه وبين القوى العراقية الداخلية، أو القوى الأجنبية الغازية لبلاده لاعتقاده الراسخ بأن الكفاح من أجل الحرية والاستقلال الناجز ما هو إلاّ مشوار طويل ومتعرج يحتمل الكثير من العض على الجروح والصبر على الاذى حتى لو اتى من الاقربين، لكن الآخر على ما يبدو هو الذي نفد صبره ويريد استئصال خصمه لأنه كاذب في مقولة الحوار وتحمل الآخر والتسامح معه ومثل هذه الأساليب ليست سوى إعادة إحياء لمقولة عهد الانحطاط الإسلامي أيام غزو التتار والمغول لبلاد المسلمين التي جلبت معها مقولات «التشيع» الصفوي و«التسنن» العثماني لتضعها وجهاً لوجه امام التشيع العلوي والتسنن المحمدي الأصيل اللذين لا يقبلان الركوع لغير الله سبحانه وتعالى ولا يمالئان أحداً في دينهما ومبادئهما، وهو ما يحاول الصدر الثالث وقبله أبوه وعمه الفيلسوف الإسلامي الكبير محمد باقر الصدر اللذان دفعا غالياً ثمن صمودهما ونقائهما. فيما يستعد خليفتهما للذود عن تلك المبادئ في معركة النجف الكبرى

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 708 - الجمعة 13 أغسطس 2004م الموافق 26 جمادى الآخرة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً