كيف نتصرف مع أبنائنا عندما يصلون إلى سن المراهقة؟... هل هناك أساليب خاصة علينا استخدامها للتعامل معهم خلال هذه السنوات المهمة والخطرة أحياناً، التي يشعر فيها الطفل بالحيرة بين احساسه بأنه مازال طفلاً، لكنه على أبواب مرحلة جديدة عليه أن يواجهها بتغيراتها النفسية والجسمية التي يشعر بها قد طرأت على جسده مع استمرار نموه.
إن أول الأمور المهمة التي علينا أن نهتم بها هي أن نتعلم الأسس التربوية السليمة في تربية أبنائنا في سن المراهقة... وهي امتداد للأسلوب الديمقراطي الحازم الحنون القائم على التشجيع والإرشاد في حل مشكلاتهم، وتحمل نتائج أفعالهم، لأن خبراء التربية يعتقدون أن هذا الأسلوب هو من أفضل الأساليب التربوية النفسية في التعامل مع الأبناء في جميع مراحل حياتهم.
لكن علينا أن ندرك أن من أصعب الأمور التي يواجهها الآباء رغبة أبنائهم المتزايدة في الحصول على المزيد من الحرية والاستقلالية والمسئولية... فهم يريدون أن يشاركوا أكثر في اتخاذ القرارات التي تؤثر على حياتهم ويريدون أن يقودوا حياتهم بأنفسهم ويرغبون في المشاركة مع آبائهم في صوغ القواعد الأساسية التي كانت تتحكم في حياتهم كأطفال لانهم يعتقدون أنهم تجاوزوا هذه المرحلة إلى سن البلوغ.
إلا أن الآباء من جهة أخرى يشعرون أن عليهم أن يعملوا على توازن خطواتهم وهم يتعاملون مع أبنائهم في هذه المرحلة الحرجة من حياتهم... وما هو مقدار الحرية التي يمكن منحهم إياها... ويكونون قادرين على القيام بها؟... وكيف يمكنهم معرفة مدى تحملهم لهذه المسئولية... وهل يمنحونهم المزيد من الحرية والمسئولية مثلما يطلبون؟
لذلك سأخصص عدة حلقات قادمة لاتناول كيفية تعامل هؤلاء الآباد مع أبنائهم المراهقين من ناحية نفسية وتربوية عملية... حتى يتمكنوا من أن يصلوا بهم بسلام إلى مرحلة النضج والمسئولية التي قاموا بزرعها في نفوسهم منذ سنوات الطفولة بما اتبعوه من طرق تربوية نفسية ديمقراطية حازمة ذكرتها في حلقاتي السابقة.
وطبعاً كل ما أذكره نابع من آراء خبراء التربية النفسية التي وضعوها للآباء لمساعدتهم على التعامل مع أبنائهم خلال هذه الفترة المهمة التي تتطلب الكثير من الصبر والتواصل والفهم منهم.
إن أكثر ما يميز مرحلة المراهقة شعور الأبناء بالحيرة التي تدفعم إلى الفوضى في تصرفاتهم في غالبية الأحيان... أما سبب ذلك فيعود إلى التغيرات الجسدية التي تطرأ على أجسامهم وما يصاحبها من تطور جنسي مصاحب بتغيرات عاطفية تدفعهم إلى تفكير وسلوك يندفع إلى طلب المزيد من الاستقلالية من آبائهم بأسلوب محير لهم وللمراهقين أنفسهم.
إذاً نحن نلاحظ أن هناك قدرتين متطورتين تتكونان لدى الأطفال في سن المراهقة لهما أكبر الأثر على الطرق التي يفكر بها الأبناء في هذه المرحلة.
الأولى: لها علاقة بالتغير الذي يطرأ على ذكائهم وقدرتهم على التفكير بمنطقية مثل الكبا.
أما الثانية فإن لها علاقة بمحاولة استقلال الشخصية والتوجه نحو الاحساس بالخصوصية.
لقد أثبتت بحوث العالمة النفسانية جين بياجيه عن تطور ذكاء الأطفال أن التغيير المهم يحدث في مرحلة المراهقة... إذ يحتاج الأطفال القدرة على التفكير المجرد... إذ تنمو لديهم القدرة على التفكير بطريقة منطقية في مختلف الاحتمالات المتعلقة بالمستقبل... ويستطيعون تقييم وجهات النظر المؤيدة والمعارضة بطريقة قائمة على مواقف افتراضية... وهم عكس الأطفال الذين يتعاملون في الغالب مع الحاضر... لانهم يهتمون كثيراً بمستقبلهم... ولا تصبح أفكارهم محددة بمنظورهم الخاص بالواقع المباشر الذي يعيشونه... ومعنى ذلك أنهم يصبحون مسلحين بالقدرة العقلية على المشاركة في اتخاذ القرار وحل المشكلات التي تواجههم ويصبحون أكثر قدرة على التفكير والتخطيط للمستقبل والكشف عن النتائج للمواقف العملية... كما أنهم يدركون النتائج الطويلة المدى... أما على المدى القصير فإنهم يكونون قادرين على أن يبدأوا ليختبروا الحدود بقدرتهم العقلية وبتصرفاتهم
إقرأ أيضا لـ "سلوى المؤيد"العدد 708 - الجمعة 13 أغسطس 2004م الموافق 26 جمادى الآخرة 1425هـ