العدد 708 - الجمعة 13 أغسطس 2004م الموافق 26 جمادى الآخرة 1425هـ

«غير وغير» بين مهرجانات الخليج... أين الخلل؟

وكل عام لنا في الصيف واعية!

يعد قطاع السياحة صناعة عالمية، ويشكل موردا ماليا مهما في الدخل القومي للدول التي دخلت في سباق محموم فيما بينها لاستقطاب السياح حتى بات لكل الدول الخليجية مهرجانها السياحي الذي تدخل فيه حلبة المنافسة.كل ذلك يجعل المرء يتساءل: أين البحرين على خريطة العالم السياحية، ولماذا فشلت في السابق حين نجح الآخرون وباختصار أين مكمن الخلل؟ أهو في الخطط والموازنات أم في التنفيذ أو في الاثنين معا؟ وهنا نستعرض تجارب بعض الدول الخليجية والعربية الشقيقة لنعرف أين نحن من هذه المعادلة؟!

البحرين وبعد سنوات طويلة من المحاولات والدراسات نظمت أول مهرجان سياحي من نوعه في المملكة «صيف البحرين 2002» الذي عهد بتنظيمه الى مجلس التنمية الاقتصادية ورصدت له موازنة كبيرة. وشكل المهرجان بادرة أمل لتعزيز السياحة النظيفة لكن ذلك الأمل سرعان ما تلاشى عندما خسر المهرجان ولم يحقق الأهداف المرجوة من تنظيمه.ثم وبعد نحو سنتين نظم مهرجان «فورمولا المنامة» الذي حاول أن يقدم رؤية مختلفة عن المهرجان السابق، لكنه هو الآخر - وعلى رغم المحاولات الصادقة - لم يفض الى ما كان يرنو إليه المواطن البحريني أو السياح.

مفاجآت صيف دبي

دعونا نبدأ جولتنا الخليجية من دبي التي يمكن أن توصف بأنها عاصمة المرح الصيفية.وذلك منذ إطلاقها لأكبر حدث سياحي/ ترفيهي في الخليج (مفاجآت صيف دبي). إذ تتحول المدينة خلال فترة شهري يوليو/ تموز وأغسطس/ آب من كل عام الى عالم حافل بالفرح والترفيه للأسرة الخليجية والعربية.والبؤرة السياحية المفضلة التي يقصدها مئات الآلاف من السياح سنويا من دول أوروبا وآسيا والولايات المتحدة الاميركية الذين يتقاطرون عليها سنويا. وانطلقت مفاجآت صيف دبي للمرة الأولى في شهر يونيو/ حزيران في العام 1998م كواحدة من المبادرات المتميزة التي قامت بها حكومة دبي بإطلاقها تشجيعا للسياحة والتسوق، بهدف جعل دبي وجهة سياحية متميزة على مدار العام.ونجحت مفاجآت دبي -التي تمتد الى عشرة اسابيع - في جذب العائلة الخليجية والعربية في أكثر من ثلاثين مركزا للتسوق تنتشر في مختلف أنحاء المدينة. وتتكون مفاجآت صيف دبي 2004م من عشر مفاجآت كبرى تنطلق تباعا وتحمل كل واحدة منها موضوعا مختلفا عن الآخر.وتشارك في تنظيم هذا المهرجان السياحي السنوي مختلف المؤسسات والدوائر الحكومية وتدعم من قبل الحكومة والقطاع الخاص.

وتتركز فعاليات المهرجان على عشر مفاجآت رئيسية موجهة لشريحة الأطفال هي: المفاجآت الثلجية والحلويات والشخصيات الكارتونية والزهور والمفاجآت المسرحية ومفاجآت المعرفة ومفاجأة العودة للمدارس فضلا عن المفاجآت التراثية والفنية.كما يحتوي المهرجان على الكثير من الفعاليات الثقافية (الدورات، الندوات، المسابقات) مثل ندوات مبسطة للأطفال عن الذكاء الأخلاقي ومتعة الحياة، فن برمجة السلوك الانجابي لدى الأطفال وتنمية مهارات التفكير ودبلوماسية الحوار والإقناع وغيرها من الندوات التي تخاطب شريحتي الأطفال والشباب وتقام في المجمعات والمراكز التجارية التي يقصدها الشباب بشكل يومي طيلة أيام المهرجان.وتخصص حكومة دبي موازنة كبيرة للمهرجان السنوي، في حين يعقد منتدى للشراكة بين القطاعين العام والخاص في شهر مارس/ آذار من كل عام بغية التخطيط للتنظيم المشترك لهذه التظاهرة السياحية بالتوازي مع حملة إعلامية مكثفة تشمل القنوات الفضائية والصحف العربية والأجنبية وعلى متن خطوط الطيران من والى دبي. وأنشئ موقع الكتروني متكامل عن المهرجان وفعالياته على شبكة الانترنت.ويقارب رواد هذا المهرجان المليون سائح سنويا.

مهرجان صيف جدة

تأخر الانطلاقة السياحية لم تكن عثرة أمام المسئولين في المملكة العربية السعودية، فعامل التأخر منح القائمين على القطاع السياحي دافعا أكبر لإعداد هيكلية جديدة للسياحة لمنافسة الدول الخليجية والعربية الأخرى.وبالفعل وفي غضون سنوات محدودة أتت التجربة أكلها، فالسائح المحلي أو الخليجي يتنعم الآن بأضواء النور والبهجة التي تزدهر بها مختلف محافظات المملكة.ولكن التجربة الأكثر نجاحا حتى الآن تتمثل في مدينة جدة (العاصمة السياحية للملكة)؛ إذ سماء هذه المدينة المطلة على البحر الأحمر بمهرجانها السنوي الذي انطلقت فعالياته لهذا العام قبل أيام. وخلال أيام المهرجان تنتعش الحركة السياحية والمنشآت التجارية الأخرى.وشهد مهرجان «جدة 25» قفزة نوعية على مستوى الكم والكيف ومفاجآت غير مسبوقة عبر أكثر من مئة فعالية: الرياضة (20 فعالية)، الفعاليات الترويجية (17 فعالية)، الفعاليات الترفيهية (32 فعالية)، الفعاليات الثقافية (16 فعالية) والاجتماعية (55 فعالية). ومن أبرز الفعاليات: المعارض والندوات، مسيرة أغرب سيارات العالم، أكبر لوحة تشكيلية في العالم، عروس الأرض ومهرجان الطفل، المسابقات، أرض المرح وعشرات الفعاليات الأخرى.

وكانت الهيئة العليا للسياحة (تأسست في العام 2000) قد اعتمدت استراتيجية شاملة للسياحة الوطنية تتألف من ثلاث مراحل، تمثل المرحلة الأولى منها وضع الاستراتيجية العامة لتنمية وتطوير السياحة الوطنية للعشرين سنة المقبلة في حين تناولت المرحلة الثانية وضع الخطط التنفيذية للخمس سنوات المقبلة لتقديم الأسس التفصيلية في المناطق وإنجاز خطط تطوير مواقع التنمية السياحية فيها.واعدت هذه الاستراتيجية بمبادرة مشتركة بين القطاعين الحكومي والأهلي، كما راعت خصوصية المملكة وهويتها الدينية والعربية.

عجائب صيف قطر

ومن السعودية الى قطر التي أسدلت الستار عن مهرجانها «عجائب صيف قطر 2004» في منتصف الشهر الماضي. ويقام هذا المهرجان الكبير الذي تنظمه الهيئة العامة للسياحة في العام الثاني على التوالي وتستمر فعالياته لنهاية الشهر الجاري.وعلى رغم حداثة المهرجان- بالمقارنة مع مهرجانات الخليج الأخرى - إلا انه يحمل بشائر خير كبيرة لتنمية السياحة القطرية.فالدراسات الأولية التي أجرتها الحكومة القطرية بالاستعانة بشركات سياحية عالمية متخصصة أشارت الى ضرورة المهرجان وجدواه الكبيرة في رفد الدخل القومي للدولة الشقيقة. ونوهت الدراسة الى أن مهرجان قطر 2003 نجح في جذب أكثر من مليوني سائح من مختلف أنحاء العالم.

واستحدث المشرفون على تنظيم مهرجان هذا العام عددا من الفعاليات مثل قرية «بشارة» للأطفال التي تقام على مساحة عشرة آلاف متر مربع في مركز قطر الدولي للمعارض، وقسمت القرية الترفيهية الى أقسام عدة،فيما حازت «مدينة الزمن» على نصيب الأسد منها، إذ يقوم الأطفال برحلة استكشافية عبر الزمن ليتعرف من خلالها الى تاريخ العصور القديمة من خلال شخصيات كارتونية ترتدي زي ذلك العصر بدءاً من العصر الحجري القديم والعصر الفرعوني مرورا بالعصر الحديث الذي يلقي الضوء على واقع النهضة الحديثة في دولة قطر، وصولا الى آفاق المستقبل.بجانب القرية التراثية التي تجسد الحياة والبيئة القطرية وخصوصا ما قبل مرحلة اكتشاف النفط.كما أفسح منظمو المهرجان الفرصة للأسر القطرية المنتجة لعرض منتجاتها.إضافة الى حزمة من الفعاليات الترفيهية المتنوعة مثل عرض أزياء القمر ورواد الفضاء وعروض الطاووس وعرائس البحر التي تنظمها كبرى المجمعات التجارية بالتعاون مع غرفة تجارة قطر.

هلا فبراير يشعل الكويت

الكويت اختارت ميقاتا آخر لإقامة المهرجان السياحي السنوي، الأمر الذي ميزها عن أشقائها في الخليج و اتاح لها الفرصة لاستقطاب أكبر عدد من السياح في هذا المهرجان الذي يتزامن مع عطلة الربيع لطلبة المدارس (فبراير من كل عام) وهي الفترة التي تنعم فيها الكويت بجو معتدل.وتكتسي شوارع الكويت بأثواب البهجة والفرح. وارتدى مهرجان هذا العام حلة جديدة تتلألأ فيها الكويت بالفعاليات المتنوعة ما بين الكرنفال والفرق الاستعراضية والمسابقات والمعارض والأنشطة الثقافية والترفيهية التي تراوحت ما بين الحفلات الغنائية والأمسيات الشعرية وبرنامج المسابقات التلفزيوني والقرية العالمية ومخيم فبراير ودورات السينما والمسرح والفن والرياضة بشتى صنوفها. وتسعى الحكومة الكويتية من خلال هذا المهرجان الى ترسيخ مكانتها على خريطة السياحة العالمية.

مهرجان خريف صلالة

أما في سلطنة عمان فهي تستقبل مع كل صيف مئات الآلاف من السياح من كل حدب وصوب عربا وأجانب، وتبتسم السلطنة بمهرجاناتها الدولية، فمحافظة ظفار العمانية - على سبيل المثال - يتوافد عليها آلاف الزوار الذين تستهويهم الطبيعة الخلابة للمنطقة ومن جهة أخرى الإطلاع على أكبر مهرجان سياحي تشهده السلطنة سنويا. ويضم مهرجان خريف صلالة 2004 مجموعة كبيرة من الفعاليات غير المسبوقة التي تفوق في مجموعها المئة فعالية ضمن خطة سياحية مدروسة، إذ تقام الندوات الأدبية والثقافية والاقتصادية والفنون التشكيلية والمصنوعات الحرفية المتطورة وتجسيد حي للبيئات ومعرض الاتصالات والجاليات العربية وجمعيات المرأة العمانية وفرق الكشافة.

أين نحن من هذه المعادلة؟

وبعد استعراض تجارب أشقائنا في الخليج، عرجنا على تجربة مملكة البحرين في هذا الصدد، وهي تجربة بالتأكيد تنقصها الكثير من الأمور الى أن تأخذ موقعها بين أمم الخليج الأخرى، وكانت محطة الانطلاقة من جعفر جهرمي مدير شركة التأمين الإيرانية «إحدى الشركات الراعية للمهرجان»، ويستعرض جهرمي رؤيته للمهرجان بقوله «في الحقيقة إن تنظيم مهرجان البحرين غير وغير لهذا العام لم يكن موفقا؛ لأنه أتى متأخرا جدا عن المدة التي من المفترض أن يدرس فيها، وهذا التأخير قد اثر على المهرجان بدرجة كبيرة. ومن جهة أخرى فان وقت إقامة هذا المهرجان لم يكن موفقا، فخلال هذه الفترة نصف سكان البحرين يتوجهون للسفر إلى الخارج، والنتيجة هي ضعف الحركة السياحية في مهرجان « غير وغير»، وعلاوة على ذلك كله فإن المهرجان لم ترافقه حملة إعلامية كبيرة كبقية مهرجانات الخليج والعالم، بل والمصيبة الكبرى أن الكثير من المواطنين في البحرين لا علم لهم بالمهرجان وهذا مكمن الخلل، بينما نرى على سبيل المثال لا الحصر أن مهرجان صيف دبي السنوي تصرف عليه ملايين الدولارات فقط من اجل ضمان تسويقه إعلاميا في مختلف بقاع العالم ومن المناطق المستهدفة خصوصا، ففي الوقت الذي تمسي وتصبح فيه الفضائيات العربية الكبرى على إعلانات ضخمة لمهرجانات الخليج، لا نجد أن البحرين أخذت زمام المبادرة كأشقائها أيضا».

ويضيف جهرمي قائلا «في دبي نرى أن الجهات الرسمية تقدم تسهيلات كبيرة للسياح بالتعاون مع القطاع الخاص مثل الحوافز التشجيعية، فكل من لديه تذكرة سفر على الخطوط الجوية الإماراتية يدخل السحب على جوائز المهرجان تلقائيا، ويحصل على كوبون مجاني للتسوق في المهرجان فضلا عن بقية الحوافز الأخرى كالتخفيض في الفنادق والمنشآت السياحية».

أما وكيل شركات الشحن في البحرين عادل ترك فأشار من جهته الى عدد من الملاحظات التي سجلها على المهرجان «الفرق بيننا وبين دول الخليج الأخرى أن تلك الدول تمتلك سوقاً ضخمة ومفتوحة، ولديها شراكة تجارية حقيقية مع دول الجوار، خصوصا مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تمتاز بالكثافة البشرية والقرب الجغرافي والاشتراك في الخصائص الاجتماعية، فالإيرانيون يشاركون بقوة في جميع مهرجانات دول الخليج سواء كانوا منظمين أو سياحاً؛ لأن الكثير من الدول الأخرى لها مهرجاناتها الخاصة وبالتالي لا نتوقع من مواطنيها هجرة تلك التظاهرات السياحية الدولية والناجحة والتوجه الى البحرين».

ويتحدث ترك عن المعرض المقام حاليا بالتزامن مع المهرجان « اذهب الى المعرض المقام حاليا مساء كل يوم، ولا أرى أي مؤشر على وجود حركة تجارية حقيقية، وبجانب ذلك فانا أرى أن المنظمين لا يمتلكون الخبرة الكافية في تنظيم هكذا مهرجانات، على رغم أن البحرين تمتاز بوجود كفاءات وطنية كثيرة في هذا المضمار(...) فلا وجود للألعاب المميزة المقامة في مختلف المهرجانات، فالجهة المنظمة كانت تشارك كأي جهة أخرى في معرض الخريف السنوي، وبخصوص حلبة الفورمولا فإنها لم تستثمر بالشكل الصحيح، فلم نسمع عن سباق السيارات إلا قبل أيام محدودة، وأطالب الجهات الرسمية بتسهيل توافد السياح من خلال تخفيض أو إلغاء تأشيرات الدخول الى المملكة، ويجب علينا أن نستفيد من كل هذه الأخطاء للاستعداد للمهرجانات المقبلة».

فيما قال المواطن محمد غلوم إبراهيم« لا اخفي أن التفكير في إقامة المهرجان بحد ذاته تعد خطوة ايجابية، لكنها بالتأكيد غير كافية لبلوغ النجاح، خصوصا وأن البحرين تمتلك تجربة لم تبشر بالخير قبل عامين عندما قام مجلس التنمية الاقتصادية بتنظيم مهرجان صيف البحرين، والحق خسارة كبيرة على نقيض ما خطط له، ولم يتحمل أحد المسئولية عن فشل المهرجان، فالكل يلقي الكرة في مرمى الآخر، وبالنسبة لمهرجان «غير وغير» عائلتي ربما لم تسمع عنه حتى هذا اليوم»

العدد 708 - الجمعة 13 أغسطس 2004م الموافق 26 جمادى الآخرة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً