كثيراً ما كانت تردد الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان عن عزمها على التنسيق مع وزارة التربية بشأن إقرار مادة حقوق إنسان، تدرس في المراحل الدراسية المختلفة، وعقد دورات تدريبية لذلك، وبدا للمراقب ان «التربية» غير معترضة على مادة الحقوق، وهذا ما جعل رفضها لمقترح رئيس مجلس النواب خليفة الظهراني ربما مُستبعداً.
والغريب ان «التربية» تتذرع برفضها بوجود مادة «المواطنة» البديلة عن مادة حقوق الإنسان والديمقراطية على حد تعبيرها، مبررة احتجاجها بأن «المواطنة» تحتوي على «تعريف الطلاب بحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية»، في حين إن «الحقوق» بحد ذاتها بحر من المعلومات، ولمن الإجحاف في حقها أن تُوضع مفاهيم عامة، أو عناوين بسيطة في كتاب يحوي الكثير من العناوين، لاسيما ان ثقافة حقوق الإنسان تتضمن معرفة القوانين ومقارنتها بالمعايير الدولية والمواثيق، ومنظمات حقوق الإنسان العالمية، وكيفية الاتصال بها، كما انها ضرورية في بناء الإنسان ذاته، ومعرفة القنوات السليمة للمطالبة بها، وعدم التفريط بها، فالحقوق من المحال حصرها في صفحة أو صفحتين أو حتى ثلاث، إذ تتطلب ورشاً تدريبية، وأداء عملياً (للتدريب على رصد الانتهاكات)، وحصصاً لمقارنة القوانين المحلية والدستور بالمعايير الدولية.
وكما يقول برنار غروتويزن في كتابه (فلسفة الثورة الفرنسية): «إن حقوق الإنسان يجب ن تصبح أبجدية الأطفال، وان تدرس في المدارس وأن ينادي بها المنادون في الساحة العامة وان يتلوها رجال الدين من على منابرهم، وان توزع في الأسواق على أوراق ، منفردة، وأن تستقر في المحفوظات، وتلصق بأمر من البلديات، على جدران المدن والقرى جميعاً، وحينئذ يعرف أصغر مواطن حقوقه ويعرف كل فرد ما اذا كان أحاق به ظلم أم لا، ويكون لدى كل فرد المعيار الحقوقي الذي يتيح له أن يقدر قيمة جميع التدابير التي تتخذها الدولة، وجميع القوانين، وتكون الأمة بأجمعها قادرة في كل لحظة على أن تراجع مبادئ الحقوق بصدد كل قانون، وان تستند الأمة إلى حقوق الإنسان عند الحاجة للوقوف في وجه هذا القانون أو ذاك، لتصل إلى إنشاء حقوق وضعية بموجب مبادئ الحق الطبيعي».
ولكن من المؤلم، الاعتراف بألا توجد لدينا ثقافة حقوق إنسان، ولا تولي لها النخب قدراً من الاهتمام، كما ان مؤسسات المجتمع المدني لم تساهم في نشر ثقافة حقوق الإنسان، بل إن اللجان الحقوقية في بعض الجمعيات السياسية نائمة، ولا تحرك ساكناً، والجمعيات الحقوقية منغمسة ربما في الدورات التي تحوي أعداداً محدودة، وورشاً تدريبية للمتخصصين بعيداً عن الشارع... حتى النشرات التي تصدر من الجمعيات تغطي القضايا الحقوقية بخجل واقتضاب!. وبعد كل هذا تأتي وزارة التربية لترفض مادة «الحقوق» لوجود مادة «المواطنة»
العدد 708 - الجمعة 13 أغسطس 2004م الموافق 26 جمادى الآخرة 1425هـ