ينبغي أن نوجه سؤالاً أساسياً في البدء: هل هناك حاجة أصلاً لوزارة إعلام، وإن كان كذلك فما دورها؟ فلا وجود لمثل هذه الوزارة في الكثير من دول العالم. صحيح أن هناك رقابة إعلامية في تلك الدول، ولكنها تمارس من قبل المجتمع ككل وهيئاته المدنية. ويبقى القضاء هو الكلمة الفصل لكل من يتعدى على حقوق الغير، أو يتعدى الخطوط الحمراء التي تتعلق بكيان المجتمع وثوابته المتفق عليها قانونياً. أما التصاريح للصحافة وللمحطات الإذاعية والتلفزيونية فحالها حال المشروعات التجارية التي تتطلب تسجيلاً لحماية المتقدّم، وتوثيقاً قانونياً، وليس كما هي الحال عندنا من شروط تعجيزية تضعها وزارة الإعلام أمام أي ترخيص لعمل إعلامي.
سألت أحد الراجعين من الدول الإسكندنافية عن مشروع تأسيس جمعية قام بها هناك، فقال: كلما في الأمر هو تسجيل اسمك في دليل الهاتف والتأكد من عدم وجود جمعية تحمل الاسم نفسه، في حين تتعقد لدينا قضية التأسيس والمتابعة، والرقابة و... الخ.
بعض دولنا العربية وعت الدور الممل والخاطئ لهذه الوزارة، وقامت بإلغائها، وحسناً فعلت. أما عندنا، فيمارس جهاز الرقابة في الإعلام دوراً منهكاً لأعصاب ودماغ أي مؤلف يريد تأليف كتاب، فالكتاب يمر بمسارات رقابية متعددة، ومنها وزارة الشئون الإسلامية لتقرر هي الأخرى صلاحية النشر أم لا في الكتب والنشرات ذات الصبغة الدينية. ذات مرة وضعوا خطوطاً حمراء على نشرة اعتزم بعض الاخوة طباعتها عن العباس بن الإمام علي، فأمعنت النظر في سبب الرفض، فرأيت أنه لم يناسب الذوق المذهبي لبعض الجهات الوافدة فكرياً من مدة لم تزد على أربعين عاماً في هذا البلد. أما الرقابة على المجلات الساقطة التي تملأ رفوف المكتبات، والمتاجر الكبيرة فهي غير موجودة أصلاً، لأن تلك المجلات الفاضحة والتي تحمل سمات الثقافة الغربية العارية في نظر قسم الرقابة أمر لا أشكال فيه. وحين تسأل يكون الجواب: وكيف يتم منعها في عالم لا حواجز فيه، وباستطاعة من يريد أن يرى أشد منها في الفضائيات وفي الانترنت؟ هذا المنطق المهادن يجري فقط على المجلات والأفلام والظواهر المخربة لمجتمعنا، ولكنه يشل تماماً حين يكون الحديث عن مجلة تحمل رأياً أو انتقاداً لظواهر خاطئة في البلد. فما أكثر الكتب والمجلات التي يتم منعها، بل أستطيع القول ان الكثير من المجلات الايجابية يتم منعها، لا لأنها تتعلق بالوضع السياسي في البلد، ولكن لأن محرريها وأصحابها وتوجهاتها لا تروق للبعض من ناحية مذهبية فقط.
الرقابة الغريبة!
ظاهراً، تقول الوزارة إنها تمنع أي كتاب يؤدي الى فتن طائفية، أو يمس بعقيدة مذهب معين، ولكن الواقع أمر آخر. ففي معرض الكتاب الأخير تم منع عشرات الكتب، وقد أحصيت ذلك بنفسي من أصحاب دور النشر الذين أعطوني سجلاً بالكتب الممنوعة، وأكثرها تتعلق بالسيدة فاطمة الزهراء (ع)، ثم رأيت كتاباً مليئاً بالتهجم على مذهب أهل البيت، ويتعرض الى بعض الرموز الدينية. ومؤلفه صابر طعيمة، صادر عن مكتبة مدبولي المصرية، وهي التي كانت تبيعه. فتحدثت مع مسئول المعرض عن الكتاب، فأخبرني أنه سيكلم مسئول وزارة الإعلام، ووعدني خيراً. في اليوم الثاني، ذهبت الى المعرض فوجدت أن الكتاب لايزال يباع، فاشتريت نسخة منه كدليل إثبات، ثم تحدثت مع بعض المسئولين في الإعلام، فأخبروني أنهم قاموا بمنع الكتاب، فقلت لهم ان مكتبة مدبولي لاتزال تبيعه، وقد اشتريت نسخة منه، وأريتهم إياها. فذهبوا معي الى موقع المكتبة في المعرض بحضور المحامي علي العريض، والشيخ باقر المحروس كشهود على الحادثة، فقال البائع في مكتبة مدبولي: لقد تم بيع آخر نسخة قبل قليل، ولم تجر محاسبة تلك المكتبة، وكأن شيئاً لم يكن.
معرض الكتاب الأخير كان مخيباً لآمال كل من حضره بسبب سوء التنظيم والإعداد، حتى ان الكثير من دور النشر قررت الانسحاب منه، وعدم المشاركة في المعارض القادمة، ثم تم الضغط عليها بمحاولة تعويضها، ولا يُعلم هل تم تعويضها أم لا؟! وكان دور وزارة الإعلام هو التنصل عن مسئولياتها، وعدم الاعتراف بالخطأ، ورميها على الجهة التي نظمت المعرض، الأمر الذي كشف قلة الاهتمام بالجانب الثقافي، وإهماله على رغم الاهتمام الجماهيري الواسع بمثل هذه التظاهرة الثقافية، والإقبال الواسع عليها حتى من خارج البلد.
الغناء لا الثقافة
ما حدث في معرض الكتاب الأخير ليس غريباً على من يتابع شئون وزارة الإعلام، فالثقافة عندها مهضومة تماماً، والمسئولون في إدارة الثقافة يشعرون بمدى إهمال الشأن الثقافي لحساب الشئون الأخرى، وخصوصا لجهاز التلفزيون. فوزارة الإعلام في الحقيقة مشغولة بهموم مختلفة، من أهمها إحصاء الأنفاس على الصحافة، بحيث تحولت الصحف الى فرض رقابة ذاتية شديدة أثقلت كاهل الصحافيين. كما أن قانون المطبوعات الجديد الذي أعدته هذه الوزارة أرجع عقارب الساعة الى الوراء، وكأن البلد لم تمر بمرحلة إصلاح وتطور نوعي في الحريات العامة. كما أن واحداً من اهتمامات وزارة الإعلام الرئيسية هو إحياء حفلات الغناء، بمناسبة أو بأخرى. فالاحتفال بذكرى توقيع الميثاق أحيته الوزارة بحفلة غناء كبيرة في الأستاد الوطني، وكأن تخليد هذه الذكرى لا يكون إلا عبر بوابة الغناء، وكأن الأوطان تبنى بمثل هذه الطريق. ومع الصحف وزعت وزارة الإعلام قبل أيام إعلاناً رسمياً مطبوعاً في المطبعة الحكومية، يشير الى حفل فرقة البحرين للموسيقى في متحف البحرين الوطني، يحييه اثنان من المغنين، والقائمة تطول وتطول في حفلات الغناء التي ترعاها الوزارة. وما أكثر ما يبث تلفزيون البحرين حفلات الأغاني المائعة، متماشياً مع بقية الفضائيات العربية التي ادمنت لعنة «الفيديو كليب». والغريب أنه في ظل أزمات شديدة كان يمر بها الشعب الفلسطيني أحياناً كمجزرة جنين وغيرها، ترى الفضائيات العربية بما فيها فضائية البحرين غارقة في حفلات الغناء التافهة، وميوعة الفيديو كليب. ولا أشك ان أحد أهم أسباب مآسي العرب الحالية، وفشلهم في تحرير فلسطين هي حال الميوعة والفساد التي تزدهر سوقها في عالمنا العربي، والتي أماتت روح الوطنية والجد والمسئولية لدى أجيال واسعة من الشباب فضلاً عن الكبار.
فضائية البحرين
أما الحديث عن فضائية البحرين فيطول، فهي الفضائية التي يشاهدها الكثير في خارج البحرين، وقلما يشاهدها الناس في داخل البلد، إلا حين تبث برامج مفيدة لهم، وهي قليلة. نشرة أخبارها قديمة، والأخبار الدولية تأتي بعد ثلث ساعة أو أكثر. ولا توجد أية تغطيات للأمسيات والفعاليات السياسية إلا من كان أقرب الى أجواء التأييد والمديح. وحين تكتسي معظم فتيات البحرين الكريمات الحجاب، لا نرى أثر ذلك في هذه الفضائية العتيدة التي يُراد لها أن تعكس ثقافة واحدة فقط، وحتى المذيعة التي تلبس الحجاب تختفي عن الأنظار بحجج مختلفة. وكأن المتحجبات غير مؤهلات للبروز في هذه المحطة.
وهنا أضع أسئلة: كيف تُدار وزارة الإعلام، ولماذا هي فاشلة في التغير الإيجابي، وما دور الدين والفكر والسياسة والثقافة في هذه الوزارة؟ أين دور تنمية الوعي والوطنية بمعناهما الأعم؟ أين دورها في تهيئة السياحة العائلية؟ أين همّ الأجهزة الإعلامية في الوزارة في معالجة المشكلات الحقيقية التي يعيشها المواطنون من تمييز وفقر وفساد إداري وغير ذلك؟ و لماذا فشلت الوزارة في تنظيم معارض الكتاب، وخصوصا الأخير؟ أسئلة كثيرة وكثيرة تستطيع الوزارة أن ترد عليها بمهارة الردود المعروفة، ولكن ذلك لن يغير من واقعها شيئاً. إن عليها أولاً أن تعيد النظر في توجهاتها وبرامجها وتوائم نفسها مع تطلعات شعب البحرين عبر استبيان حقيقي يُقصد منه معرفة أوجه القصور ومواقع الخلل، وأن تنظر الى نفسها بعيون المواطنين، وتستطلع رأي المثقفين وعلماء الدين والناس عموما فيما تقدمه للناس، هذا إن أرادت أن يكون لها مكان تحت شمس القرن الحادي والعشرين
العدد 707 - الخميس 12 أغسطس 2004م الموافق 25 جمادى الآخرة 1425هـ