في عقدي الستينات والسبعينات كان الإسلام بمعناه الذي نراه اليوم غير موجود، بل إن التدين لم يكن حالة عامة خصوصاً بين الشباب الذين كانوا ينظرون إلى الدين والإسلام على أنه عودة إلى الوراء والتخلف عن إرادة التطور.
في تلك المرحلة ظهر مؤسس المجلس الشيعي الأعلى في لبنان الإمام السيد موسى الصدر من بين كل هذا الكم الهائل من الفكر التغريبي ليمارس الإسلام بطريقة مغايرة لما كان عليه رجال الدين في لبنان. فعندما وجد الصدر هذا الواقع لم يستسلم له، بل واجهه بقوة وعمل على كسر الطوق، وقال كلمته المشهورة: «إنني اعتبر العمل السياسي والاجتماعي جزءا من مسئوليتي الدينية».
استطاع بفكره المنفتح أن يكتسب شعبية اجتماعية كبيرة، كما اكتسب سمعته السياسية من خلال مقاومته الاعتداءات الإسرائيلية على الجنوب اللبناني، ورفضه لمشروعات توطين الفلسطينيين في لبنان خوفاً من اختلال التركيبة الديمغرافية. وحتى لا يتهم بالتعصب الطائفي حرص على إشراك المسيحيين والمسلمين السنة في أنشطته الاجتماعية ورؤاه السياسية، فكان همزة الوصل في إخماد نيران الحرب الأهلية.
لم تعجب تحركاته السياسية والاجتماعية «البعيد» و«القريب»، فخططوا لإنهاء صلته بالعالم، فخطفوه. وكان آخر ظهور للإمام في ليبيا؛ إذ التقى بالرئيس الليبي معمر القذافي، ولم يُر بعدها، ولا يُعرف على وجه اليقين مكان اختفائه حتى الآن. وبما أن اللبنانيون يتهمون الحكومة الليبية بالمسئولية، جاء التصريح السياسي المبطن الذي أطلقه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله حينما قال إن اللبنانيين لن يقبلوا من القذافي هدية على انتصارهم على الجيش الإسرائيلي في الجنوب أعظم من عودة الإمام موسى الصدر.فهل سيجد الخاطفون طريقة تحافظ لهم على ماء وجوههم حتى ولو كان ذلك عبر مشهد سياسي أشبه بالأفلام الهندية، يعلنون في نهايته العثور على الإمام الصدر ويعود إلى ظهر الأرض التي غيب في باطنها؟ ربما.. فقط نأمل ألا يكون بعيداً!!
إقرأ أيضا لـ "ايمان عباس"العدد 706 - الأربعاء 11 أغسطس 2004م الموافق 24 جمادى الآخرة 1425هـ