العدد 706 - الأربعاء 11 أغسطس 2004م الموافق 24 جمادى الآخرة 1425هـ

نعم لإرسال قوات عربية وإسلامية لكن إلى دارفور

المصطفى العسري comments [at] alwasatnews.com

ارتفعت حديثاً الكثير من الأصوات العربية لإرسال قوات عربية وإسلامية إلى العراق بدعوى مساعدة أهله على استتباب الأمن والخروج من يم الفوضى الذي يتخبط فيه منذ سقوط نظام صدام حسين، ووقوعه تحت «رحمة» الاحتلال الأميركي. الدعوة التي أطلقتها الرياض، كانت بمثابة القشة التي امتدت إليها يد واشنطن لانتشالها من الوضع العراقي الذي كانت الطرف الرئيسي فيما وصل إليه، ما يفسر سرعة الإدارة الأميركية ممثلة في رئيس دبلوماسيتها كولن باول إلى الترحيب بالاقتراح السعودي.

إن إرسال أية قوات عربية أو إسلامية إلى العراق، لن يخدم إلا القوات الأميركية المحتلة التي باتت تسمى متعددة الجنسيات وبالتالي سياسة الرئيس جورج بوش لتخدم حملته الانتخابية، التي يجمع الكل على أنها لن تكون في مستوى غريمه الديمقراطي كيري. بل سيزيد فقط في حجم انقسام الصف العربي والإسلامي، إذ إن وجود أية قوات عربية أو إسلامية لن يمنع فصائل المقاومة العراقية من توجيه ضرباتها إلى مختلف القوات الموجودة داخل الحدود الوطنية للعراق، وليكن لنا في التاريخ عبرة، فخلال سنوات الاحتلال الفرنسي لشمال إفريقيا استعانت القوات الفرنسية بجنود من مستعمراتها وكانت من بينهم فرق عسكرية مسلمة من السنيغال. فعلى رغم رابطة الدين والمذهب، فإن هذا لم يمنع أفراد المقاومة المغربية من توجيه ضرباتها إلى هذه القوات، على رغم علمهم أن أفرادها مغلوبون على أمرهم وأنهم تم اقتيادهم رغماً عنهم من قبل قوة الاحتلال الواحدة في المغرب والسنيغال، فكيف سيكون واقع الحال والقوات العربية والإسلامية إذا ما دخلت العراق وهي تنتمي لدول تدعي أنها حرة ومستقلة، وذات سيادة؟

إن إرسال أية قوات عربية إلى العراق خصوصاً من قبل دول الجوار لن يزيد إلا من عذابات الشعب العراقي، والتي كانت هي السبب الرئيسي فيها بدءا من انصياعها الأحمق وراء قرارات الأمم المتحدة، واحترام قرارات الحصار الاقتصادي والعسكري، وإحكام حلقاته بدعوى عدم التزام بغداد بالقرارات الدولية وخصوصاً المرتبطة بنزع أسلحة الدمار الشامل، والتي وقف القاصي والداني بعد احتلال العراق على عدم صدقيتها. مرورا بتسخيرها لقواعدها العسكرية وتوفير الدعم للقوات الأميركية لضرب الشعب العراقي كما جاء في مذكرات الجنرال تومي فرانكس «جندي أميركي»، وصولا إلى توفير مختلف وسائل الدعم اللوجستي من مواصلات ومؤن غذائية وطاقة، وهذا ما تشهد به الشاحنات وسائقوها الذين تم اعتقالهم من قبل أفراد المقاومة العراقية، والذين ينتمون إلى بلدان الجوار العربي، وهو ما يعتبر في أدبيات أية مقاومة بأنه طعن في ظهر الشعب العراقي وكفاحه من أجل الحرية واسترداد سيادته الحقيقية.

المثير في الأمر أن الدعوة لإرسال قوات عربية إلى العراق، تزامنت مع الدسائس التي تحاك في حق وحدة السودان الذي نجح حديثاً في احتواء النزاع في جنوبه بعد كثير من الجهود والتضحيات والتنازلات التي قدمتها حكومة الخرطوم حتى تنهي النزاع، وتوقف شلال الدم الذي تعدى سيلانه مدة الثلاثة عقود.

وبدلاً من أن تتوجه أنظار العرب نحو سلة الغداء العربي لتنقذها، نراها قد أخطأت الاتجاه، وبالتالي أخطأوا مرة أخرى موعدهم من التاريخ، لذلك لا بد من جامعة الدول العربية العتيدة التي أنشئت خصيصا لحماية مختلف الأقطار العربية صغيرها وكبيرها، فقيرها وغنيها، آسيويها وإفريقيها، أن تستنفر الجهد والقوى لعمل ما يحول دون تفتت هذا البلد العربي العزيز على قلب كل عربي من المحيط إلى الخليج، وخصوصاً أن الموقع الاستراتيجي للسودان يجعل كل ما يصيبه يلقي بالظلال على مختلف البلدان العربية أفريقية منها أو آسيوية، ففصل منطقة دارفور سيجعل من الجنوب الغربي لجمهورية مصر العربية، والجنوب الشرقي للجماهيرية الليبية، بل وحتى الغرب السعودي في ظل الأنباء التي تحدثت عن اتحاد معارضي دارفور مع معارضي الشرق السوداني لتوحيد جهودهما ضد حكومة البشير مهددين بشكل مباشر ما سيجعل هذه البلدان، وبالذات مصر وليبيا، مهددة في استقرارها، وخصوصاً أن تلك المنطقة قد تعتبر معبرا مهما للجماعات المسلحة (خصوصاً الليبية منها المناوئة لنظام القذافي) وتجار السلاح والمخدرات من أجل عبر الحدود، وهو ما يعني في النهاية تهديد وتقويض الأمن الاستراتيجي والقومي لبلدان الجامعة العربية التي يكفيها ما فوتته من فرص، سواء في النزاع الأريتري اليمني، أو الحرب الأهلية في الصومال، أو في جزر القمر، أو النزاع الإماراتي الإيراني، أو نزاع الصحراء الغربية. لذلك لابد أن تكون المصالح العربية الداخلية هي التي توجه العمل العربي، بدلاً من تفتيت الجهود وتقديم دعم مجاني لواشنطن، دعم بالتأكيد لن يخدم الشعب العراقي أكثر من خدمة السيد جورج بوش في حملته الانتخابية والتي تشير كل استقراءات الرأي إلى أنه سيرحل غير مأسوف عليه.

فيكفينا استغفالاً، ويكفينا ما قدمنا من خدمات مجانية لأميركا من دون أن تلتفت إلينا، وإذا التفتت إلينا فهي تفعل ذلك بيد الشر، ولنا في التاريخ القريب جداً عبرة، فلا أحد قد ينكر الدعم الذي قدمته بعض الدول الخليجية لأميركا للإطاحة بنظام صدام حسين سواء في حرب يناير/ كانون الثاني - فبراير/ شباط العام 1991، أو غزو مارس/ آذار - أبريل/ نيسان العام الجاري، والكل يتذكر أيضا كيف كافأت إدارة بوش السعوديين شعبا وعائلة حاكمة عبر الحملة الرسمية وغير الرسمية، السياسية والإعلامية متهمة الحكومة السعودية بدعم الإرهاب وتمويله وتفريخ الإرهابيين

العدد 706 - الأربعاء 11 أغسطس 2004م الموافق 24 جمادى الآخرة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً