تناولت الصحف الأميركية على نحو لافت التوتر القائم بين طهران وواشنطن على خلفية اتهامات الأخيرة للأولى وفي ظل ما تشهده إيران من ضغوط مطردة من قبل أميركا، خصوصاً بعد ما تردد على علاقتها باعتداءات 11 سبتمبر/ أيلول مع تزايد المؤشرات التي تحمل على الاعتقاد بأن الأزمة المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني توشك الآن على دخول مرحلة بالغة الحساسية إن لم تكن فاصلة. وبعد تهديدات مستشارة الأمن القومي غونداليزا رايس لإيران، وتأكيد واشنطن على وجوب تخلي إيران عن برنامجها النووي، جدد الرئيس الأميركي جورج بوش في كلمة ألقاها في واشنطن، التأكيد على وجوب تخلي طهران عن برنامجها النووي، داعيا الأسرة الدولية للضغط من أجل ذلك. وعلى رغم إشارة غالبية المعلقين إلى أن محاولات طهران رسم دور ما في العراق هو وراء التصعيد الأميركي. ربط بعض المعلقين بين ما يجري على مستوى التصعيد الكلامي مع طهران بما يجري في النجف من مواجهات دموية بين أنصار الزعيم مقتدى الصدر وقوات الاحتلال الأميركي في العراق. فرأى أحد المعلقين أن واشنطن انتظرت حتى أنضجت التسوية مع أبرز مرجع ديني في العراق آية الله السيدعلي السيستاني، وأمنت حياده، حتى شنت هجماتها القوية على أنصار الصدر، من جهة وعلى تصعيد الضغوط على طهران من جهة أخرى. لكن الملاحظ أن إجماعاً من المعلقين على مخاطر الوصول إلى تدخل عسكري أميركي في إيران. لكن وعلى رغم أن «إسرائيل» هي أول من سلط الأنظار على الملف النووي الإيراني إلا أن هناك وجهة نظر إسرائيلية مطلعة على تقارير رسمية إسرائيلية ترى أن الضغوط على إيران وإثارة الملف النووي برمته يعود لحاجات انتخابية أميركية فحسب. وفي هذا السياق تحدث المحلل السياسي في «هآرتس» ألوف بن، عن تناقض بين تقارير إسرائيلية وأخرى أميركية بشأن برنامج إيران النووي فالأولى تعتبر أن طهران استجابت للضغوط الدولية أما التقارير الأميركية فهي «مضللة» ووضعت خصوصاً من أجل مصالح انتخابية بين الجمهوريين والديمقراطيين. ونشر جورج فريدمان في «غلوبل إنتلجنس» (مركز الدراسات الاستراتيجية والجيوسياسية) تقريراً مسهباً تحت عنوان «المواجهة الإيرانية الأميركية» بشأن سياسة أميركا تجاه إيران وما اعتبره الرد الأميركي على محاولات طهران رسم دور ما في العراق. ولاحظ فريدمان، في مستهل تقريره أن الحوادث الدائرة في النجف والتوتر الذي يشوب العلاقات الإيرانية الأميركية، تدل بشكل واضح على أن واشنطن تتخذ سياسة حازمة مع طهران. وأوضح فريدمان، أن الأيام الأخيرة شهدت تطورات لافتة على الجبهة الأميركية الإيرانية. أهمها تصريح رايس بأن أميركا ستبحث كل الأدوات المتاحة لوقف البرنامج النووي الإيراني. وإصدار مذكرات باعتقال رئيس المؤتمر الوطني العراق أحمد الجلبي ورئيس المحكمة العراقية المسئولة عن محاكمة الرئيس المخلوع صدام حسين، سالم الجلبي. واختطاف دبلوماسي إيراني في كربلاء. وسفر آية الله السيد علي السيستاني، إلى لندن للعلاج. والزيارة التي قام بها رئيس الحكومة إياد علاوي إلى النجف في ظل المواجهات الدائرة بين قوات جيش المهدي والجيش الأميركي.
ورأى أن أهمية هذه الحوادث لا تمكن في مضمونها بحد ذاته بل أيضاً بسبب ما تمثله من إعادة تعريف للحرب الشاملة. وأشار إلى أن هذه الحوادث تدل على أن واشنطن تسلك عدة طرق للضغط على إيران.
وأضاف فريدمان أنه يبدو أن الأميركيين حصلوا على مبتغاهم من السيستاني خلال الأسبوعين الماضيين. لافتاً إلى ان هذا الأخير اتخذ خطوات تستسيغها واشنطن بما في ذلك التنديد بتفجير الكنائس في العراق. ونتيجةً لذلك وخوفاً من أن يؤدي الدعم الإيراني إلى تعزيز نفوذ الصدر أكثر مما تسمح به واشنطن شنت الولايات المتحدة حملتها العسكرية ضد قوات الصدر في النجف. وهنا أكد فريدمان، أنه كان من المفترض أن يغيب السيستاني عن الأنظار خلال تحرك الولايات المتحدة ضد الصدر. لذلك فقد كان لا بد من لندن، تحت حجة معالجة اضطرابات في القلب للمرجع الشيعي الأعلى في العراق. وتابع فريدمان، ان واشنطن لم تكتف بالحملة العسكرية على الصدر لوضع حد للنفوذ الإيراني في العراق بل قامت أيضاً بالدفع نحو إصدار مذكرات اعتقال بحق أحمد الجلبي وابن أخيه سالم الجلبي للضغط على إيران. وكتبت كارين آرمسترونغ في «سيدني مورنينغ هيرالد» مقالة تحت عنوان «صدام لم يكن كبش فداء مرضٍ لذلك فإن دور إيران قادم»، أجرت خلالها تحليلاً نفسياً لدوافع الحرب على العراق. فلاحظت آرمسترونغ، في مستهل مقالتها إن الأميركيين اعتمدوا مبدأ التضحية في شن الحرب على العراق. وشرحت آرمسترونغ ذلك بالقول إن صدام حسين، كان يُذكر الأميركيين بالنواحي المخجلة لسياستهم الخارجية لأن دعمهم للزعماء الشرق أوسطيين أمثاله هو الذي أدى إلى المأزق الحالي الذي وقع فيه الأميركيون اليوم. لذلك كان الأميركيون بحاجة إلى تنقية أنفسهم من هذا الوباء من خلال إبعاد صدام عن الأسرة الدولية والتأكيد على أنه تحول إلى المعارض الأول لأميركا. غير أن الكاتبة الأميركية لاحظت أنه بدلاً من أن يشعر الأميركيون بالنقاء بعد إزاحة صدام، فإن عدداً كبيراً من الناس في الغرب عموماً وأميركا خصوصاً شعروا بأنهم تعرضوا للتلوث بفعل الحرب على العراق. فهي لم تساهم في تعزيز أمن أميركا والغرب بل جعلتهما أكثر عرضة للهجمات الإرهابية. ولكن بدلاً من أن يتعلم الأميركيون من خطئهم السابق بدأوا يصورون إيران على أنها كبش الفداء التالي في الحرب على الإرهاب.
ورأت أنه في حال رغب الغرب عموماً والأميركيون خصوصاً في الخروج من الأزمة الحالية فعليهم التخلي نهائياً عن مبدأ التضحية الذي لا يسمح للغرب بإجراء نقد ذاتي بل يجعله ينزع إلى وضع مسئولية أخطائه على الآخرين. وفي السياق ذاته لاحظ الكاتب الأميركي تاد رال أنه بعدما اتضح أن غزو القوات الأميركية للعراق لم يكن مبرراً بل إنه ساهم بشكل سلبي في الحرب العالمية ضد «الإرهاب»، فإن إدارة بوش تحاول أن تغطي على أفعالها وها هي تسعى لشن حرب جديدة تحول الأنظار عن إخفاقاتها العراقية. وإذ ذكر بأن حرب العراق جاءت لتغطي على حرب أفغانستان، أكد ساخراً أنه بما أن كوريا الشمالية شديدة الخطورة وبما أن سورية صغيرة جداً لدرجة أنها لا تشد ما يكفي من الأنظار، فإن إيران بنظر الأميركيين هي هدف مناسب جداً. وأشار إلى أن الإدارة الأميركية، بدأت تسوق لحربها ضد إيران. وسخر رال، مؤكداً أن إدارة بوش تسوق الأكاذيب نفسها التي سبق لها أن ساقتها عند التحضير لشن حربها على النظام العراقي. واعتبر أنه صحيح أن طهران، ليست كاملة المواصفات إلا انها تسير بخطى ولو بطيئة نحو الديمقراطية. على أي حال، أكد رال أنه حتى وإن مضت واشنطن، في خطواتها التصعيدية ضد الإيرانيين، فإنها وعلى عكس ما جرى مع العراق، لن تتمكن في حال شنت الحرب من البقاء على الأراضي الإيرانية، مؤكداً أن القوة العسكرية الإيرانية قادرة على إغراق القوات الأميركية في الوحول الإيرانية إلى ما لا نهاية
العدد 706 - الأربعاء 11 أغسطس 2004م الموافق 24 جمادى الآخرة 1425هـ