هاتفني البعض قبل فترة من الزمن يعاتبني على موضوع يتعلق بالوحدة الوطنية والانقسام الطائفي، الذي تحاول فئة معينة إشاعته بين أفراد الوطن الواحد، ولما كانت مناسبة وفاة المجاهد عبدالله فخرو ووجدت البعض يحاول استغلال هذه المناسبة لتسجيل حضوره بصورة تملقية متمسحاً بالوطنية ورافعاً شعارات المجاهد فخرو في هذا الشأن، قفز إلى ذهني سؤال حول حقيقة النفسية التي يعيش بها هؤلاء، والازدواجية بين الشعار والواقع!
وليست الأهمية في أن تحمل شعاراً وطنياً، أو تزين عنوان جمعيتك بكلمة «الوطني» أو «الوطنية» بقدر أهمية تطبيقك لهذا المبدأ أو الشعار على أرض الواقع، فعبدالله فخرو لم يك رجل شعارات، بل كان رجل مواقف وعمل، وكما يقول المرجع مهدي شمس الدين: لا ننظر إلى الشعار بل ننظر إلى من يحمل الشعار وما هو مقصده من حمل الشعار، ثم هل يطبق الشعار... أم يكون للمناسبات فقط؟!
أقول للذي عاتبني: عبدالله فخرو حكم بيني وبينكم، فإنه قام بتطبيق الشعار في الواقع المعاش وتكلم في زمن الصمت، فماذا كنتم تفعلون؟ وفي غمرة الانفلات البوليسي والمتابعة المستمرة لكل شاردة وواردة كان فخرو عملاقاً والآخرون أقزاماً، كان فخرو يتكلم حيث لم يكن أحد يجرؤ على الكلام. كان فخرو يصول ويجول في المجالس الاجتماعية المختلفة، رافعاً هامته يدعو الناس إلى التآزر والتضامن فيما بينهم للمطالبة بحقوقهم ومواجهة الظلم والكبت، وكان الآخرون ينحنون تقبيلاً ولثماً للنعال.
كان فخرو شامخاً وكان الآخرون يتلذذون بالتذلل لأصحاب السلطة والنفوذ. وكان فخرو يمثل الأمة بجميع أطيافها وتشعباتها (في البحرين) وكان الآخرون لا يمثلون إلا أنفسهم، ولا يسعون إلا إلى كسب المواقع الشخصية أو الطائفية والفئوية الضيقة، هكذا كان فخرو، فهو كان حكيماً في حياته وله بُعد نظر وبصيرة ثاقبة بعيدة المدى، وفي مماته أضحت مبادئه التي آمن بها وضحى من أجلها حكماً بين الوطنيين والطائفيين، فهل تقبلونه حكماً بيني وبينكم؟ حكماً بمبادئه الوطنية الثابتة، حكماً بأنفته الوطنية وشموخه كالطود العظيم في مواجهة الاستعباد والإذلال والخضوع للظلم وتقبيل الأيدي والأرجل.
هذه هي مبادئ فخرو، وهكذا عاش حياته، فمبادئه لا تستقيم فيها محبة الله مع الشيطان، والشموخ في مواجهة الظلم والطغيان مع الخضوع لسلطة البغي والعدوان. هكذا كان فخرو وهكذا عرفه أهل البحرين والمحرق خصوصاً، وهو حكم بيني وبين من يعاتبني في الكتابة عن الطائفيين الجدد والمتزلفين والوصوليين، ومروجي الفتنة والشقاق بين أبناء الشعب الواحد. لهذا عاش فخرو وعلى هذا مات فخرو. لم يغير جلده كما يفعل هؤلاء اليوم، فـ «مع المغني أنتم تغنون ومع المصلي أنتم تصلون»
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 706 - الأربعاء 11 أغسطس 2004م الموافق 24 جمادى الآخرة 1425هـ