العدد 706 - الأربعاء 11 أغسطس 2004م الموافق 24 جمادى الآخرة 1425هـ

العراق... من حرب إلى أخرى

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

تتصرف الولايات المتحدة الآن في العراق وكأنها غير مسئولة عن تلك الكوارث التي يعاني منها أهل بلاد الرافدين. فالإدارة الأميركية تحاول أن تنسحب من واجهة الحوادث واضعة أمامها حكومة عراقية غير متفقة على سياسة موحدة، وتتعارض أحياناً في استراتيجيتها العامة سواء على المستوى الداخلي أو على المستوى الخارجي.

هذه سياسة مخادعة لأنها تحاول جهدها تغييب السبب الحقيقي الذي أدى إلى هذه الحال من الفوضى الأمنية والتفكك الأهلي. فأميركا تدعي أن الاحتلال ليس مسئولاً عن هذا الانهيار العام. وتدعي ايضاً أن سياسة تقويض الدولة التي اتبعتها بعد الاجتياح ليست هي السبب الحقيقي الذي دفع بعض شرائح المجتمع إلى المقاومة، وشجع قيام سلطات أهلية - محلية طلباً للحماية والأمن والبحث عن العيش بعد أن غابت إدارات الدولة عن المسرح ولم تعد هناك جهة مسئولة أو معروفة العنوان تعمل على إعادة الإعمار وانعاش بلد ضربه الخراب من شماله إلى وسطه وجنوبه.

الولايات المتحدة الآن تتصرف وكأنها الطرف المستهدف من العملية وأن أعمالها لا صلة لها بسياستها بل بقرارات تصدر عن حكومة عراقية. وقيادة الاحتلال الموجودة الآن في العراق تريد الإيحاء بأنها مستمرة في البلاد «بناء على طلب الحكومة»، وأن دورها يقتصر على تلك المهمات الأمنية التي تكلفها بها الحكومة، وأنها جاءت للمساعدة ومستمرة لاستكمال تلك المساعدات التي تطلبها منها الحكومة العراقية.

هذا هو الخداع بعينه. فالكل يعلم أن الأمور وصلت إلى ما وصلت إليه بناء على رغبة أميركية تمثلت في خطط سياسية أشرفت «البنتاغون» على وضعها. وهذه الخطط أُعلن عنها مراراً في تصريحات رسمية أطلقتها رموز الإدارة وهددت فيها بتغيير خريطة «الشرق الأوسط» وضمان أمن «إسرائيل» وتطوير الضغوط على الدول المجاورة للعراق. والكل يعلم أن قرارات الحكومة العراقية لا تأتي منها. فالأقوال والقرارات الصادرة عنها هي في معظمها جاءت «بناء على رغبة أميركية». فالحكومة العراقية معينة وليست منتخبة وهي جاءت نتاج افرازات الاحتلال وتقوض الدولة وتصدع المجتمع.

ما يحصل في العراق تتحمل مسئوليته الإدارة الأميركية حتى لو حاولت واشنطن تغطية أفعالها بقرار دولي أو بطلبات محلية. فالمسئول عن الكارثة هو الاحتلال وكل التداعيات التي وقعت بعد الاجتياح هي نتاج تلك الخطوة التي تعتبر سابقة في الاعراف الدبلوماسية ومتعارضة مع القوانين الدولية.

تحاول واشنطن الآن لعب دور المراقب فهي تعلن دعمها للحكومة العراقية وتنصح إيران ودول الجوار بعدم التدخل في شئون العراق، وذلك بهدف تغييب الفاعل الحقيقي والطرف المسئول عن الدمار الذي لحق بهذا البلد.

المشكلة الآن أن الحكومة المعينة تحاول تسويق المشروع الأميركي محلياً بالادعاء بأنها تسيطر على الموقف وأنها هي التي تقود السياسية الأميركية وهي ليست منقادة للتوجهات الأميركية. والمشكلة ايضاً أن الحكومة المعينة غير متوافقة على قراراتها. فهناك الاتجاه الأمني الذي يريد احتكار الدولة، واستخدام العنف لتطويع المجتمع، والافراط في اللجوء إلى القوة لفض النزاعات السياسية، ورفض سياسة الاحتواء للمشكلات الناشئة في المناطق كما هو حاصل في الفلوجة والنجف. وهناك الاتجاه السياسي الذي يميل إلى توسيع رقعة دولة قوضها الاحتلال وتفعيل سياسة الاحتواء لاستيعاب الملف الأمني وضبطه ضمن إطار القانون والسيادة الوطنية.

هذا الاختلاف يفسر إلى حد كبير تلك التصريحات المتعارضة بين وزير يطالب قوات الاحتلال باجتياح النجف وكسر شوكة كل المخالفين لإدارة الحكومة المعينة وبين وزير يميل إلى الحلول السياسية وعدم استخدام السلاح لحسم الاختلافات في وجهات النظر... وصولاً إلى نائب رئيس الجمهورية الذي طالب القوات الأجنبية بالانسحاب من النجف.

هذا التعارض الوزاري - الرسمي يؤكد مجدداً وجود خلل في سياسة الحكومة المعينة وهي سياسة تريد التوفيق بين حاجات الاحتلال وطموحاته وأطماعه وبين ضرورات الواقع العراقي الذي أنتج حالات من المقاومة والتمرد من الصعب كسرها بالقوة أو عن طريق استخدام جيوش الاحتلال.

العراق الآن يمر بفترة انتقالية تحاول خلالها الإدارة الأميركية الاستفادة منها لتمرير مشروعها التقويضي الممتد من العراق إلى خارجه مستخدمة قفازات محلية في وقت لاتزال بلاد الرافدين تعيش أجواء الحرب والاقتتال الدائم.

العراق فعلاً يمر بفترة انتقالية ولكن هل هو انتقال من الحرب إلى السلم أم من حرب إلى حرب أخرى؟ الجواب يرجح أن واشنطن تدفع إلى التصعيد حتى لو تصرفت على أنها تتلقى الأوامر من حكومة معينة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 706 - الأربعاء 11 أغسطس 2004م الموافق 24 جمادى الآخرة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً