«الأبارتهايد» الكلمة التي رفضها العالم بأسره وبقت محصورة في نطاق مؤسسها، مسجونة بقيود واضعيها، كلمة لم تجد لها مكانا في جميع لغات العالم لأنها باختصار عبّرت عن حالة متفردة من العنصرية الرسمية الصريحة.
«الأبارتهايد» هي أوقح كلمة وضعها النظام العنصري في جنوب إفريقيا، وأطلقها لأول مرة رئيس وزراء جنوب إفريقيا في العام 1917 جان كريستيان سماتس للحفاظ على قوة الأقلية البيض وسيطرتهم على الدولة في قبال اضطهاد السكان الأصليين السود.وبما أن التاريخ لا يمكن إخفاؤه أو التلاعب فيه كما يحدث لدينا عندما تصبح الأقلية أكثرية والأكثرية أقلية، فإن تاريخ جنوب إفريقيا واضح أيضا، ففي القرن السابع عشر بدأ الاستيطان الأوروبي لجنوب القارة الإفريقية، كان غالبية المستوطنين ذوي أصول هولندية، ألمانية وفرنسية، عرفوا بـ «أفريكان»، وبدعم من الإمبراطورية البريطانية.
«أبارتهايد» هو نظام الحكم والسياسة العنصرية التي اتبعتها حكومة الأقلية البيضاء في جنوب إفريقيا من العام 1948 حتى العام 1990، وتقوم هذه السياسة على مبادئ الفصل العنصري بين المستوطنين البيض الحاكمين وبين السكان السود أصحاب الأرض الأصليين، وتفضيل الإنسان الأبيض على الإنسان الأسود في جميع المجالات، إلا أنه مع سوء هذا النظام القمعي العنصري، فإنه لم يدّع ذلك النظام في يوم من الأيام بأنه الأكثرية، بل كان يبرر أعماله بالحفاظ على حقوق الأقلية (البيض) من الأكثرية (السود).
البيض في جنوب إفريقيا لم يخرجوا في يوم من الأيام ليقلبوا التاريخ أو يزوروه أو حتى يسلبوا الحق الوحيد الذي كان للسود وهو وصفهم بـ «السكان الأصليين» بل طالما اعترفوا بذلك وآمنوا به وعملوا على أن يبقوا الأقوى للحفاظ على ما أعتبره حقهم كأقلية قبال الأكثرية، فلم يستغلوا الإعلام لعكس الحقائق وكان بيدهم ذلك إلا أنهم يعلمون بأن حبل الكذب قصير جدا في عالم منفتح. يرتكز نظام «الأبارتهايد» على أربعة أسس أولها النشاط الاستيطاني، وثانيها تشكيل جماعة قومية (العرق الأرقى) عن السكان الأصليين، والأساس الثالث بقاء «العرق الأدنى» ضمن إطار الدولة ولكنه محروم من أبسط حقوقه، بحيث لا تعبر الدولة أبدا عن تطلعاتهم وثقافتهم.
أما الأساس الرابع لهذا النظام فهو سيطرة «العرق الأرقى» على مقدرات البلاد الاقتصادية وثرواتها، وخصوصا الأرض... أثمن الثروات إطلاقا. تلك السياسة العنصرية تقوم على أساس واحد فقط هو إبقاء الأكثرية ضعفاء، دائما محتاجين، غير قادرين على العيش حتى لا يطالبوا بحقوقهم، إلا أنها أثبتت فشلها. فعندما يزداد القمع والاضطهاد والكبت سيولد الانفجار حتما.
نعم حكم أربعة ملايين أبيض 29 مليونا من غير البيض بالحديد والنار والاضطهاد والعنصرية سنوات طويلة بالنسبة لعمرنا القصير، إلا أنها لم تدم كثيرا في تاريخ البشرية، ولم يتّعظ من درسها المكابرون والمتعنتون. الممجتمع الدولي أدان نهج العنصرية في مؤتمر دربان العام 2001، وسيدينها مرة أخرى هذا العام، وعلينا ان نكون مع المجتمع الدولي ضد كل الممارسات العنصرية، في أي مكان وأي زمان.
إقرأ أيضا لـ "هاني الفردان"العدد 2374 - الجمعة 06 مارس 2009م الموافق 09 ربيع الاول 1430هـ