كل هذه الأمور تؤكد بما لايقبل الشك أن توقيت الزيارة، والظروف التي تتم فيها يشيران إلى أهداف أخرى تتجاوز دائرة الاتحاد الجمركي العربي أو حتى الخليجي، وتتخطى حدود العلاقات المصرية - الخليجية الاقتصادية، دون إلغاء الجانب الاقتصادي من جدول أعمال الزيارة.
فعلى مستوى التوقيت، تأتي الزيارة في مرحلة تسود منطقة الشرق الأوسط عموما، والخليج على وجه الخصوص، الظروف التالية:
1. اقتصاديا، تلبد أجواء المنطقة سحب رياح أزمة اقتصادية تلوح بها ما يرشح منها من إفلاس بعض المؤسسات، وصرف نسبة لايستهان بها من الموظفين، وتراجع أسعار أسهم الشركات المدرجة في أسواق المال المحلية. هذه الأزمة تشعر مصر، قبل غيرها من الدول، أنها مرشحة أكثر من سائر دول المنطقة الأخرى لأن تكون أسوأ الضحايا وأكثرهم تضررا. وبالقدر ذاته تدرك مصر أنه، إن كان هناك من بحوزته السيولة التي يمكن أن تخفف سلبيات الأزمة فهي دول مجلس التعاون وفي مقدمتها السعودية. على هذا الأساس تعمل مصر، وكنوع من الإجراء الاحتياطي التحسبي، أن تحسن من علاقاتها مع دول مجلس التعاون كي تستعين بها للتخفيف من حدة الأزمة. لابد لنا هنا من أن نشير إلى قضية، قد تبدو ثانوية، لكنها في غاية الأهمية بالنسبة لمصر. فعند اندلاع الأزمة المالية الخليجية، سرت إشاعة مفادها احتمال صرف الكثير من العوائل المصرية العاملة في الخليج من جراء تلك الأزمة، والتي تصل أعدادها إلى عدة ملايين من الأنفس تحمل معها عشرات الملايين من الدولارات تضخها سنويا كل عام. ولابد لنا هنا من الإشارة إلى أن علاقات مصر قد تأزمت في الآونة الأخيرة مع بعض دول مجلس التعاون مثل قطر، عندما لعبت مصر دورا قياديا في إفشال قمة الدوحة.
2. سياسيا، هناك استراتيجيات جديدة يجري إعدادها للمنطقة، وقد برزت بعض دول المنطقة، بخلاف «إسرائيل»، في البحث عن دور يعزز من مواقعها عند إعادة رسم خارطة المنطقة للسنوات الخمس القادمة. أكثر ما تخشاه مصر أن يهضم حقها عند إعادة توزيع الحصص. وأكثر ما تخشاه مصر أن يكون لإيران، ولأسباب كثيرة، موطئ قدم في المنطقة، يبيح لها - أي إيران - منافسة مصر أو تحجيم دورها. على المستوى الخليجي، وفي غياب العراق المنشغل بترتيب أوضاعه الداخلية التي شلته عن ممارسة دوره الإقليمي المتناسب وحجمه السكاني والاقتصادي ، ناهيك عن السياسي، تبقى الرياض هي العاصمة العربية الوحيدة القادرة على موازنة حيز الحصة الإيرانية، وبالقدر ذاته، لاتملك مصر علاقات مع أية دولة خليجية أفضل من تلك التي تربطها اليوم مع السعودية. يضاف إلى ذلك أن الرياض، تملك علاقات حميمة مع الغرب العنصر الأجنبي الحاسم في تلك المعادلة. وفي السياق السياسي ذاته، تحاول مصر أن تنفذ من الشرخ الضيق الذي انفتح قبل أسابيع بين إيران والبحرين إثر تصريحات الأولى بشأن «حقوقها التاريخية» في البحرين، والمواجهة السريعة التي نجحت من خلالها البحرين في تكتيل قوى عربية وعالمية لصالح موقفها، مما أرغم إيران على لسان أكثر من مسئول فيها على التراجع عن تلك المزاعم.
ولكي تكتمل أمامنا جميع ملامح الصورة، لابد من أن نعود إلى أواخر العام 2007، وعندما ازدحمت الساحة بمن كانوا يبحثون عن دور فوق مسرح «خارطة الشرق الأوسط الكبير»، لم تجد مصر مدخلا أفضل من التحرك مصر باتجاه طهران، وأعيدت العلاقات الدبلوماسية بعد انقطاعها بينهما منذ انتصار الثورة الإيرانية 1979. ومن ضمن ما رشح عن الأهداف من وراء تلك الزيارة ما جاء على لسان رئيس مكتب رعاية مصالح الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالقاهرة حسين رجبي في حوار خاص مع «إسلام أون لاين .نت» حين قال «إنه بدأت بالفعل خطوات وحوارات وزيارات متبادلة بين الجانبين من أجل التمهيد لاستئناف العلاقات. ولم تخلو الزيارات المتبادلة بينهما من بعض العناصر الاقتصادية، حيث تم خلالها «افتتاح أول خط إنتاج لسيارة (بيجو بارس) الإيرانية في مصر». واعتبرت تلك الخطوة بمثابة الانطلاقة من أجل فتح «الطريق أمام شركات أخرى وخاصة من القطاع الخاص للبلدين في تدشين استثمارات مشتركة في مجالات أخرى».
على هذا الأساس نذهب إلى القول بأن الحديث، وفي هذه الأيام عن «اتحاد جمركي عربي» أوآخر «خليجي»، لايعدو كونه البحث عن مبررات تبيح تبادل الزيارات من أجل موضوعات لاتمت بأية صلة لأي منهما.
كل ذلك لايعني معارضة تلك الزيارات، أو الوقوف ضدها، ولا الوقوف ضد أية علاقات من شأنها أن تعمق العلاقات العربية على صعيدها السياسي أو الاقتصادي. ما يبحث عنه المواطن العربي هنا هو تسمية الأمور بأسمائها بعيدا عن أي تهويش إعلامي غير مقبول أو تستير سياسي غير منطقي.
وأي شيء خلاف ذلك يخرج الأمور من مسارها الصحيح ويشجع على إثارة قلاقل من شأنها أن تعيد المنطقة إلى دوامة عدم استقرار جديدة هي آخر من يحتاج لها.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2374 - الجمعة 06 مارس 2009م الموافق 09 ربيع الاول 1430هـ