ظهرت أقلام من تيار الإخوان خلال الفترة الأخيرة، وتحديداً عقب مؤتمر الإصلاح الأول الذي عقد في منتصف التسعينات من القرن الماضي تدافع عن قضايا الأمة، وتناقش مشكلات المجتمع بأسلوب واحد، ورؤية مشتركة.
ولا غرو في ذلك، فأصحاب الأقلام التي ظهرت حالياً هي نتاج حقبة ما قبل «المؤتمر». فعلى رغم أن المؤتمر أتاح الفرصة للتيار في البروز داخل المجتمع، ودفعه نحو ولوج السياسة من أوسع أبوابها، وفي الوقت نفسه أعطى الفرصة لتيار الإخوان لإبراز الفكر إعلامياً بخلاف السابق، إلا أن هذه الفرصة مازالت بعيدة المنال عن القائمين على التيار وقواعده.
وعندما نأتي إلى مناقشة الأسباب والمعوقات التي تقف أمام إمكان إبراز الفكر إعلامياً، سنجدها في المؤثرات التاريخية لقيادات التيار، وطرق التنشئة التنظيمية التي اتبعت في الماضي.
فقد أفرزت سياسات التلقين لأمهات الكتب الإخوانية، وعدم إتاحة المجال لأجيال من قواعد التيار بمناقشة ما ورد فيها من فكر وبيانات - وهو ما يتحفظ عليه التيار عندما نطلق عليه (القمع الفكري) - أجيالاً لديها نزعة عاطفية، وهو ما أثّر في سلوكها كثيراً، إذ أصبحت تنحو بشكل لافت للنظر إلى حضور ومتابعة المحاضرات الوعظية، وتبتعد عن نظيرتها التحليلية التي تظهر فيها الاجتهادات والاختلافات عن فكر الإخوان. ولم يقتصر هذا فقط على المحاضرات، وإنما مازالت أجيال التيار ما قبل المؤتمر، وما بعده تدرس كتب الاجتهادات الإخوانية.
قد لا يدرك المسئولون عن المشروعات التربوية التي ينتهجها التيار أهمية وفاعلية طرقهم، فهي من باب الإنصاف لديها القدرة على تغيير المذهب حتى، ولكن الكيفية التي يتم التعامل معها مع معطيات الواقع لم تكن صائبة.
أيضاً عامل آخر يبدو أنه آخذ في الازدياد بعد أن بدأت طرق التنشئة التنظيمية لدى تيار الإخوان بالتغير النسبي. فبعد المؤتمر التاريخي ظهر اتجاه قوي لدى كوكبة من قيادات التيار لإحداث نقلة نوعية في عمل تنظيم الإخوان، وكان هذا الاتجاه يرى ضرورة إقامة سلسلة من المشروعات التدريبية التي ستساعد على تدريب الكوادر والقواعد، وخصوصاً أن التنظيم زادت مرونته للاتصال بمدربين في مختلف المجالات من الدول الخليجية المجاورة. وهذا ما حدث فعلاً فقد ساهم هذا الاتجاه في خلق حالٍ من الهوس المؤسسي تجاه قضايا التدريب، حتى أصبحت الدورات المقامة أحياناً لا تخدم قضايا تنظيم الإخوان وكوادره، فبعضها يتعلق بعلوم النفس، وأخرى هي أقرب ما تكون إلى السفسطة إن صح التعبير. ومن المفارقات أن تنظيم الإخوان في البحرين يزخر بعشرات الكوادر المتخصصة في مجالات عدة، ولكنها غير قادرة على الظهور فكرياً وإعلامياً،
والسبب في ذلك كما ذكرنا استمرار النزعة العاطفية السابقة. ومن أبرز المؤشرات التي يمكن من خلالها رصد هذه النزعة العميقة لإبراز فكر الإخوان إعلامياً الأقلام الجديدة التي أخذت في الظهور،
إذ يغلب على مضمون مقالاتها حال من الحماس العاطفي الذي يعكس اعتقاداً مفاده أن أفضل سبيل لمعالجة قضايا الأمة ومشكلاتها هو الاستثارة العاطفية حتى يعي الناس ضرورة التحرك.
لذلك فإنه من الأهمية بمكان أن تتم محاربة النزعة العاطفية السائدة لدى قيادات وقواعد الإخوان،
ومحاولة إدخال نزعة تحليلية مغايرة لما ساد في الماضي إذا كانت هناك رغبة حقيقية في إبراز فكر الإخوان إعلامياً، ولا سيّما أن سيطرة النزعة العاطفية أصبحت عاملاً سلبياً في خلق الصورة النمطية في المجتمع للتيار وتنظيمه
العدد 705 - الثلثاء 10 أغسطس 2004م الموافق 23 جمادى الآخرة 1425هـ