ولع الأطفال بأفلام الكرتون لا حدود له، ورغبتهم في مشاهدتها وتكرار مشاهدتها لا ينتهي، ولعل هذا الأمر يشكل أحد الأسس المهمة لتحقيق الأرباح الضخمة للشركات المنتجة لهذه الأفلام، والتي يتقن معظمها أصول اللعبة ويعرف ما يريد الأطفال أولاً، إبهار بصري ومناظر جميلة وألوان زاهية، وليأتي بعد ذلك ما يضعه القائمون على الفيلم على رأس أولوياتهم وأقصد بذلك الفكرة والقيمة الأخلاقية والدرس الذي يتشربه الأطفال ليستقر في عقولهم، وليشكل أساساً للكيفية التي ستبنى بها شخصياتهم وعقولهم ونفوسهم.
فيلم Shrek الذي قدمته شركة دريم ووركس هو أحد الأفلام التي تقع على رأس القائمة بما يقدمه من ابهار بصري، لا يشد الأطفال فحسب بل والكبار أيضاً، وقد عرض الجزء الأول منه قبل ثلاثة أعوام أي في العام 2001. شريك بجزئيه مبني على قصة من تأليف ويليام ستايج، وقد شارك في كتابة نصه وإخراجه السينمائي فريق كامل من كتاب السيناريو والمخرجين ليقدموا قصة سلبت عقول الكثير من الأطفال لفترة لم تطل لكنها انتهت بعرض الجزء الثاني منه.
في الجزء الأول شاهدنا قصة الأميرة الجميلة فيونا (صوت كاميرون دياز) التي تحاصرها لعنة ساحر تجعلها أسيرة في قلعة محصنة، والتي تعيش على أمل وصول فارس أحلامها الذي سيحررها من سجنها، لكنها تصاب بصدمة حين تكتشف ان فارسها المنقذ ما هو الا غول ذميم المنظر، وهو طبعاً شريك (صوت مايك مايرز) أما الأمير الذي كان يفترض به التقدم لمساعدتها فانه لم يكن سوى شخص تافه وكسول.
في نهاية الجزء الأول تكتشف فيونا الروح الجميلة لغولها القبيح وتقع في حبه وتقرر التحول الى غولة قبيحة لتتمكن من الزواج منه والعيش معه في سعادة وهناء.
الجزء الثاني يبدأ من حيث انتهى الجزء الأول لنرى فيونا وشريك وهما زوجان سعيدان يقضيان شهر العسل، طبعاً فيونا غولة خضراء قبيحة المنظر تعيش مع شريك في مستنقعه وسط القاذورات، ويشاركهما في المنزل الحمار الثرثار (صوت ايدي مورفي) والذي ظهر في الجزء الأول. يتوجب على فيونا وشريك زيارة والديها الملك والملكة المتشوقان لرؤيتها اذ يصابان بصدمة حال لقائهما مع ابنتهما «الغولة»، فبدلاً من الفتاة الرقيقة الجميلة التي ستزف الى الأمير الوسيم «تشارمنغ» ابن الساحرة الشريرة (صوت روبرت ايفيرت)، يلتقيان بغولة خضراء سمينة لها قرنان مضحكان. تتقبل الملكة الأم (صوت جولي أندروز) الواقع الجديد، بينما يرفضه الملك «الأب» (صوت جون كليز) ويقرر التخلص من شريك فيحبك الكثير من المؤامرات التي يستأجر فيها أولاً قاتلاً مأجوراً هو القط باس (صوت أنطونيو بانديراس) لكنه يفشل في أداء مهمته وينقلب من عدو لشريك الى صديق ومرافق له، ما يجعل الملك يلجأ إلى الساحرة أو الأم الروحية (صوت جينيفر سوندرز)، التي توافق على قتل شريك واعادة فيونا الى هيئتها الأولى، بشرط موافقة الملك تزويج فيونا من ابنها المغرور الذي كان من المفترض ان يحررها من الأسر.
هذا الجزء كسابقه يشتملان على الكثير من الاشارات والتلميحات والعبارات التي تسخر من كثير من أفلام وقصص الأطفال خصوصاً ما قدم منها على شاشات هوليوود. فالأميرة في الجزء الأول حبيسة قلعة كبيرة يحرسها تنين متوحش، وهي تحلم بفارس الأحلام الذي يحررها من الأسر ويمنحها القبلة الأولى، في اشارة الى القصة الشهيرة لأميرة القلعة الحبيسة التي تدلي شعرها من شرفة القلعة ليستخدمه فارسها كحبل يصل به اليه. السخرية من هذه القصة جاءت هنا حين تكتشف الأميرة أن منقذها ليس فارساً وسيماً بل هو وحش أخضر اللون قبيح المنظر وان الأمير الوسيم ليس رجلاً شجاعاً بل هو جبان وتافه وكسول، كما ان احتجازها في القلعة جاء بطلب من والديها اللذين فعلا ذلك كما تقول فيونا في أحد المشاهد «لمصلحتها»، ولا أدري أية مصلحة يراها أي والدين في احتجاز ابنتهما ووضعها تحت رحمة تنين متوحش.
في الفيلم ايضاً اشارة ساخرة إلى مدينة هوليوود وللحياة فيها، فالمملكة البعيدة التي يعيش فيها والدا فيونا ليست سوى هوليوود كارتونية، تمتلئ بالمحلات الشهيرة مثل «فيرساتشي»، مع تغيير بسيط، ولا أدري لماذا اختار فيرساتشي تحديداً، وعدا عن ذلك نرى اشارة أخرى إلى محلات ماكدونالدز، بل ونسمع اغنيات شهيرة تسخر من هوليوود، وحين تصل فيونا لقصر والدها نرى استقبالاً يشبه ذلك الذي يلقاه نجوم هوليوود أثناء احتفالات الأوسكار.
ومن بين الشخصيات الواقعية التي يقحمها الفيلم نرى الأمير الذي تمني الساحرة فيونا بمرافقته، وهي تقول ذلك بينما تشير إلى صورة لولي العهد البريطاني الأمير تشارلز، ثم هناك السير جستن الذي تعلق فيونا صورته على حائط غرفتها (اشارة الى صديقها في الواقع المغني الشهير جستن تمبرلايك).
كذلك يدمج الفيلم في جزءيه الكثير من الشخصيات الكرتونية الشهيرة فنرى خبز الزنجبيل الشهير في قصص الأطفال، كما نشاهد الخنازير الثلاثة وبينوكيو «ذو المنقار الخشبي»، ونشاهد قصر سندريلا، ورابونزيل، بل ونلتقي بالجميلة النائمة وذات الرداء الأحمر وحتى بالذئب الذي التهم جدتها.
ولا يتوقف الأمر عند السخرية من الشخصيات فحسب، بل ان الفيلم يقلد مشاهد بعض الأفلام الشهيرة، فمشهد المائدة الذي يسيئ فيه شريك الأدب ويصدر الكثير من التصرفات غير اللائقة التي يفترض ان تكون مضحكة للأطفال!، يذكرنا الى حد كبير بمشهد من فيلم Meet the Parents، بعدها تظهر شخصية القط باس الذي يذكرنا بزورو في الفيلم الشهير The Mask of گorro، أما المشهد الذي يسرق فيه شريك وصفة الجمال والحب الدائم من معمل الساحرة فتذكرنا بمشهد من فيلم بيكسار «شركة الوحوش Monsters Inc. ».
لا اعرف حقاً لماذا فعل كتاب السيناريو ذلك، ولا اعرف ان كانوا يتصورون ان يعي الأطفال تلميحاتهم واشاراتهم تلك، إذ إن الفيلم سيظل رائعاً وجذاباً حتى من دون اللجوء إلى مثل هذه المحاكاة الساخرة التي أغضبت بعض النقاد الأميركان إذ وجدوا فيها استهزاء من ثقافة بلادهم وليس أفلام هوليوود فقط، وهي في واقع الأمر محاكاة مزعجة خصوصاً الجزء المتعلق منها بفيلم Monstersص Inc فالفيلم المذكور حقق نجاحاً كبيراً على كل المستويات وهو فعلاً فيلم جميل ويقدم فكرة جميلة لا تحتمل السخرية منها أو حتى تفسيرات الكثير من النقاد، العرب على وجه الخصوص، الذين رأوا فيه تسويقاً للرأسمالية الأميركية.
عموماً، لم يكن هناك أي داع لانتاج هذا الجزء (عدا عن الدواعي المادية طبعاً) بل ان التفكير في جزء ثان لأية قصة كانت نهايتها الأولى منطقية، يضع على القائمين عليه عبئاً أكبر لجعل الجزء الجديد مقنعاً أكثر من سابقه، وللأسف كانت النتيجة هنا قصة ذات حبكة ضعيفة وغير مقنعة وتحمل الكثير من التناقضات المقصودة وغير المقصودة. الأمر الوحيد الذي تفوق في هذا الجزء كان جمال المشاهد والصور وروعتها فهي أجمل بكثير من مشاهد الجزء الأول إذ تبدو واقعية بشكل مذهل وتبدو الحركة فيها طبيعية بصورة لا تصدق والفضل يعود للتطور الرقمي الهائل في تقنية الصور ثلاثية الأبعاد.
أفضل ما في الفيلم هو بعض الشخصيات ذات الأدوار الصغيرة وبعض النكات الظريفة وبعض المشاهد التي تحوي ظرافة مبتكرة، فيما يتعلق بالشخصيات فقد كان أظرفها هو الحمار الذي كان يطلق الكثير من النكات ويشيع جواَ من الضحك والظرافة كلما ظهر في أحد المشاهد. أما القط باس فهو أكثر الشخصيات اثارة، فهذا القط الأنيق انضم الى قائمة الابطال بعد أن تحول من عدو لشريك يسعى لقتله الى صديق حميم وظريف يثير غيرة الحمار الذي يتضايق من وجوده ويخبره انه لا حاجة لوجود حيوان متكلم آخر، ووجود هذه الشخصية يعتبر أحد العلامات المميزة للفيلم التي تضيف نقاطاً كثيرة لصالح هذا الجزء، فباس ليس شخصية كارتونية، بل هو شخصية حقيقية، بارعة في القتال، حركاتها رائعة تأسر المشاهد، والشخصية ظريفة بطريقة ما.
أما أسوأ ما في الفيلم فهو انه يجعل طفلك يحب شريك على رغم كل مساوئه لكن لا تقلقوا بعض الأطفال يشمئزون من تصرفات شريك ولا يرون فيه كفؤاً لفيونا، ولكن وعلى رغم كل النواقص وكل الانتقادات فإن مشاهدة Shrek 2 تصاحبها الكثير من المتعة والتسلية والضحك التي تجعل دقائق عرضه المئة وخمس دقائق تمر سريعاً ليس على الأطفال فحسب بل والكبار أيضاً.
«شريك 2» فيلم يستحق المشاهدة لكن أكثر ما يقلق بعض النقاد هو احتمال ظهور «Shrek 3» عاجلاً أم آجلاً، وخصوصاً أن بعض المشاهد تلهم كاتبي القصة بتتمات لها.
اخراج: اندرو ادامسون، كيلي اسبري، كونراد فيرنون
تأليف: ويليام ستايغ
كتابة النص: اندرو ادامسون، جوي ستيلمان، ديفيد ستيم، ديفيد ويس
انتاج وتوزيع: شركة دريم ووركس
تاريخ العرض الأول: 19 مايو/ أيار 2004
مدة العرض: 105 دقائق
الأصوات (شريك: مايك مايرز، الحمار: ايدي مورفي، الأميرة فيونا: كاميرون دياز، الملكة: جولي أندروز، القط باس: انتونيو بانديراس، الملك جون كليز، الأمير تشارمنغ: روبرت ايفيرت، الساحرة: جنيفر ساندرز)
إقرأ أيضا لـ "منصورة عبد الأمير"العدد 705 - الثلثاء 10 أغسطس 2004م الموافق 23 جمادى الآخرة 1425هـ
سوسو
القصه مررررررره حلوه وبذات انها مثيره للروعه شريكـ2